التوازنات الإقليمية تمثل التحدي الأكبر لإنجاح الثورة السورية

المصالح السياسية والاقتصادية تلعب دورا كبيرا في تحديد مصير الأسد

TT

زاد القمع الكبير الذي تمارسه الأجهزة الأمنية السورية بحق المتظاهرين السوريين، العراقيل التي تواجه الثورة السورية، حيث تصطدم بواقع إقليمي أكثر تعقيدا ومصالح دولية أكثر تشابكا لأطراف متعددة، فمن سوء حظ المحتجين السوريين أن النظام السوري يمسك بعدة أوراق إقليمية دفعة واحدة وهو ما يجعل إزاحته الفورية بمثابة زلزال إقليمي غير معروف العواقب، وبالتالي فإن الأطراف الإقليمية واللاعبين الدوليين المعنيين بالأزمة منشغلون أكثر بترتيب مصالحهم أكثر من الأزمة ذاتها.

ويعد سقوط نظام الأسد خسارة إقليمية كبيرة لإيران، وهو ما تعمل على تفاديه بأي ثمن، وكشفت الشهور العشرة من ثورة السوريين عن أن النظام الإيراني يدعم نظام دمشق بالعتاد والمال لتجنب سقوطه، وذهب الكاتب الفرنسي آلان فراشون إلى أن إيران يمكنها الإيعاز لحزب الله بأن يتحرش بإسرائيل، وعندها يمكن أن تندلع حرب إسرائيلية - لبنانية جديدة، وهو ما يعتبره الورقة الأخيرة بيد الأسد، حيث سيكون في مقدوره حينها أن يضع على الطاولة خيارا مستحيلا: إما أنا وإما الاضطراب الإقليمي.

ومن الشمال من سوريا، تتخوف تركيا التي أعلنت مساندتها ضمنيا للثورة السورية، بل استوعبت أعدادا غفيرة من اللاجئين السوريين في معسكرات على الحدود بين البلدين، ودعمت المنشقين عن الجيش السوري بالسلاح، من استخدام النظام السوري الورقة الكردية التركية في مواجهتها، وهو ما قد يؤدي إلى امتداد الاضطرابات السورية إلى الداخل التركي ليهدد نسيجها المجتمعي والطائفي، وكذلك ما يمثله هذا الموقف من تهديد باشتعال التوتر على الحدود التركية - السورية حيث تقطن غالبية للطائفة العلوية، والتي تتعاطف مع النظام السوري العلوي الحاكم، ولكن سياسة تركيا الخارجية الحكيمة تنظر للأمر على نحو مختلف.

وتعد سوريا جسر عبور للمصالح التركية والإيرانية، فبالنسبة لتركيا تعد سوريا مفتاحا للعبور تجاه المنطقة العربية عبر التحرك جنوبا إلى لبنان والأردن وفلسطين والعراق، أما بالنسبة لإيران فتعتبر سوريا النافذة العربية التي ترعى من خلالها طهران مصالحها عبر التحرك غربا في اتجاه العراق ولبنان، ناهيك عن كونها نافذتها أيضا على الشواطئ الشرقية للبحر المتوسط، الأمر الذي يكسبها مزيدا من النفوذ الإقليمي في مواجهة الغرب.

فبعدما كان هناك توافق بين دولتين حول صياغة مستقبل المنطقة العربية قبل الربيع العربي تجاه ملفات مهمة وشائكة، تبدل هذا التوافق مع اندلاع الثورة السورية، فبات الموقف الإيراني المتناقض من الثورات العربية بين تأييد للثورتين التونسية والمصرية مقابل إدانة للثورة السورية ووضعها في خانة المؤامرة هو وسيلة تركيا الرئيسية لفك الارتباط الاستراتيجي بين دمشق وطهران لإضعاف الأخيرة إقليميا تمهيدا لعزلها وتقليص نفوذها.

ويقول مراقبون إن تركيا ترى أن نموذجها المعتدل العلماني في ظل حزب ذي مرجعية إسلامية «حزب العدالة والتنمية» يمكن طرحه كخيار مثالي ونموذج يحتذى به في دول الربيع العربي التي هي في طريق بناء الديمقراطية، وعليه يكون نجاحها في فك الارتباط بين دمشق وطهران من شأنه تغيير منظومة التوازنات في المنطقة لصالح النموذج المعتدل الذي تمثله تركيا، وبالتالي فإن إسقاط نظام الأسد سيكون بمثابة الضربة القاضية لإيران لما سيتبعه من سقوط لحلفائها في المنطقة، خاصة في لبنان، وستصبح إيران وقتها محاصرة تماما بقوة تركيا الإقليمية القريبة من المنظومة الغربية. أما عن إسرائيل، فمن الواضح للعيان أنها تفضل استمرار نظام الأسد المستقر على وصول المتطرفين الإسلاميين إلى السلطة في دمشق، في ظل المؤشرات التي ترجح أن يمثل «الإخوان المسلمون» بديلا للنظام السوري في حالة سقوطه.

وعربيا، يرى مراقبون أن للجانب العربي مواقف لا تتناسب مع حجم المعاناة التي يعيشها الثوار السوريون من عنف، بدءا من توقيع عقوبات اقتصادية على دمشق، في إطار المجلس الوزاري بالجامعة العربية، تشمل وقف التعامل مع البنوك السورية، وتجميد الأرصدة السورية في البنوك العربية، ووقف ضخ الاستثمارات العربية إلى الأراضي السورية، فضلا عن تجميد عضوية سوريا بالجامعة العربية، ودعوة الدول الأعضاء إلى سحب سفرائها من دمشق. لتضييق الحصار على نظام الأسد وتهديده بأزمة اقتصادية ومالية خانقة، فإن تطبيق تلك العقوبات لم يكن جادا بالمستوى الذي يجعلها مضرة بالنظام السوري، فالأردن طلبت استثناءها من هذه العقوبات لما سيترتب عليها من ضرر جسيم يلحق بالاقتصاد الأردني، خاصة في قطاعي التجارة والطيران.

كما يرى المحللون السياسيون أنه في حالة نجاح الدول الغربية التي تناهض نظام بشار الأسد في إصدار قرار دولي بالتدخل الدولي في سوريا، فإن ذلك التدخل سوف يصطدم بهذا الواقع الإقليمي الذي سيمثل عقبة أمام نجاحها في إسقاطه، وذلك فالدول الغربية لن تجازف بإرسال قوات برية، بل تفضل القصف الجوي. مما يعطي للأسد هامشا كبيرا للمناورة على الأرض، وسيطلب مساعدة إيران وحزب الله بشكل وثيق، الأمر الذي سيجعل من حماية المدنيين والسلم الأهلي في هذه الظروف مهمة شبه مستحيلة، ويهدد بفتح جبهة اقتتال طائفي، وبقطع الحراك السلمي، ويجهض الثورة بالكامل.

* وحدة أبحاث «الشرق الأوسط»