الآلة الإعلامية تركز على الشكل لتكريس شرعية الزعيم الجديد لكوريا

كيم يتصرف مثل جده المؤسس.. وأنباء عن خضوعه لجراحة حتى صار شبيها به جسمانيا

كيم جونغ - أون (يمينا) وتمثال لجده كيم إيل - سونغ في بيونغ يانغ (يسارا)
TT

عندما برز كيم جونغ - أون لأول مرة كوريث للحكم في كوريا الشمالية في سبتمبر (أيلول) 2010، بدا، إلى حد بعيد، أشبه بجده، الذي كان أقرب ما يكون إلى إله بالنسبة للكوريين الشماليين، حتى إن مسؤولي الاستخبارات في كوريا الجنوبية أشاروا إلى أن الكثير من الكوريين الشماليين الذين شاهدوه على شاشة التلفزيون للمرة الأولى انفجروا في البكاء.

وقال كيم كوانغ إين، رئيس «مركز استراتيجية كوريا الشمالية» (مؤسسة بحثية مقرها سيول) إن «النظام يرغب في أن ينظر الشعب إلى كيم جونغ - أون كما لو أن القائد العظيم كيم إيل - سونغ بعث من جديد. فقد عملوا على زيادة وزنه وأخضعوه لتدريب قاسي - حتى إن البعض يقول إنه «خضع جراحة تجميل أيضا - كي يبدو أشبه ما يكون بجده».

ومنذ ارتقائه إلى السلطة في أعقاب وفاة والده كيم جونغ - إيل، في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، قدم كيم جونغ - أون نفسه على أنه نسخة طبق الأصل إلى حد كبير من جده كيم إيل - سونغ - بدءا من الطريقة التي يصفق بها بيديه، والمشية العسكرية والطول مع الكرش، نزولا إلى أدق التفاصيل مثل المعاطف الطويلة، والسوالف القصيرة والذقن المزدوج والخدين الممتلئين.

الترويج لكيم على أنه تجسيد لمؤسس كوريا الشمالية، والذي يحظى بتوقير واسع النطاق، يشير إلى الآلة الخبيرة التي تعمل على خلق زعيم جديد. فالاستراتيجية التي جعلت كيم يتقمص شخصية جده، واعتمدت على الحنين إلى الزعيم المؤسس، لتبرير وتعزيز الخلافة، تعكس لدى البعض تواضع حجم السيرة الذاتية لكيم ومدى التأثير الكبير لجده ووالده الذي ينبغي أن يسير عليه. كما تشير إلى اليأس بين النخبة الذين يعلمون أن مناصبهم تعتمد على بقاء سلالة كيم. لكن إمكانية استمرار ذلك من عدمه لا تزال نقاش واسع.

حاليا، هناك توقعات محمومة بشأن نوعية الزعيم الجديد - مجرد رمز، أم كيم جونغ - إيل جديد، أم سيكون دنغ شياوبنغ كوريا الشمالية. ويقول آن تشان - إيل، وهو ضابط سابق بجيش كوريا الشمالية: «عندما تنظر كوريا الشمالية إلى كيم جونغ - أون، سيتذكرون كيم إيل - سونغ وهو في الثالثة الثلاثين من العمر».

يشير آن، البالغ من العمر 57 عاما، إلى عام 1945 عندما كان كيم إيل - سونغ، زعيم حرب عصابات يقاتل من أجل استقلال كوريا، ودخل بيونغ يانغ في نهاية الحكم الاستعماري الياباني، واصفا نفسه بالمحرر المبتسم. والحقيقة أن الأميركيين والروس هم من حرروا كوريا من اليابان وقسموها إلى شطرين سيطر كل منهما على جانب.

ويضيف آن، الذي فر إلى الجنوب عام 1979 وعمل محللا حكوميا في سيول قبل افتتاحه مؤسسة بحثية، «المعهد الدولي لدراسات كوريا الشمالية» في عام 2010، خاصة «بعد المصاعب التي شهدتها كوريا الشمالية خلال الأعوام الأخيرة، بدأ الشماليون يشعرون بالحنين إلى محرر آخر».

كان كيم جونغ - إيل متخصصا في الدعاية وأخرج العديد من الأفلام، وكان عمله الأخير تجهيز كيم جونغ - أون كخليفة، ورث سياسة والده مع وجه جده. كان دورا يعلم كيم جونغ - إيل أنه لن يتمكن من الاضطلاع به. فأشار إلى أن شكله الأشبه بالإجاص كان موضع بغض الكثيرين من الكوريين الشماليين (وصف نفسه ذات مرة بأنه «قزم قبيح» بحسب كوريين جنوبيين كانوا قد التقوه).

