القاهرة: سحابة غاز تغطي محيط ميدان التحرير وسقوط قتيل ومئات الجرحى

الغضب يحاصر مبنى «الداخلية» ومسيرات تقترب من وزارة الدفاع ورئيس الوزراء يستنجد بالعقلاء

متظاهرون مصريون يتسلقون أحد المباني التي اشتعلت أثناء الاشتباكات بالقرب من وزارة الداخلية، أمس (أ.ب)
TT

ارتجلت العاصمة المصرية أمس تعبيرها عن الغضب والحزن بعد مقتل 74 مواطنا وإصابة المئات في أحداث الشغب التي شهدها استاد بورسعيد عقب مباراة كرة قدم بين ناديي الأهلي والمصري البورسعيدي. واتفقت آلاف المسيرات التي جابت شوارع القاهرة أمس على تحميل المجلس العسكري الحاكم في البلاد، ووزارة الداخلية مسؤولية الأحداث، لكن المسيرات الحاشدة اختلفت في وجهتها ووسائل تعبيرها عن الغضب.

ففي حين استمرت المواجهات بين آلاف المتظاهرين وقوات الأمن في محيط وزارة الداخلية القريب من ميدان التحرير، تراجع ميدان الثورة عن واجهة المشهد، وبدا كاستراحة للمحتجين، بينما انطلقت مسيرات أخرى قاصدة وزارة الدفاع بحي العباسية (شرق القاهرة) وسط هتافات تطالب بتسليم السلطة للمدنيين مع تأكيد سلمية المسيرة.

وفي محيط موقع الاشتباكات في وسط القاهرة، حيث امتد الكر والفر بين المحتجين وقوات الأمن إلى الشوارع المحيطة بالوزارة، وتقاطع دوي إطلاق النار وقنابل الغاز وصفارات عربات الإسعاف التي حضرت بالعشرات وهي تجلي مئات المصابين من أطفال وشباب مشجعي كرة القدم، بينما وقفت أمهات وآباء حاولوا منع أبنائهم الصغار من الوجود في قلب الاشتباكات دون جدوى.

إلى ذلك، ناشد الدكتور كمال الجنزوري، رئيس مجلس الوزراء، عقلاء الأمة والكتاب والمفكرين وشباب الثورة التدخل لاحتواء الموقف المتصاعد بين قوات الأمن والمتظاهرين وحماية المنشآت العامة ومؤسسات الدولة.

وتغير موقف مواطنين وشباب من أهالي منطقة عابدين الشعبية الملاصقة لوزارة الداخلية، الذين كانوا في أحداث سابقة كأحداث شارع محمد محمود العام الماضي، يشكلون لجانا شعبية لحماية الوزارة، ويدخلون في مناوشات مع المحتجين، تغيرا جذريا أمس، بسبب مصرع 5 من أبنائهم أعضاء ألتراس الأهلي خلال أحداث بورسعيد.

وعقب صلاة الجمعة، قام عدد من أهالي عابدين بمحاصرة مبنى الداخلية، ليفتحوا بذلك جبهة جديدة مقابلة للجبهة الرئيسية للمواجهات بين المحتجين وقوات الأمن التي تقع في شارع محمد محمود في تقاطعه مع شارع منصور.

وقام أهالي المنطقة برشق قوات الأمن بالحجارة، مما أثار حماسة المحتجين الرئيسيين في الجانب الآخر من المواجهات فحاولوا اقتحام الكردون الأمني الذي يقع في تقاطع شارع محمد محمود مع شارع فهمي، ليتمكن أهالي عابدين من الانضمام للمحتجين في نقطة المواجهات الرئيسية. لكن قوات الأمن كثفت من إلقاء القنابل المسيلة للدموع.

وتطوع عدد من شباب منطقة عابدين الذين يملكون دراجات نارية بنقل المصابين من أماكن مختلفة في محيط الاشتباكات إلى سيارات الإسعاف، وقال محمود علي، أحد شباب منطقة عابدين (23 عاما)، لـ«الشرق الأوسط»: «لدي موتوسيكل (دراجة نارية) وأقوم بنقل المصابين إلى سيارات الإسعاف، لأن ما شهدناه اليوم وأمس (الخميس والجمعة) من عنف تستخدمه قوات الأمن ضد المتظاهرين لا يمكن السكوت عنه».

