تجريد مصرفي بريطاني من وسام ملكي.. بعد أن أصبح رمزا لأزمة الثقة في القطاع المالي

وزير سابق: القرار يبدو وكأنه حكم بالإعدام تم في ساحة قرية دون محاكمة

فريد غودوين قيل إن نشاطاته المصرفية المحفوفة بالمخاطر كانت أحد الأسباب وراء الأزمة المالية العالمية بين عامي 2008 و2009 (رويترز)
TT

قرار تجريد الرئيس التنفيذي السابق للبنك الملكي الاسكتلندي (رويال بانك أوف اسكتلند) فريد غودوين من وسام «فارس الإمبراطورية البريطانية» الذي منحته له الملكة عام 2004، والذي نزع منه على أثر ذلك لقب «سير»، قد أثلج صدور العديد من العاملين في القطاع البنكي ممن خسروا وظائفهم نتيجة لنشاطاته المصرفية «القاسية» عندما استحوذ على مؤسسات ومنتجات مالية قبل اندلاع الأزمة المالية العالمية عام 2008. ومع قرار التجريد أصبح «السيد فريد غدوين» بدلا من «السير فريد» اللقب الملازم للتكريم الملكي. وكان يسمى أيضا بسبب أساليبه المصرفية الصارمة اسم «فريد الممزق».

وبهذا القرار فقد انضم غودوين إلى قائمة من الأشخاص ممن جردوا من أوسمة وألقاب منحتها لهم الملكة إليزابيث الثانية تقديرا لمواقعهم وخدماتهم، منهم الرئيس الروماني الراحل نيكولاي تشاوشيسكو والرئيس الزيمبابوي روبرت موغابي.

يذكر أن وسام فارس يمنح إلى رؤساء الدول تكريما لهم لكن اللقب الملازم للوسام، أي سير، لا يستخدم إلى من قبل من يحملون الجنسية البريطانية.

إلا أن قرار الحكومة اعتبر مصلحيا وسياسيا من قبل العديد من السياسيين وخبراء في الدستور والمؤسسات المالية ومن العاملين في الحقل المصرفي، وهؤلاء ليسوا بالضرورة من أصدقاء غودوين. وكان من المنتقدين للقرار وزير الخزانة السابق اليستر دارلينغ الذي قام بضخ 45 مليار جنيه إسترليني (70 مليار دولار) عام 2008 لإنقاذ البنك الذي كان يعاني من أزمة سيولة مالية بعد أن استحوذ على بنك أمرو الهولندي بقرار من رئيسه التنفيذي فريد غودوين، والتي تسببت بتدهور أوضاع البنك وفقدانه مكانته وقيمة أسهمه. وضع السيولة للبنك الملكي الاسكتلندي آنذاك اعتبر من الأسباب الرئيسية وراء الأزمة المالية البريطانية على الرغم من التداعيات المالية الأخرى عالميا.

وقال اليستر دارلينغ وزير الخزانة السابق إن قرار الحكومة أخذ بخفة ويعكس نزوة الدوائر الرسمية في هذه القضية الجدية والتي لا يمكن تسليط اللوم فيها على غودوين فقط، لأن نشاطاته المصرفية، والتي كان لها الأثر في الأزمة المالية التي تواجهها بريطانيا، لم تكن محدودة في أعمالها «لأنه لم يكن المصرفي الوحيد الذي تسبب في ذلك».

وقالت الحكومة تعليقا على القرار إن «إدارة فريد غودوين في البنك الملكي الاسكتلندي تسببت في أسوأ ركود اقتصادي في بريطانيا منذ الحرب العالمية الثانية». مضيفة أن غودوين كان وراء القرارات التي اتخذها البنك في صفقات الاستحواذ، «ولهذا من الصعب أن يحتفظ فريد غودوين بوسامه ولقبه».

وقال وزير الخزانة الحالي في الحكومة الائتلافية جورج اوزبورن إن البنك الملكي الاسكتلندي أصبح رمزا للأخطاء التي اقترفت بخصوص الاقتصاد البريطاني خلال الحقبة الماضية والتي تربع خلالها فريد غودوين على قيادة البنك، ولهذا فيجب أن يجرد من وسامه».

كما تدخل اللورد ديغبي جونز وزير التجارة الأسبق الذي قال أمس في مقابلة مع «راديو4» التابع لهيئة البث البريطاني «بي بي سي» إنه على الرغم من أنه كان سعيدا بالنتيجة، أي تجريد فريد غودوين من لقبه، فإنه يعتقد أن الطريقة التي نفذ بها «تفوح منها رائحة الإعدامات التي تتم في ساحة القرية دون محاكمات»، مضيفا أن هذه القضية تثير علامات استفهام حول منح الناس أوسمة وألقابا مقبل قيامهم بواجباتهم.

وكانت «لجنة المصادرة» المكونة من بعض العاملين في الجهاز الإداري البريطاني قد أوصت بأن تسحب الملكة هذا اللقب من فريد غودوين، والذي دعمه زعماء الأحزاب السياسية الرئيسية. ويعتقد أن هذا القرار الذي اتخذ بسرعة فائقة جاء على خلفية ما كتبته صحيفة «الديلي ميل» اليومية، التي بينت في مقال ما استشفته من آراء أعضاء مجلس العموم والحكومة ومن جميع الأحزاب الرئيسية الممثلة في البرلمان بأن هناك امتعاضا تجاه فريد غودوين لما سببه من مآسٍ للعديد من عامة الناس نتيجة نشاطاته البنكية وأسلوبه الإداري المصرفي المحفوف بالمخاطر.

