مؤتمر في طهران يتحول إلى هرج ومرج بعد أن تساءل حضور: أين سوريا؟

حاضرون رددوا شعار «الله.. حرية.. سوريا».. ومتملقون للنظام ردوا بهتافات مؤيدة للأسد.. ونجاد حذر من «مخطط إسرائيلي»

TT

كان من المقدر أن تكون هذه لحظة إنجاز ناجح تضع فيها إيران بصمتها الإسلامية الخاصة على انتفاضة «الربيع العربي». فقد أتى أكثر من ألف ناشط شاب إلى هنا في وقت سابق من هذا الأسبوع (على نفقة الحكومة) لحضور مؤتمر عن «الصحوة الإسلامية»، في محاولة من جانب طهران لإضفاء طابع جديد على الانتفاضات العربية التي اندلعت العام الماضي.

ومع تدفق المفوضين إلى مبنى اجتماعات ضخم بجوار برج شاهق في غرب طهران، بثت شاشة صورا للثورة الإيرانية التي وقعت في عام 1979، متحولة بشكل متواصل إلى عرض صور متظاهرين عرب من الشباب في تونس ومصر والبحرين وليبيا واليمن. غير أنه كان ثمة أمر مثير للاهتمام، فلم تتم دعوة أي شخص من سوريا، التي يعتبر رئيسها المستبد، بشار الأسد، حليفا مهما لإيران. وعادة ما يشار إلى المتظاهرين السوريين من قبل حكومة طهران بوصفهم عملاء أجانب، بصرف النظر عن حقيقة أنهم مسلمون يحاربون نظاما ديكتاتوريا علمانيا (ووحشيا).

وسرعان ما خيمت تلك الحقيقة المزعجة على السيناريو بأكمله. ومع بدء المؤتمر، حمل شاب من بين جمهور الحضور لافتة عليها كلمة «سوريا؟» باللغة الإنجليزية. وتعالى تصفيق الحضور، متبوعة بأصوات ازدراء. بدأ أفراد الجمهور يرددون شعار المتظاهرين السوريين: «الله، حرية، سوريا»، غير أنه سرعان ما طغى على صوتهم أصوات آخرين يرددون شعارات مؤيدة للأسد.

وبعدها بقليل، اعتلى الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد المنصة للإدلاء بكلمته الافتتاحية وتناول الموضوع بفظاظته المعهودة.

«يجب أن نكون حذرين: الغرب يحاول إحداث نزاع طائفي في مجتمعاتنا، في إطار مخططه لتأمين بقاء إسرائيل».. هكذا تحدث. وأردف قائلا: «اليوم سوريا، وغدا بلدنا». وقوبلت كلماته بهتافات ثناء هادرة من قبل مجموعة من المتملقين من بين جمهور الحضور. غير أن كثيرا من المشاركين لم يتقبلوا هذا الحديث، وبدا أن الانتفاضة قد تركت أثرها داخل قاعة المؤتمر. وفي الظهيرة، تم منع الصحافيين من متابعة فعاليات المؤتمر.

«تلقينا تعليمات مشددة بألا نتفوه ببنت شفة عن سوريا».. هذا ما قاله صحافي من وكالة أنباء إيرانية حكومية وهو يرسم ابتسامة على وجهه أثناء فترة استراحة.

لقد أبرز المؤتمر موقف طهران المتعنت في خضم التغيرات الدرامية التي تعصف بالعالم العربي. فمن منظور ضيق، عرقلت الأحداث طريق طهران. لقد استحوذت الأحزاب الإسلامية على السلطة في تونس ومصر والمغرب، وربما تفوز بالسلطة بالمثل في ليبيا وسوريا واليمن.

لكن لا يبدو من المحتمل أن يسود نظام حكم رجال الدين القائم في إيران تلك الدول، التي يحتفى فيها بـ«النموذج التركي» للديمقراطية الانتخابية والإسلام المعتدل كهدف في حد ذاته. كذلك، تمثل معتقدات الشيعة في إيران في حد ذاتها عقبة مهمة في منطقة غالبية سكانها من المسلمين السنة، فضلا عن أن التوترات الطائفية في تصاعد مستمر. ولا يزال كثير من العرب مستائين من موقف إيران المعارض لحكوماتهم.

ومع بدء المؤتمر، عرضت الشاشة في قاعة الاجتماعات صورا لسقوط حكام مستبدين، بطريقة أحجار الدومينو: أولا الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، ثم الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، يليه العقيد الليبي معمر القذافي، وأخيرا الرئيس اليمني علي عبد الله صالح.

