مقرب سابق من بوتين يتحول إلى مناهض للفساد

كوليسنيكوف يتحدث عن قصر للزعيم الروسي بمليار دولار.. ونفي رسمي للرواية

كوليسنيكوف قال إنه «من المستحيل اليوم إخفاء أي شيء. لم يعد من السهل على السياسيين الكذب» (نيويورك تايمز)
TT

سيرغي كوليسنيكوف، عالم فيزياء حيوية، كان يعتقد أنه سيقضي سنوات عمله يكدح في الظل بعيدا عن الأضواء، داخل معهد سري تابع للجيش السوفياتي. ومع انهيار النظام الشيوعي، أصبح رجل أعمال ثريا وجزءا من الشبكة الرأسمالية القريبة من فلاديمير بوتين، من خلال العمل في إعادة بناء نظام الرعاية الصحية البدائي في روسيا، لكنه اليوم يعمل على كشف ما يعتقد أنه فساد وصم عهد بوتين.

بدأت حملة كوليسنيكوف الشخصية التي تتضمن مخاطرة منذ 13 شهرا بنشر خطاب مفتوح موجه للرئيس ديمتري ميدفيديف، الذي كشف فيه عن قصر يصل سعره إلى مليار دولار، يطل على البحر الأسود، زعم أنه ساعد في بنائه سرا لبوتين. ونفى معاونو بوتين علاقتهم بهذا القصر والمساحة المحيطة به الذي كانت تملكه شركة يديرها صديق قديم للزعيم الروسي.

ومع ذلك، لا تزال الأسئلة تُطرح، حيث نشرت النسخة الروسية من موقع «ويكيليكس»، صورا فوتوغرافية تثير الدهشة انتشرت على الإنترنت، وقال ناشطون وصحافيون روس، حاولوا زيارة الموقع، إنه تم منعهم وتم استجوابهم من قبل الاستخبارات الروسية. كما ذكرت صحيفة «نوفايا غازيتا» الروسية، والأكثر انتقادا لبوتين، حصولها على عقد يعود تاريخه إلى عام 2005 يثبت تورط مكتب الرئيس الروسي في عملية البناء. وأشارت تقارير إخبارية روسية في مارس (آذار) الماضي إلى بيع القصر إلى صديق آخر لبوتين مقابل 350 مليون دولار.

وكان كوليسنيكوف قد غادر البلاد في ذلك الوقت واستقر في النهاية في أستونيا، وأخذ يزود الصحافيين بالوثائق التي تؤكد روايته عن دوره في شبكة رجال الأعمال الذين تربطهم صلات ببوتين. وأبدى حرصا على الحذر من أعوان الحكومة، الذين يعتقد أنهم يرغبون في إسكاته.

وقال كوليسنيكوف الذي يرتدي نظارات بلا إطار ويبدو أصغر كثيرا من عمره الذي يبلغ 63 عاما، في مقابلة في مقهى بمانهاتن الشهر الماضي خلال زيارة قصيرة له في الولايات المتحدة: «أعتقد أن كل الأماكن خطيرة بالنسبة لي، لكن إذا استطعت أن تكشف الحقيقة للبلد عن هذا القصر وكل هذه المكائد والمؤامرات، سيرحل بوتين في غضون أسبوعين». وأضفى الاهتياج المفاجئ، الذي يتصدر المشهد السياسي في روسيا والذي اتضح من خلال المظاهرات المناهضة لبوتين، بعدا رومانسيا إلى حملة كوليسنيكوف. وقال كوليسنيكوف إن روسيا تستجيب لنفس العناصر الغاضبة، من إنترنت وهواتف ذكية مدججة بالمقاطع المصورة، التي دعمت الثوار في الربيع العربي. وأضاف: «من المستحيل اليوم إخفاء أي شيء. لم يعد من السهل على السياسيين الكذب».

إنه يهاجم بوتين، رئيس الوزراء الحالي الذي يعتزم الترشح لفترة رئاسية ثالثة في الانتخابات المزمع إجراؤها في الرابع من مارس (آذار)، بشدة، وميدفيديف، للتنازلات السياسية التي سارعا بتقديمها منذ ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وأوضح قائلا «يعتقد الناس أنه مقبل على مفاوضات. هذا مستحيل. إن عقليته مثل عقلية القذافي». وأضاف أنه سيتشبث بالسلطة بإصرار القذافي نفسه.

ابتدع روائي يحاول تصوير فترات مميزة من التاريخ الروسي الحديث المضطرب، تاريخ أسرة كولسينيكوف وسجلها. كان والده رجلا عسكريا شارك في الحرب العالمية الثانية، بينما تعمل والدته التي لا تزال على قيد الحياة، طبيبة وهي عاصرت في فترة مراهقتها حصار لينينغراد الرهيب. وحصل على درجة الدكتوراه في الفيزياء الحيوية في بداية السبعينات، وقضى أكثر من 15 عاما في إجراء الأبحاث العسكرية على «وسائل الدفاع البيولوجية» ضد الأسلحة المتقدمة مثل الليزر في لينينغراد. وكان يحب العمل الذي كان يتقاضى عنه أجرا جيدا بمقاييس الاتحاد السوفياتي.

وقال كولسينيكوف: «كان للاتحاد السوفياتي جوانبه الإيجابية، حيث لم تكن هناك تلك الفجوة الكبيرة بين الطبقة العليا والدنيا. ولم يكن الناس مهوسين بالمال، وكانت السيطرة على الدولة محكمة، لكن كان بمقدور الكثيرين القيام بأعمالهم الإبداعية».