ومنذ وفاة كيم جونغ - إيل، تعهدت وسائل الإعلام المملوكة للدولة بأن ينهج كيم جونغ - أون نفس نهج والده، أو سياسة «الجيش أولا»، ذلك النهج الذي يعطي أولوية لمخصصات الدخل إلى الجيش، والتي شكلت ركنا أساسيا في جهود والده، والآن الابن، للحفاظ على الوحدة الداخلية.

لكن حكم كيم جونغ - إيل الذي استمر على مدى 17 عاما اتسم بالفيضانات والجفاف والمجاعة الجماعية وتعزيز العقوبات الدولية ردا على برنامج أسلحته النووية. في العلن عادة ما كان يبدو عنيدا ومنعزلا. وكان الجنرالات المتذللون يخشون التقرب منه، وقليل من الكوريين الشماليين من سمعه يتحدث.

وفي المقابل يتخذ كيم جونغ - أون شخصية واثقة لافتة للنظر تستدعي إلى الأذهان جده، الذي عادة ما يصور في الكتب المدرسية والجداريات كزعيم محاط بالأطفال والعمال. وقد جاء وجه كيم الشاب كزعيم جديد للبلاد واعدا بالنسبة للشعب الذي عانى طويلا «بدولة قوية ومزدهرة».

الابتسامة العريضة، وشرب عينة من الحساء في مطبخ المدرسة وتشبيك الأيادي مع العمل، والتسلق على ظهر دبابة مع الجنود ومعانقة الطيارين الشباب الذين عانقوه بالدموع والتقرب من جنرالات الجيش ليعطيهم كلمات المشورة، جعلت كيم جونغ - أون يبدو في الداخل في دوره الجديد كأب وطني لأن جده وملوك كوريا القدامى كانوا موضع توقير من رعاياهم.

لكن الأوضاع في بيونغ يانغ قد لا تسير بنفس السلاسة التي تبدو بها. فلدى كيم جونغ - أون، الذي يعتقد أنه يعيش أواخر العشرينات من العمر، عم ذو نفوذ قوي، هو جانغ سونغ - تايك، الذي يعمل كمستشار لكيم، لكن طموحه عدا ذلك يلفه الغموض.

وهناك الأخ الشقيق لكيم، كيم جونغ - نام، الذي يعيش شبه منفي في الصين ويتحدث بصورة منتظمة إلى صحافيين من اليابان، عدو كوريا الشمالية اللدود، وهو يتوقع نهاية مأساوية لحكم شقيقه الأصغر. وكانت انتقاداته الجريئة لكيم جونغ - أون قد أثارت التكهنات بأن الصين وبعض الجنرالات في بيونغ يانغ ربما يحمونه كنوع من التحوط، إذا ساءت الأوضاع في خلافة كين جونغ - أون. وقد أعلنت بكين عن دعمها رسميا لكيم جونغ - أون.

وعبر تشجونغ سجونغ تشانغ، المحلل في معهد سيجونغ، عن اعتقاده بأن كيم جونغ - أون قد وطد من نفسه كخليفة قبل وفاة والده. فالجنرالات الذين ساعدت والدته في ترقيتهم قبل وفاتها عام 2004 ساندوه. غير أن آخرين يعتقدون أن كيم لا يزال مجرد رئيس صوري، فيما لا تزال السلطة الحقيقية في يد عمه جانغ.

ويقول العديد من المحللين إنه رغم كل شيء، فإن من الواضح الآن أن كيم رمز لوالده وجده المتوفيين. ففي هذه السلالة الهجينة من الكونفوشيوسية والستالينية التي أنشأها جده ووالده، قُدم على أنه صاحب حق في الحكم لأن دماءه تتصل بكيم إيل - سونغ. وأن هذا يعني أيضا أنه قد يجازف بشرعيته كقائد إذا رفض سياسات والده وحاول تنفيذ تغييرات جذرية. ذات الخوف يسيطر على النخبة، الذين ترتبط مصالحهم الراسخة بعائلة كيم، والتي تمنح أيضا بالوراثة.

وهذا يفسر إلى حد كبير سبب أن النظام لم يأل جهدا في الترويج لكيم الشاب. ومنذ جنازة والده، كان يزور وحدة عسكرية كل أربعة أو خمسة أيام، لينصب نفسه راعيا وقائدا كفؤا، وربما جرى تسليط الضوء عليه كزعيم بسبب كونه أكثر شبها بجده منه بوالده.

ويقول لي يونك كيول، عالم الأحياء في كوريا الشمالية الذي فر إلى كوريا الجنوبية عام 2006 ويرأس الآن مركز كوريا الشمال لخدمات المعلومات الاستراتيجية، وهي مؤسسة بحثية خاصة: «يبدو أن الحمض النووي انتقل من الجد إلى الابن، متخطيا الأب. لذا سيكون هناك زعيم جديد أشبه بجده لا بوالده. لكن ذلك لن يغير الكثير في الشمال».

* خدمة «نيويورك تايمز»