وتابع: «كنا في الماضي كلما حاول متظاهرون اقتحام وزارة الداخلية نقوم بالتصدي لهم وطردهم من محيط شارع نوبار فلا يستطيعون الوصول إلى هذه المنطقة، لكن الناس في المنطقة غاضبون لأن 5 من شباب المنطقة أعضاء في ألتراس الأهلي استشهدوا في بورسعيد بينما كانوا يشاهدون المباراة، فشعرنا جميعا بأن الأمن لا يهتم بحياة أحد».

في غضون ذلك، اقتربت الأسر المصرية، ربما للمرة الأولى، من موقع الأحداث، حيث وقفوا على هوامش الشوارع المحيطة بمنطقة الاشتباكات في محيط وزارة الداخلية ينتظرون عودة أبنائهم الصغار من غبار المعركة وسحب الغازات المسيلة للدموع.

وقال أحد هؤلاء الآباء، ويدعى محمد سلامة (39 عام)، لـ«الشرق الأوسط» «هذه هي المرة الأولى التي أقترب فيها من ميدان التحرير في أيام ثورته، أنا أصلا كنت أخشى في عهد مبارك أن آتي أو أن أمر بجوار مبنى وزارة الداخلية».

سلامة الذي كان ينتقد الشباب إبان أحداث محمد محمود ومجلس الوزراء نهاية العام الماضي، معتقدا «أنهم يصرون على اقتحام وزارة الداخلية»، تغيرت نظرته كليا للأمور، وقال: «أنا الآن شعرت وعرفت لماذا يصر هذا الطفل الصغير على الموت ومواجهة القنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطي، لقد رأوا بأعينهم أصدقاءهم يتم إلقاؤهم كأكياس القمامة من فوق أسوار مدرجات استاد بورسعيد ولم يستطيعوا إلا أن يعودوا بجثثهم ليبكوا مع ذويهم على قبورهم».

وقال الطبيب محمد أحمد الذي يعمل بأحد المستشفيات الميدانية، إن قتيلا واحدا على الأقل سقط يوم أمس، مشيرا إلى وجود ثلاثة مصابين في حالة حرجة، مؤكدا أن الإصابات جاءت بطلقات خرطوش، مع وجود شكوك بشأن نوعية الغاز المسيل للدموع المستخدم من قبل قوات الأمن.

وفشلت أمس محاولتان لإنهاء الاشتباكات التي لا تزال حتى كتابة هذا التقرير، تستعر بجنون، وسط سقوط مئات المصابين. وقال موفد «الشرق الأوسط» لمنطقة الأحداث إن إمام مسجد عمر مكرم الشيخ مظهر شاهين فشل في محاولته لإقامة درع بشرية للفصل بين المتظاهرين وقوات الأمن، كما فشلت محاولة أخرى قام بها عدد من المتظاهرين.

ولم تكن النقاشات والسجالات في ميدان التحرير أقل حدة من الأحداث داخل مناطق الاشتباكات بالشوارع المحيطة بمقر وزارة الداخلية، وما بين منتقد لسياسات المجلس العسكري وآخرين يرون أن البلاد تسير نحو فوضى عارمة.

في المقابل، قالت مصادر أمنية لـ«الشرق الأوسط» إن عددا من الخارجين عن القانون اعتلوا أسطح المباني القريبة من مبنى وزارة الداخلية وألقوا قنابل المولوتوف (الزجاجات الحارقة) على قوات الأمن المركزي المعينة لتأمين المبنى، مما أدى إلى وقوع 138 مصابا من بينهم 16 مصابا بطلقات خرطوش.

وتابع المصدر قائلا «حاول العشرات أكثر من مرة اقتحام المبنى أو القفز من على الأسوار، والتزمت قوات الشرطة أقصى درجات ضبط النفس في التعامل معهم دون إطلاق الرصاص الحي أو الخرطوش».