العراق يقر بصعوبات العقوبات على إيران.. ويتجه للطلب من أميركا استثناءه من تنفيذها

نائب محافظ البنك المركزي لـ «الشرق الأوسط»: طلب الاستثناء مشروع

مهربون يحملون خيولهم استعدادا لرحلة شاقة عبر الجبال قرب السليمانية في كردستان العراق الى إيران (رويترز)
TT

أقرت الحكومة العراقية بالصعوبات التي يمكن أن تحصل للاقتصاد العراقي وللمجتمع العراقي جرَّاء فرض الحظر الاقتصادي على إيران. وقال نائب محافظ البنك المركزي العراقي، الدكتور مظهر محمد صالح، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «إن العراق، الذي سبق له أن مر بمثل ما يراد أن تمر به الآن إيران أو سوريا لاحقا، يعرف جيدا الآثار التي يمكن أن تترتب على هذه العقوبات، خاصة في ظل علاقات متداخلة منذ سنوات طويلة». وأضاف أن «الطلب الذي تنوي الحكومة العراقية التقدم به لاستثنائها من العقوبات المفروضة على إيران إنما هو طلب مبرر ليس دفاعا عن إيران وإنما بسبب تداخل العلاقات التجارية بين البلدين، لا سيما أنها في غالبيتها علاقات ذات طابع مدني استهلاكي».

وأوضح صالح أن «التجارة المدنية الاستهلاكية هي الآن شريان الحياة بالنسبة للعراق، وليس لدينا بديل عنها، وبالتالي فإن قطعها يلحق أضرارا فادحة بالمصالح الاقتصادية والحياتية للناس»، مشيرا إلى أن «القوانين الدولية لا تحرم التجارة المدنية طبقا للمادة 50 من القانون الدولي، وبالتالي فإن هناك أسبابا موضوعية تحكمنا في هذا الاتجاه».

وأشار المسؤول العراقي إلى أن «العراق لا يزال تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وبالتالي فإن من يطالب العراق بالالتزام بهذه العقوبات أو يضغط عليه بأي اتجاه عليه أولا أن يرفع البند السابع». وردا على سؤال حول دخول عملات مزورة من إيران إلى السوق العراقية كجزء من تخفيف الضغط على إيران، قال نائب محافظ البنك المركزي: «إن الجهات المسؤولة في البنك المركزي العراقي، بوصفه بنك البنوك في العراق، قامت بمتابعة هذا الأمر فوجدت أن هناك مبالغة كبيرة فيه وأن العملية لا تخلو من تصعيد بهدف تسييس هذه العملية»، مشيرا إلى أن «كل بلد في العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية، يعاني هذا الأمر، لكنها في العراق عملية محدودة وتحت السيطرة تماما ولم تصل إلى مرحلة الخطوط الحمراء وفق السياقات التي يتعامل بها البنك المركزي مع حالات من هذا النوع». وأضاف أن «التدفقات المالية التي تدخل البنك من المصارف، وهي أحيانا بالتريليونات من الدنانير، يجري فحصها بدقة ولم تسجل إلا حالات محدودة وهي ضمن المسموح به». وأقر صالح بأن «هذا يعتبر من الجرائم الاقتصادية التي تتطلب متابعة من قبل الجهات الأمنية حتى لا تستفحل».

يُذكر أن العراق أعلن، على لسان الناطق باسم الحكومة العراقية علي الدباغ، أن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران تسببت في صعوبات للعراق؛ نظرا للعلاقات الاقتصادية والتجارية الوثيقة التي تربطه بجارته الكبرى؛ لذا فإن بغداد قررت الطلب من واشنطن استثناءها من الالتزام بهذه العقوبات.