وقال دارلينغ في هذا السياق إنه بمجرد أن قامت اللجنة بالنظر في موضوع غودوين أصبح من المؤكد أنها ستتخذ قرار التجريد. وقال لـ«بي بي سي»: «إن القرار لم يكن مستقلا وقائما على المعطيات التي تخص حالته. لقد لاحظت اللجنة في أي اتجاه تهب الرياح واتخذت قرارها تحت هذا التأثير.. لا أريد أن أدافع عن سلوك فريد غودوين.. لكنه خطأ كبير أن نتخذ قراراتنا نتيجة لبعض الأهواء وليس بناء على بعض المبادئ التي تحكم بعض القضايا الدستورية».

ويعتقد العديد من المعلقين أن الحوار الدائر في بريطانيا بين الحكومة والمعارضة يتخذ أحيانا منحنيات سياسية انتهازية يستخدم فيها بعض الشخصيات العامة خصوصا في القطاع المصرفي كتنفيس سياسي عن المأزق الذي دخل فيه الاقتصاد البريطاني، وكل من القوى السياسية تحاول تسجيل أهدافها على الخصم وتبني رصيدها السياسي.

قرار تجريد فريد غودوين من لقبه رحب به زعيم المعارضة إد ميليباند. إلا أنه حاول أيضا أن يرفع من رصيده السياسي باتهام الحكومة بأنها وراء «ثقافة المكافأة» والتي دارت رحاها مؤخرا بسبب الملايين التي منحت لبعض التنفيذيين في القطاع المصرفي خصوصا في البنك الملكي الاسكتلندي.

وعلى الرغم من تجريده من لقبه والمخاطر التي اتخذها فريد غودوين فإنه ما زال يحتفظ براتب تقاعدي يساوي 400 ألف إسترليني (600 ألف دولار سنويا)، وهذا يعتبر نصف المبلغ الذي منح له أولا من البنك. وكان قد منح أكثر من 650 ألف إسترليني سنويا مدى الحياة من رصيد ادخار يفوق 12 مليون جنيه إسترليني (18 مليون دولار)، وبعد مفاوضات وإحراج مالي وسياسي خفض المبلغ إلى النصف.

وقال ميليباند «نريد تغييرا حقيقيا في نظام المكافآت يعكس المسؤولية الحقيقية للعاملين في هذا القطاع».

وعكست مداولات البرلمان بين الحكومة والمعارضة حدة الصراع السياسي ومحاولة جميع الأطراف لعب أوراقهم لاستمالة عامة الناس الذين يشعرون بأن هناك «قوانين للفقراء وأخرى للأغنياء» بخصوص قضية المكافآت للعاملين في القطاع المصرفي الذي يتفق الجميع على أنه وراء الأزمة المالية العالمية. ومن هنا جاء الخلاف حول ستيفين هيستر المدير التنفيذي الحالي للبنك الملكي الاسكتلندي. وفي يوم الأحد الماضي تخلى عن علاوة بنحو مليون جنيه إسترليني (1.5 مليون دولار) بعد انتقادات حادة من المواطنين والسياسيين البريطانيين، لأن الحكومة أو دافعي الضرائب يملكون أكثر من 80 في المائة من أسهم البنك.

وقال البنك إن ستيفن هيستر لن يحصل على 3.6 مليون سهم بقيمة 963 ألف إسترليني وهي مكافأة قدمها مجلس الإدارة له الأسبوع الماضي. جاءت هذه المكافأة إضافة إلى أجره البالغ 1.2 مليون إسترليني.

يأتي هذا الإعلان بعد إعلان مشابه السبت الماضي عن اعتزام رئيس مجلس الإدارة فيليب هامبتون التنازل عن علاوة بقيمة 1.4 مليون إسترليني في شكل أسهم، بعد أن شكلت العلاوات إحراجا لرئيس الوزراء ديفيد كاميرون الذي دعا إلى شن حملة صارمة على الأجور الضخمة للمسؤولين التنفيذيين. وقال متحدث باسم البنك «سير فيليب هامبتون لن يحصل على 5.17 مليون سهم رصدت له في 2009 عندما انضم إلى (آر بي إس)». كان هامبتون حصل في 2010 على راتب أساسي قدره 750 ألف إسترليني دون أي مكافآت أداء أو مزايا إضافية فوق ذلك.

وكان قد تخلى هيستر عن علاوته بعد أن هدد حزب العمال المعارض التقدم بمشروع قرار يحجم عن المدير التنفيذي للبنك العلاوة، وأراد الحزب من ذلك إحراج الحكومة وخصوصا أعضاء حزب الديمقراطيين الأحرار في الحكومة الائتلافية لأن هؤلاء دخلوا الحكومة ببرنامج انتقادي لثقافة المكافآت في القطاع المالي. والاعتقاد السائد بأن هيستر اتخذ خطوته وتخلى عن مكافأته حتى لا يحرج الحكومة من خلال مشروع القرار العمالي.