«حمص» عاصمة الثورة السورية.. أول من انتفض وأول من تسلح

ناشطون: بسبب قمع الحريات وامتهان كرامة المواطن السوري

TT

«عاصمة الثورة السورية».. هكذا أطلق الناشطون السوريون على مدينة حمص. إلا أن هذا الاسم جر على المدينة الكثير من الويلات والمآسي، آخرها كان فجر السبت الماضي عقب جمعة أطلق عليها الثوار اسم «عذرا حماه سامحينا»، حيث شهدت المدينة مجزرة مروعة تضاربت الأرقام حول ضحاياها بين مائتين وخمسمائة قتيل، إثر قصف مركز نفذته مدفعية الجيش السوري على حي الخالدية والأحياء المجاورة له.

عن المدينة التي يتجاوز عدد سكانها المليون نسمة، يقول ناشط من سكان المدينة: «حمص انتفضت مبكرا ضد نظام الأسد، حيث خرجت أول مظاهرة في 18 مارس (آذار) من جامع خالد بن الوليد، شارك فيها خليط من جميع الطوائف، بدليل أن أول من صرخ (الله أكبر) في تلك المظاهرة كان شابا مسيحيا يدعى ماهر النقرور، تم قنصه لاحقا في حي الإنشاءات».

يتابع الشاب الذي كان من أوائل المنادين بالحرية في المدينة: «مع تسارع توارد الأنباء عن مجازر مدينة درعا توسعت حركة الاحتجاج ووصلت إلى مركز المدينة عند الساعة الجديدة. نتيجة الحصار الشديد الذي فرضه الأمن علينا اتبعنا تكتيكا جديدا بعدم الإعلان عن مكان المظاهرات». ويؤكد أنه منذ 25 مارس لم يمر يوم في حمص دون خروج مظاهرات معارضة لنظام الأسد، توسعت لاحقا لتشمل الريف (تلبيسة والرستن والحولة). ويجزم الناشط بأن المظاهرات لا تخرج جميعها من الجامع في حمص، وأن المساجد ليست أكثر من أماكن عبادة وتجمع للناس.

حمص المدينة التي تقع في وسط سوريا إلى الشمال من العاصمة دمشق، هي من أقدم المدن السورية وأكثرها مركزية في التجارة والاقتصاد، بدأ ناشطوها بتغيير أسماء الساحات العامة إلى أسماء تناسب ثورتهم وشعاراتها.

يشير أحد أعضاء تنسيقيات مدينة حمص إلى أن «اقتحام مدينة درعا تزامن مع جمعة (الصمود) في 8 أبريل (نيسان) التي سقط فيها العديد من الشهداء في حمص، الأمر الذي أدى إلى حالة غضب عارمة لدى أهالي المدينة»، ويضيف أيضا: «حي باب السباع شهد في 17 أبريل من العام الماضي أول اعتصام ضد النظام السوري، حيث شارك فيه أكثر من عشرين ألف متظاهر، قامت قوات الأمن بمهاجمته وإطلاق النار عشوائيا عليه».

أكثر ما يميز الحراك الميداني في حمص، النشاط الإعلامي المنظم والدقيق، حيث يفيدنا الناشطون بأنهم وزعوا أجهزة الاتصالات بطريقة تشمل جميع الأحياء المنتفضة واختاروا منهم متحدثين جيدين للخروج إلى وسائل الإعلام، يذكرون منهم الناشط «خالد أبو صلاح» الذي أصبح أحد أكثر المصادر موثوقية للمعلومات. إلا أن التحول المفصلي في المدينة حصل بعد الاعتصام الشهير في ساحة الحرية (الساعة الجديدة)، عندما فتح الأمن السوري النيران على أكثر من 70 ألف معتصم كانوا قد قرروا المبيت في الساحة حتى نيل حريتهم، كما يفيدنا الناشطون، الأمر الذي أخذ مسار الثورة السلمية في حمص نحو التسلح، وفي هذا الصدد يقول الناشطون: «بدأ كل من يملك سلاحا يرى أن مواجهة العنف بالعنف هي الحل»، أما العسكريون الذين يتحدرون من المدينة فقرر معظمهم الانشقاق عن قوات الأسد، وتناقل عن بعضهم مقولات مثل «الجيش الذي يقتل أهلنا لن نعود إليه».

بعد عدة أسابيع انتظمت حركة التسلح في المدينة تحت لواء «الجيش الحر» الذي نشر كتائبه المختلفة في أحياء المدينة، منها كتيبة «الفاروق» التي اشتهرت بعملياتها النوعية ضد وحدات النظام.

شهدت المدينة العديد من الاشتباكات الطائفية بين الأحياء المختلفة أدت إلى العديد من المجازر، آخرها مجزرة كرم الزيتون التي راح ضحيتها أسرة فيها أطفال لم تتجاوز أعمارهم الأشهر.

يلخص الناشطون أسباب اندلاع الثورة في حمص وترسخها فيها إلى سوء إدارة الملف الاقتصادي في المدينة والتحول الوحشي تحت اسم «اقتصاد السوق» الذي أتاح لتجار مقربين من السلطة السيطرة على الوضع الاقتصادي، إضافة إلى قانون الإدارة المركزية الذي فرض ضرائب غير قانونية على الناس، كما لا يغفلون الأسباب المشتركة بين جميع السوريين من قمع للحريات وامتهان لكرامة المواطن السوري.