وقال الدباغ في تصريحات صحافية: «إن هناك علاقات قوية جدا ومتشعبة بين القطاع الخاص في البلدين، وإيران هي المصدر الرئيسي للمواد الغذائية وغيرها من السلع المختلفة للسوق العراقية». وتابع: «إن حجم التبادل التجاري بين البلدين الجارين يبلغ مليارات الدولارات، ويشمل مشتريات حكومية خاصة؛ حيث تصدر إيران للعراق طيفا من الخدمات والسلع، من الطاقة الكهربائية إلى الوقود إلى الغذاء وسائر السلع الاستهلاكية». وأضاف: «لا يمكن للعراق أن يلتزم بهذه العقوبات؛ فنحن ملزمون بضمان مصالحنا».

وأكد الدباغ أن «العراق سيقدم، في الأيام القليلة المقبلة، طلبا إلى الولايات المتحدة لاستثنائه من نظام العقوبات». وأضاف: «إن بغداد حريصة على تطبيق القوانين الدولية» وإنها التزمت بالعقوبات الأخرى المفروضة على إيران، لكن العقوبات الجديدة التي تشمل حظر التعامل مع البنك المركزي الإيراني تعتبر مصدر إشكال خاصا.

وفي تطور آخر ذي صلة واصل لليوم الثاني على التوالي أمس الآلاف من مواطني قضاء جومان والقرى التابعة له تظاهرهم في الشوارع قاطعين الطريق الدولي الرابط بين إيران وكردستان العراق، مطالبين بتسليمهم أحد المتهمين بقتل شاب كردي من سكان القضاء.

وبحسب مدير المجمع الجمركي لمعبر الحاج عمران، فإن «الحركة التجارية توقفت تماما على الحدود، وهناك مئات الشاحنات والسيارات متوقفة على جانبي الحدود بسبب قطع المتظاهرين الطريق العام»، مضيفا «باستثناء سماح المتظاهرين لبعض الأفراد من المرضى بعبور الحدود، لا يسمحون لأي سيارة أو شاحنة بنقل البضائع عبر الحدود مما يهدد بشلل تام للحركة التجارية إذا استمرت الأحداث بهذا الشكل».

وكانت المظاهرات قد انطلقت يوم الخميس بمشاركة المئات من سكان القضاء الحدودي مطالبين السلطات الأمنية بتسليمهم أحد المتهمين بقتل مواطن في البلدة لإنزال القصاص به في الشارع، لكن السلطات الأمنية التي اعتقلت المتهم امتنعت عن تسليمه للمواطنين الثائرين الذين أغلقوا طوال الأيام الثلاثة الماضية الطريق الدولي الرابط بين إيران وكردستان العراق.

وفي اتصال مع قائمقام القضاء عبد الواحد كواني أكد لـ«الشرق الأوسط» أن اعتصام المواطنين على الطريق العام «ما زال متواصلا، ولم تنفع الوساطات المحلية بثني المواطنين عن قطع الطريق الدولي، بما فيها وساطة قام بها محافظ أربيل الذي وعد المتظاهرين بتسريع محاكمة المتهم وإنزال القصاص به».

وفي اتصال آخر مع نوزاد هادي، محافظ أربيل، أكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «مطالب هؤلاء المواطنين تعجيزية، ورغم أننا بذلنا جهودا كبيرة لإقناعهم بالعودة إلى منازلهم انتظارا لقرار المحكمة، فإنهم ما زالوا متمسكين بمطلبهم وهو تسليم المتهم إليهم ليقتلوه في الشارع، وهذا أمر غير قانوني لن نسمح به تحت أي ظرف كان، لأننا في إقليم كردستان نسعى لبناء دولة يسود فيها القانون، وأن يكون القانون فوق الجميع، ولا يمكن بأي حال من الأحوال تسليم أي متهم إلى أي جهة من دون إجراء محاكمة عادلة له، وهذا حق من حقوقه الإنسانية والدينية أيضا».

ويعد معبر الحاج عمران الشريان التجاري لإقليم كردستان، حيث تمر فيه يوميا أكثر من خمسمائة من الشاحنات تنقل مختلف البضائع والسلع التجارية في مقدمتها مواد غذائية التي تعتمد عليها مدن كردستان بشكل يومي. وما زالت الفرق الأمنية تبحث في النهر عن جثة المجني عليه.