المرشحون «الصغار» للرئاسة في فرنسا يشكون شروط نظرائهم «الكبار»

لوبن لم تجمع سوى 300 من 500 توقيع مطلوب.. وانتقاد لعقبة علنية أسماء الموقعين

لوبن تتحدث حول موضوع جمع التوقيعات أمام مقر مجلس الشيوخ بباريس أمس (رويترز)
TT

في عام 1965 ترشحت مارسيل باربو، صانعة الجواهر والمحبة للخير، لانتخابات الرئاسة الفرنسية، باعتبارها «مرشحة الكلاب التي تتعرض للضرب». وفي عام 2002، قدم بيير رابي، المزارع والفيلسوف ذو الأصول الجزائرية، نفسه للانتخابات الرئاسية أيضا بصفته مرشح «العصيان السلمي». ودعا كوليش، الممثل الكوميدي الشهير الناخبين «الكسالى والقذرين ومدمني المخدرات والكحول» وناخبين آخرين إلى انتخابه في عام 1981. وحصلت باربو التي كان يبدو عليها الأنانية وحب الذات، على دعم كانت بحاجة إليه حتى تتمكن من الترشح للرئاسة في إطار النظام السياسي الغريب في فرنسا، والذي يشترط حصول مرشح الرئاسة على توقيع 500 عمدة أو مسؤول محلي.

وتحظى فرنسا بأكبر عدد من المرشحين للرئاسة في أوروبا، على حد قول الخبراء، لكن قواعد اختيارهم تعد الأكثر تقييدا منها في أي مكان آخر. ومنذ تأسيس نظام انتخاب الرئيس عبر الاقتراع المباشر في عام 1962، تزايد عدد المرشحين المؤهلين من 6 في عام 1965 إلى 16 في عام 2002.

وفي الوقت الذي تقبل فيه فرنسا على انتخابات رئاسية جديدة بعد ثلاثة أشهر من الآن، ينتقد الخبراء والسياسيون شرط الحصول على التوقيعات، والذي بدأ تطبيقه في عام 1962 خلال فترة حكم شارل ديغول، وبدأ بمائة توقيع، ثم زاد بعد ذلك، وإن ظل الهدف واحدا وهو الحد من عدد مرشحي الرئاسة الضعفاء.

وينص القانون في شكله الحالي على أن من يرغب في الترشح للرئاسة يجب أن يجمع 500 توقيع من العمد والمسؤولين المحليين من 30 منطقة على الأقل في أنحاء فرنسا أو في الأماكن التابعة لها في الخارج، شريطة عدم الحصول على أكثر من 50 توقيعا من منطقة واحدة. وتفصل المحكمة الدستورية التي تعد أعلى محكمة في فرنسا، في صحة الـ500 توقيع قبل شهر من الجولة الأولى للانتخابات. وأمام الراغبين في الترشح العام الحالي، فرصة حتى 16 مارس (آذار) المقبل لتقديم الاستمارات المطلوبة.

لكن فقط في عام 1976 أصبحت قائمة المسؤولين الذين يوقعون، علنية، وهي قضية تثار كلما يسعى أحد مرشحي حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف إلى الرئاسة، مثلما هو الحال العام الحالي. وتجعل سوء سمعة الحزب من الصعب على مرشحيه، ومنهم جان ماري لوبن، سابقا، وابنته مارين لوبن حاليا، الحصول على تلك التوقيعات، خاصة أن الكثير من المسؤولين المحليين أعضاء في أحزاب تنتمي إلى تيار الوسط التي تعارض اليمين المتطرف. ولم يستطع لوبن الحصول على العدد الكافي من التوقيعات في عام 1981، لكنه تمكن من الحصول على 507 توقيعات في عام 2007 على حد قول مايكل شوفيلير، أحد أبرز أعضاء الحزب في شمال فرنسا. وقد اشتكت مارين لوبن بمرارة لعدم قدرتها على تجميع سوى 300 توقيع حتى هذه اللحظة رغم حصولها على 20 في المائة من الأصوات في استطلاعات الرأي. وقال شوفيلير: «إنها لن تتمكن من الحصول على التوقيعات. إن هذا ضد الديمقراطية».

