الخرطوم تشهد حرب مذكرات.. آخرها من القوات المسلحة

تدعو لإصلاحات.. وخبير عسكري ينفي لـ «الشرق الأوسط» وجود مذكرة من ضباط الجيش إلى البشير

الرئيس السوداني عمر البشير
TT

بعد أيام قليلة من رواج عدد من المذكرات تقدم بها إسلاميون مطالبون بإصلاحات في النظام الحاكم، تتناقل مواقع الأوساط السياسية ومواقع سودانية مختلفة على الإنترنت، مذكرة نسبت إلى 700 من ضباط الجيش السوداني، قيل إنهم تقدموا بها إلى الرئيس عمر البشير ووزير دفاعه عبد الرحيم محمد حسين، للمطالبة بإصلاحات، ووقف إشراك الجيش في حروب داخلية مع تردي أوضاعه ومنع المؤتمر الوطني الحاكم في السودان من التدخل في شؤون المؤسسة العسكرية.

وتعتبر هذه المذكرة إن صحت، الأولى من نوعها في عهد الرئيس عمر البشير، لكنها الثانية في تاريخ القوات المسلحة السودانية، حيث سبق أن تقدمت قيادة الجيش بمذكرة في فبراير (شباط) من عام 1989 للحكومة التي كان يرأسها الصادق المهدي والتي تعرف بفترة الديمقراطية الثالثة قبيل انقلاب البشير. لكن مصادر قريبة من القوات المسلحة السودانية استبعدت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، وجود مثل هذه المذكرة وقالت إن «القوات المسلحة أصبحت موالية للحركة الإسلامية وللبشير شخصيا»، بينما رجحت مصادر أخرى أن الخرطوم أصبحت هذه الأيام سوقا رائجة للمذكرات ولن يكون الجيش بعيدا عنها.

وحذرت المذكرة التي تقدم بها نحو 700 من ضابط سابقين وحاليين لم يكشف عن أسمائهم أو رتبهم، ويتم تداولها على مواقع سودانية على الإنترنت، الرئيس عمر البشير ووزير دفاعه عبد الرحيم حسين من شن حرب ضد دولة جنوب السودان التي استقلت في يوليو (تموز) الماضي وطالبوا بتحسين الكفاءات العسكرية للقوات المسلحة ومحاربة الفساد وإجراء إصلاحات السياسية في البلاد. وحسب المصادر، فإن المذكرة رفعت بعد قيام القائد العام للقوات المسلحة السودانية عمر البشير ووزير الدفاع بعقد لقاءات تنويرية نظمتها القيادة العامة للقوات المسلحة في عدد من الوحدات العسكرية داخل وخارج الخرطوم.

ووصف ضابط سابق في الجيش السوداني، طلب عدم الكشف عن هويته، لـ«الشرق الأوسط» المذكرة بالجريئة في هذا التوقيت، وقال إن «الأوضاع السياسية في السودان معقدة للغاية وبها احتقانات، وإن كافة الاحتمالات أصبحت واردة»، لكنه استعبد حدوث انقلاب عسكري في الوقت الراهن. وأضاف أن الحركة الإسلامية التي حكمت خلال 23 عاما قامت بتصفية عناصر كثيرة من كبار ضباط الجيش غير موالين للإسلاميين.

من جانبه، استبعد الخبير العسكري اللواء متقاعد الدكتور محمد العباس الأمين، لـ«الشرق الأوسط» وجود مذكرة، وقال إنه تحدث إلى قيادات في الجيش بشأن الموضوع ونفت وجود هذه المذكرة. وأضاف «إنها شائعات تأتي ضمن المناخ السياسي الحالي والاحتقان الذي تشهده الساحة السودانية، لكن ليست هناك حركة من ضباط على البشير أو قيادة الجيش»، وتابع «ضباط الجيش الحاليين، بما فيهم القيادة، موالون لـ(الإنقاذ)، وأغلبهم مع الحركة الإسلامية وبدأوا مع النظام منذ أن كانوا في رتبة الرواد والمقدمين، والآن وصلوا لرتبة اللواء ولا يمكنهم فعل ذلك»، مشيرا إلى أن «الضباط المتقاعدين لا يتقدمون بمذكرات حول القضايا السياسية إلى القائد العام، وأي ضابط متقاعد يعبر عن وجهة نظره بشكل فردي عبر المقال في الصحف أو إذا كان له حزب ينتمي إليه»، وقال «لدينا جهة تجمع الضباط المتقاعدين، ومطالبنا تقتصر على تحسين أوضاعنا المعيشية، كما لدينا مجموعة المحاربين القدامى ويشترك معنا فيها البشير ولا نتداول الأمور السياسية». وأضاف أن «البشير يتلقى النصائح السياسية من حزبه (المؤتمر الوطني) وليس القيادة العامة، التي مهمتها تنفيذ التعليمات»، وقال «في حالة التنوير العسكري، يمكن أن يتقدم الضابط برؤية في إطار الانضباط والتقاليد العسكرية، وليس توجيه مذكرة أو احتجاجات».

