الحكواتيون الجدد يعودون على أثير الفضائيات

الخرافة والأسطورة في أدب الوعاظ

TT

عودا على السيرة الأولى، حيث يجلس القصاصون والحكواتية على «الدكة» في المقاهي الشعبية، وفي تكايا المجالس في الحارات القديمة، يلهمون خيال مستمعيهم بقصص البطولات والملاحم، وفنون الحرب والحب، عبر قصص تستخدم كل فنون الدراما المحكية لتسطر أمجاد وخرافات وأساطير يعشقها المستمعون وينشدون إليها ويهيمون عشقا في تفاصيلها.

لا أحد ينافس الحكواتيون في الزمن القديم، ولا حتى «ابن رشد» الذي أحرق فلسفته، وانحنى أمام العاصفة. لكن حيثما انتشر النور، لم يعد للحكايات القديمة قيمة. لم يعد سيف أبو ليلى المهلهل يغري أحدا بحمله، ولا يوجد للأجيال المتعاقبة طاقة من التحمل على مكابدة عشق قيس وليلى.

فلماذا إذن يعيد الحكواتيون الجدد، وهم خليط من الوعاظ والخطباء ونجوم المنبر الفضائي هذه السيرة، وكأن عقدين من الزمن، منذ منحتهم ما سمي بـ«الصحوة» حظوة لاحتلال الصفّ الأول في قائمة أعلى المبيعات في أشرطة الكاسيت، قبل أن تتلقفهم الفضائيات، لكي توفر لهم، وبعضهم أبيضت كريمته رغم الأصباغ، فرصة لـ«عقلنة» الخطاب، والتوجه لمنطقة الفكر بدلا من الغرائز لدى المستمعين.

من الناحية المعرفية، والثقافية: ماذا يقدم الخطاب الوعظي الذي يستولي على مساحات البث الفضائي للمستمعين؟ فعلى الرغم من اتساع الفضاء الإعلامي، وتمكن الخطاب الدعوي من حجز مساحات شاسعة في فضائه، فإن الساحة الثقافية لم تشهد حراكا لتفكيك بنية هذا الخطاب من الناحية المعرفية والثقافية. فالكثير من الخطابات الوعظية الدعوية وعلى الرغم من انحسار موجة العاطفة لدى العوام، وتعزيز القدرة النقدية والمقارنة لدى الأفراد، ما زالت تنسجم مع ظاهرة قديمة هي ظاهرة القصاصين الذين يستعينون بالميتافيزيقيا المرعبة والخرافة.

ثمة توظيف لأساطير الحكواتيين في استغلال عواطف السذج من العوام وإغرائهم بالقصيدة والطرفة، واللهجة الخطابية، والأحاديث الضعيفة، حتى شاع في سردهم الروائي القصصي ما سمي بـ«الخرافة الدعوية» التي أبيحت لما تحويه من مزايا أهمها سرعة الانتشار وقوة التأثير الذي يحتاجها هذا الفن.