وقال غاي كاركاسون، الباحث القانوني الشهير، في مقابلة: «هذا النظام سيئ وعديم الجدوى، فلدينا الكثير من المرشحين الهامشيين الذين لا يمثلون الكثيرين». ويعد جمع 500 توقيع بالنسبة لبعض السياسيين التابعين للأحزاب السياسية الرئيسية، أمرا عاديا، بينما يقول البعض الآخر، إن هذه القانون غير ديمقراطي، وصورة من صور الاستغلال السياسي الذي يهدف إلى تقويض فرص صغار المرشحين ومرشحي الجبهة الوطنية. وقال فريدريك نهوس، رئيس حزب الصيد والطبيعة والتقاليد: «إنه سلاح للأحزاب السياسية الأساسية التي تسيطر على شبكة من العمد والمسؤولين». وتمكن الحزب من خوض الانتخابات الرئاسية مرتين من قبل، وحصل مرشحه في عام 2007 على 1.15 في المائة من عدد الأصوات.

بدأ نهوس منذ عدة أشهر ما سماه بـ«ماراثون» جمع التوقيعات في أنحاء البلاد. وحصل الحزب على 200 توقيع حتى هذه اللحظة، ويبدو واثقا من قدرته على جمع الـ500 صوت. وقال نهوس: «ما ننفقه من وقت وطاقة من أجل الحصول على هذه التوقيعات يمنعنا من تنظيم الحملات الانتخابية ومناقشة الأفكار». وأضاف أنه لا يستطيع أن يحصل على قروض من أجل حملته الانتخابية قبل أن يحصل على التوقيعات. وأوضح أن نشر أسماء المسؤولين الذين يدعمون المرشحين زاد المشكلة سوءا. وقال: «لا يجرؤ بعض العمد على الكشف عن أنفسهم بعد التوقيع، حيث قيل لهم إن الدولة يمكن أن تمنع عنهم الدعم الحكومي». ويؤكد حزب الجبهة الوطنية أن العمد الذين يرغبون في دعم مارين لوبن لن يتمكنوا من القيام بذلك لأنهم لا يريدون الإعلان عن أسمائهم.

وعلى الجانب الآخر، يصف كثيرون، ومنهم الباحث كاركاسون، حديث لوبن عن إقصائها غير الديمقراطي عن السباق الرئاسي بأنه وسيلة لتشجيع عدد أكبر من العمد على دعمها. ولا يخلو النظام الحالي من الفساد، ففي عام 2007، سلطت المحكمة الدستورية الضوء على تجاوزات مرشحين تورطوا في صفقات ومارسوا التهديدات والضغط وحتى الابتزاز على العُمد من أجل الحصول على توقيعاتهم.

وصرح ماكس بريل، عمدة لاستور، وهي بلدة صغيرة في جنوب فرنسا، لإذاعة «أوروبا 1»: «لقد بات الأمر أقرب للتحرش. إنه يبدأ بإرسال خطاب أو رسالة بالبريد الإلكتروني إلى مجلس المدينة، ثم يتطور الأمر إلى المرحلة المباشرة. لقد وصل الأمر إلى حد مجيئهم لرؤيتي وأنا أعمل في حديقة الكرم الخاصة بي». ويتمنى الكثيرون رؤية مشرعين أو مواطنين يشرعون للترشيح كما هو الحال في الدول الأوروبية الأخرى مثل البرتغال والنمسا وبلغاريا وبولندا. ففي البرتغال، يحتاج المرشح الرئاسي إلى 7500 صوت على الأقل للتوقيع على الالتماس، أما في بولندا فينبغي على الذي يرغب في الترشح الحصول على مائة ألف توقيع.

في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، قدم جان لوي ماسون، وهو عضو بمجلس الشيوخ الفرنسي عن حزب مستقل، مشروع قانون لجعل شروط دعم المرشح الرئاسي ديمقراطية. واقترح أن يكون للحزب الذي يحصل على 5 في المائة من الأصوات في آخر انتخابات تشريعية، الحق في تقديم مرشح للرئاسة.

* خدمة «نيويورك تايمز»