وتزامن مؤتمر طهران مع ظهور إشارات جديدة دالة على الخلاف بين إيران ودول إسلامية أخرى. ففي يوم الأحد، استضافت تركيا مؤتمرا للمعارضة السورية، التي أدان أعضاؤها دعم إيران لعمليات القمع الوحشية التي ينتهجها النظام السوري ضد المتظاهرين. وفي يوم الثلاثاء، غادر وفد سعودي مؤتمرا إسلاميا عقد في إندونيسيا، بعد أن وجه رئيس البرلمان الإيراني السابق، ناطق نوري، انتقادات للسعودية (لا حاجة للقول إنه لم يكن هناك سعوديون من بين الحضور في مؤتمر طهران).

وتأتي جهود إيران لمواصلة الحرب ضد إسرائيل نظرية وبالية، في الوقت الذي يمر فيه كثير من العرب باختبار قاس للوحدة الإسلامية، بغض النظر عن مدى تعاطفهم القوي مع القضية الفلسطينية.

بدت مجموعة الشخصيات المسيطرة على مؤتمر طهران - الجالسة أمام منضدة على المنصة - منفصلة تماما عن أحداث العام الماضي: رجال الدين أصحاب اللحى الرمادية ورئيس وزراء العراق السابق وقادة إسلاميون متقدمون في العمر من حزب الله وفصيل فلسطيني.

أثناء مؤتمر صحافي مع علي أكبر ولايتي، أحد مستشاري المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، تساءل صحافي أردني حول كيفية التمييز بين ثورة حقيقية ومؤامرة أجنبية، بأسلوب بدا يحمل جانبا من السخرية.

أجاب ولايتي قائلا: «إنه سؤال جيد». وإجابته بسيطة: «إحداهما تدعم الولايات المتحدة والصهاينة، والأخرى تقف ضدهم».

وأشار مراسل تلفزيوني باكستاني إلى أن بعض أعضاء الوفد الباكستاني قد وجهوا افتراءات قاسية ضد الشيعة في بلدهم، والآن يرددون شعارات عن الوحدة الإسلامية، ربما، على حد قوله، لتأمين خططهم أو سعيا لتحالفات مع طهران في أمور سياسية. وقال الصحافي: «الحديث هنا عن الدين، لكن في الباطن، يتعلق الحديث برمته بالسياسة».

وقال بعض المشاركين إنهم يحترمون دعم إيران المستمر للقضية الفلسطينية. وكان آخرون ممتنين لقضائهم إجازة مدفوعة النفقات في مكان لم يزوروه من قبل مطلقا.

وأثناء فترة استراحة تخللت وقائع المؤتمر، وقف شاب ليبي عمره 31 عاما، يدعى حافظ الرازي عبد الله، بالخارج تحت أشعة الشمس، حاملا علم ليبيا ومتحدثا إلى صحافيين. وقال: «هذا المؤتمر منصب حول وحدة الإسلام. إنه أمر إيجابي». غير أنه أضاف سريعا أنه هو وليبيين آخرين ممتنون للولايات المتحدة لدعمها الثوار الليبيين في الإطاحة بالعقيد القذافي، وأنه يأمل في قيام نظام مدني ديمقراطي في بلده. ولدى سؤاله عن سوريا، رد قائلا: «بشار طاغية ويجب الإطاحة به».

وعند سؤاله عن سبب استمرار إيران في دعم القائد السوري، ابتسم ابتسامة ساخرة وقال: «أحمدي نجاد يدعمه لأن كليهما شيعي».

وعلى مقربة، كان هناك رجلا دين معممان من مدينة قم الإيرانية المقدسة يتجاذبان أطراف الحديث. وسلم أحدهما، ويدعى يحيى زاهانجيري، بأن كثيرا من الإيرانيين مختلفون مع حكومتهم في موقفها من سوريا. وقال: «ولكن في المعتاد يكون ذلك لأسباب داخلية فقط، على رأسها أنهم لا يروق لهم أحمدي نجاد بدرجة كبيرة».

تمت تغطية وقائع المؤتمر بشكل مكثف في وسائل الإعلام الإخبارية الإيرانية، ووضعت ملصقات تحمل كلمة «الصحوة الإسلامية» على الحوائط بالقرب من قاعة المؤتمر. وقد قوبلت في بعض مناطق طهران باستهزاء. وجاءت واحدة من الرسائل النصية الشهيرة التي يتم تداولها على الهواتف الجوالة على نطاق واسع بمختلف أنحاء العاصمة كالتالي: «إذا كنت تجد صعوبة في النوم ليلا، فلا تقلق، ليس السبب هو الأسعار المرتفعة أو الفقر أو البطالة، بل إنك تعاني من الصحوة الإسلامية!».

* خدمة «نيويورك تايمز»