تزوج كولسينيكوف وأنجب ابنا درس الفيزياء ويدير حاليا شركة تعمل في مجال تكنولوجيا المعلومات. تُوفيت زوجته الأولى بسبب السرطان، وهي خسارة وصفها بـ«أكبر مأساة في حياته»، وتزوج مرة أخرى. وبعد أن أصبحت المشاريع الخاصة قانونية وشرعية خلال فترة حكم غورباتشوف الإصلاحية عام 1989، أسس كولسينيكوف مشروعا للمعدات الطبية. وكان شريكه يعمل موظفا في وزارة الصحة وكان أيضا ضابطا في جهاز الاستخبارات الروسي ومن معارف بوتين، الذي كان يعمل هو الآخر في جهاز الاستخبارات.

وفي 1991، وهو العام الذي استعادت فيه لينينغراد اسمها القديم (سان بطرسبورغ)، قال كولسينيكوف إن بوتين، الذي كان مسؤولا في المجلس المحلي للمدينة حينها، دعاه وشريكه لإقامة مشروع مشترك على أن يستورد المجلس المحلي للمدينة ويصنع المعدات الطبية ويجدد المستشفيات القديمة. وعندما تم انتخاب بوتين رئيسا عام 2000، أعجب به كولسينيكوف. وقال: «لقد كان شابا ذكيا، وبدأ على الفور استعادة النظام في البلاد. لقد سئم الجميع من يلتسين السكير وحكم الأقلية الذين لم يكونوا سوى لصوص».

اقترح أحد المعارف المقربين من بوتين دورا قوميا طموحا لشركة المعدات الطبية. وطلب من النخبة التي تدعم الحكومة التبرع بمبالغ للشركة حتى تجدد وتجهز المستشفيات، مع تحويل 35 في المائة من الأرباح إلى استثمارات أخرى في مختلف أنحاء روسيا وضمنها شركة خشب وحوض بناء سفن. بدأ المشروع بمساهمة مالية قدرها 203 ملايين دولار من رومان أبراموفيتش، وهو واحد من أثرياء روسيا، على حد قول كولسينيكوف الذي دعم روايته بعدد من العقود التي بدت أصلية. وقال إن المال كان على هيئة قروض للشركات التي يديرها أقرباء وأصدقاء بوتين. وأوضح قائلا «لقد أدركت جيدا أن بوتين كان يساعد أصدقاءه، لكنني شعرت بأننا نقوم بعمل صالح وكنا نستثمر في روسيا».

وأكد كولسينيكوف مقابلته بوتين عدة مرات، لكنه عادة ما كان يتعامل مع معاونيه. وتغيرت النبرة بمرور الوقت، حيث بدأ المعاونون يطلقون على رئيسهم «القيصر» ووجهوا المال إلى «مشروع الجنوب»، وهو عبارة عن بناء فيلا تطل على البحر الأسود.

تضخمت التكاليف حتى وصلت إلى 500 مليون دولار، بينما كان مشتركا في إنشاء طريق جديد وخدمة تقديم الكهرباء والغاز الطبيعي ومنشآت للأمن يعتقد كولسينيكوف أن تكلفتها بلغت المليار دولار. وأشار كولسينيكوف إلى أن وقت الأزمة المالية عام 2008 وتراجع السيولة النقدية، أمره معارف بوتين بخفض نفقات المشاريع وإنفاق المبالغ النقدية المتوافرة على بناء القصر. وعرف في ما بعد بتمرير مواد البناء باهظة الثمن بشكل غير شرعي عن طريق الجمارك، واعترض وكتب الخطاب المفتوح وغادر البلاد.

ونفى ديميتري بيسكوف، المتحدث الرسمي باسم بوتين، هذه الرواية وقال إن كولسينيكوف، على حد علمه، غادر البلاد لخلافه مع شركائه في العمل على أموال سُرقت من الشركة. ووصف بيسكوف في مقابلة الأسبوع الحالي تلك المزاعم الخاصة بالقصر بـ«السخيفة»، وأكد أنها واحدة من ضمن شائعات كثيرة تلصق بالأثرياء الاستثنائيين مثل بوتين. وقال بيسكوف وهو يضحك: «هل سمعت عن حقيقة أن بوتين يمتلك 5 في المائة من (غازبروم) ونصف شركة (غانفور)، وأن ثروته تقدر بأكثر من 30 مليار دولار؟». ولم يستبعد أن يكون ذلك المبنى من أجل الكرملين. وأضاف: «لدينا قاعات اجتماع من أجل الكرملين، وهناك أماكن مختلفة لإقامة الفعاليات الرسمية وللاجتماعات وعقد المفاوضات المحلية، لكن من السخف إطلاق على كل منهم قصر بوتين». ويقول كولسينيكوف إنه يريد العودة إلى روسيا بمجرد أن يطمئن على أنه سيكون في أمان، وغالبا سيكون هذا في حقبة ما بعد بوتين. ويستبعد كولسينيكوف اضطلاعه بأي دور سياسي في روسيا. وقال: «لقد أصبحت رجلا عجوزا. يجب أن تكون هناك وجوه لقادة سياسيين شباب. مهمتنا هي مساعدتهم».

* خدمة «نيويورك تايمز»