معسكر بوتين يسعى لإجهاض مظاهرات المعارضة اليوم

تحول المظاهرات في موسكو إلى «تجارة رائجة» وسلعة «مدفوعة الأجر»

ميدفيديف (يمين) وبوتين يتحدثان قبل اجتماع مجلس الأمن القومي قرب موسكو أمس (رويترز)
TT

تواصلت أمس الاتصالات التي قام بها مؤيدو فلاديمير بوتين لحشد القوى البشرية المطلوبة للدفع بها إلى المظاهرات المقرر خروجها اليوم إلى شوارع وميادين موسكو وكبريات المدن الروسية. وبينما كانت القوى والأحزاب المعارضة لبوتين، التي سبق أن خرجت في مظاهرات حاشدة تدعو إلى إلغاء نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة ورحيل بوتين، قد حصلت على موافقة السلطات المحلية لإقامة مظاهراتها اليوم في ساحة «بولوتنايا» غير بعيد عن الكرملين، انقسم مؤيدو بوتين بين فريقين، قالوا إن أحدهما مدعو إلى «الذوبان» في صفوف مظاهرات المعارضة، بينما يتفرغ الثاني لإقامة مظاهراته التي تدعو إلى انتخاب بوتين في ساحة النصر البعيدة نسبيا عن موقع مظاهرات المعارضة.

ولم تقتصر عملية حشد المناصرين والمؤيدين على التوجيهات الرسمية من جانب الرؤساء والمديرين للمرؤوسين والعاملين في المؤسسات والأجهزة الحكومية والمدارس والمستشفيات وتعدتها إلى شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي التي حفلت بالإرشادات والتعليمات اللازمة. ونشرت قناة «دوجد» (المطر) اعترافات يكاتيرينا بويتسوفا التي قالت إنها كُلفت وعدد من زملائها في العمل، إلى جانب المئات من ممثلي جهاز الأمن والمخابرات، بالخروج للمشاركة ضمن صفوف مظاهرات المعارضة في إطار توجيه عام يقضي بضرورة رفع لافتات تأييد بوتين والهتاف صراحة لصالحه.

وقالت مصادر المعارضة إن ممثلي الحزب الحاكم ومؤيديه في الأجهزة الرسمية للدولة يحرصون على استقطاب الموظفين الحكوميين وأفراد الجهاز الإداري للخروج في المظاهرات لقاء «حوافز مادية» لا يعلنون عن ماهيتها وإن قال البعض على صفحات «فيس بوك» إنها تصل إلى حجم نصف الراتب في الوقت نفسه الذي يطالبون فيه من يعتذر عن المشاركة بتقديم إقرارات كتابية تفسيرا لأسباب اعتذاره.

ولم تقتصر الدعوة إلى الخروج للتظاهر على مؤيدي بوتين، بل شملت الفصائل السياسية الأخرى التي راح ممثلوها يلجأون إلى مواقع الإنترنت والوكالات المتخصصة في اختيار الجموع البشرية التي تحتاجها الأفلام والمسلسلات التلفزيونية، لتوفير الأعداد اللازمة للمشاركة في المظاهرات. ويكفي الدخول إلى موقع «.ru» لاستبيان ماهية وأسعار القوى اللازمة، ليس فقط للمشاركة في الأفلام والمسلسلات، بل ولكل المناسبات والفعاليات، ومنها المظاهرات والحشود الانتخابية. أما عن قيمة المكافآت والأجور فتتراوح بين 500 روبل (نحو 18 دولارا) وحتى 1500 روبل، أي قرابة الخمسين دولارا. وتتضمن هذه المواقع الإلكترونية شرحا وافيا للقوى البشرية المطلوبة من الجنسين ومن الأعمار المختلفة، بينما تحدد لون البشرة والقوام إلى جانب مواقع التجمع لاختيار المطلوبين لهذه الفعالية أو تلك. ويكشف أحد «وكلاء» هذه العملية ممن يسمونهم «الريس» عن أنهم يختارون إحدى محطات مترو الأنفاق موقعا للتجمع؛ حيث يقومون هناك بتلقين من يقع عليهم الاختيار بما يجب الكشف عنه في حال استجوابهم من جانب قوات الأمن، وهو ما لا يتعدى الجمل النمطية التي غالبا ما تكون في إطار أنهم جاءوا لتأييد بوتين! اللافت أن أجهزة الأمن، كما أشارت شبكة «نيوز رو»، تلجأ أيضا إلى هذه المواقع لاختيار عدد من الشباب فارع الطول قوي البنية لتجنيدهم للاندساس بين صفوف المتظاهرين كعيون لها في إطار مهمة محددة تقتصر على إبلاغها أولا بأول بأي تحركات تستهدف الإخلال بالأمن أو النظام ومساعدتهم في الإمساك بكل من تسول له نفسه القيام بنشاط تخريبي. إلا أنه من السذاجة أيضا بمكان تصور أن ممثلي المعارضة لا يلجأون إلى إجراءات مشابهة وهم الذين يمارسون أفعالا مشابهة حين ينقلون أنصارهم إلى مواقع المظاهرات ويمدونهم بكل ما يلزم من لافتات ورايات وأعلام، فضلا عن مقابل مادي معلوم لكبار السن، لا سيما من أنصار الحزب الشيوعي. كانت قيادات المظاهرات التي خرجت إلى شوارع وميادين العاصمة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي قد كشفت صراحة عن تلقيها تبرعات مالية لتمويل الفعاليات المناهضة للنظام، وإن أكدت أنها لم تتلق أي تبرعات من جهات أجنبية أو مصادر خارجية.