وأشار الأمين إلى أن أول مواجهة مباشرة بين الضباط وقائدهم شهدتها القوات المسلحة السودانية، كانت في عهد الرئيس الأسبق الراحل جعفر نميري في عام 1982 وكان وزير دفاعه الفريق أول عبد الماجد حامد خليل. وقال إن الضباط لم يتقدموا بمذكرة، بل كانت مواجهة مباشرة مع الرئيس الأسبق نميري حول قضايا جوهرية تمس القوات المسلحة، وأن النميري ظن أن المسألة انقلاب ضده فقام بفصل أكثر من (20) ضابطا من الرتب العليا بمن فيهم وزير دفاعه. وقال إن أول مذكرة مكتوبة كانت في عهد رئيس الوزراء السابق الصادق المهدي وكان القائد العام الراحل الفريق أول فتحي أحمد علي وكانت في فبراير (شباط) من عام 1989. وأضاف «كنت ضمن آخرين قد كتبنا تلك المذكرة بتوجيه من القائد العام الراحل فتحي أحمد علي وأرسلت إلى رأس الدولة الراحل أحمد الميرغني»، مشيرا إلى أن تلك المذكرة فيها قضايا تهم أوضاع القوات المسلحة إلى جانب الاحتقان السياسي في ذلك الوقت.

وتضمنت مذكرة الضباط (الحالية) جملة قضايا منها «ضرورة الالتفات إلى شأن القوات المسلحة التي تواجه جملة من المشاكل التي تخل بأدائها وتمنعها من النهوض بواجباتها»، وقالت بوجود احتياجات ماسة في مختلف جبهات العمليات العسكرية التي يقوم بها الجنود.

وطالب الموقعون على المذكرة، ومنهم من قاتل في الجنوب ودارفور خلال السنوات الماضية، بضرورة تحسين الإعدادات والتجهيزات في الجيش، لا سيما أن هناك الآن حديث التحضير لحرب جديدة مع الجنوب.

وقالت المصادر إن الضباط التقوا في اجتماعات تنويرية البشير وحسين، وأكدوا أن الأوضاع الحالية للقوات المسلحة لم تمكنها من كسب المعارك في جنوب كردفان والنيل الأزرق التي تخوضها ضد مقاتلي الجيش الشعبي في جبال النوبة، وأشاروا إلى الحاجة لمجهود ضخم وكبير، خاصة إذا كان الحديث يدور عن مخاطر خارجية، على حد تعبير المصدر.

وشدد الضباط، الذين من بينهم من هو معروف بميوله الإسلامية، في رسالتهم، بحسب المصادر، على ضرورة الفصل بين حزب المؤتمر الوطني الحاكم والقوات المسلحة حتى لا تتحمل الأخيرة أخطاء الحزب، وتصبح عرضة لتقلبات السياسة في السودان، كما طالبوا بإجراء إصلاحات عامة في نظام الحكم لأن القوات المسلحة تشعر بأن الأوضاع الحالية قد تؤدي إلى مخاطر في الأمن القومي.

وتأتي مذكرة القوات المسلحة في وقت راجت فيه مذكرات أخرى داخل أروقة الحركة الإسلامية الحاكمة في السودان، في ما أصبح يعرف في الخرطوم بمذكرات الإسلاميين، تقدمت بها مجموعات إصلاحية إسلامية. وتؤكد الأنباء وجود 5 مذكرات تنادي بضرورة توحيد الحركة الإسلامية ومحاربة الفساد داخل أروقة الدولة وإيقاف الحروب الداخلية عن طريق الحل السياسي، وطالبت مذكرة أخرى تم تداولها في الصحف السودانية خلال الأسبوعين الماضيين تعرف بـ«مذكرة الألف أخ» بإعادة توحيد الحركة الإسلامية وإصلاح النظام. كما تحدثت مذكرة ثالثة تنادي بقيام نظام مدني يمارس الفصل بين الدين والدنيا وإعادة بناء الحركة الإسلامية بعيدا عن المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي.