السوريون في دمشق يواجهون صعوبات وحياتهم تتغير جذريا

أحد السكان: يمكننا أن نحيا من دون الكهرباء والغاز.. لكن لا نستطيع العيش بلا الخبز

أحد عناصر «الجيش السوري الحر» يراقب عددا من المصلين في ريف دمشق تجمعوا للاحتجاج على أحداث حمص (رويترز)
TT

بدأت الانتفاضة الدموية التي اجتاحت مختلف أنحاء سوريا تحدث تغييرا جذريا في نمط الحياة اليومي في دمشق، قلعة نظام الرئيس بشار الأسد الحصينة، بقلب حياة السكان رأسا على عقب؛ حيث باتوا يشكون من صعوبات تتعلق بأشياء قد تبدو بسيطة مثل الذهاب إلى العمل كل يوم والحصول على الخبز.

الكهرباء تم ترشيدها، والناس يخزنون مواد غذائية مثل اللبن والأرز والسكر، بل وحتى مياه الشرب. كذلك، أصبح الغاز المستخدم في الطهي والتدفئة باهظ التكلفة ومن الصعب الحصول عليه. وتشهد الأسعار ارتفاعا، إلى حد أن بعض السلع قد زاد سعره ثلاثة أضعاف ما كان عليه قبل عام. وقد أغلقت بعض المدارس الدولية أبوابها. «إن دمشق هذه الأيام مختلفة»، قالت سيدة من سكان دمشق عمرها 32 عاما وتعمل اختصاصية تسويق، والتي طلبت عدم ذكر اسمها بسبب الموقف الأمني المتقلب المحيط بها.

وعلى عكس عاصمتي كل من مصر وتونس؛ حيث تتواصل الأحداث الدرامية وتتطور باستمرار، فإن دمشق، على غرار طرابلس من قبلها، في انتظار دخولها في نطاق الانتفاضة. ويتوقع كثيرون هنا الآن احتمال ألا يدفع المدينة للانضمام إلى الانتفاضة المطالبات بمزيد من الحريات والحقوق السياسية، وإنما الأوضاع المعيشية التي وصلت إلى حالة من التدهور الشديد. «عما قريب، سوف نبدأ في تنظيم مظاهرات احتجاجا على الفقر لا على السياسات»، هذا ما قاله أبو عمر (60 عاما)، صاحب متجر من دمشق. وقال إن ابنه أمضى ثلاث ساعات كاملة في أحد الأيام القريبة في البحث عن الخبز في المتاجر المجاورة، ليعود خالي الوفاض. «الناس في حالة غضب شديد من الحكومة. يمكننا أن نحيا من دون الكهرباء والغاز، ولكننا لا نستطيع أن نعيش من دون الخبز».

لا يزال الموقف في سوريا غائما بشكل ملحوظ، حتى مع تحول الانتفاضة إلى صراع مسلح. للمرة الأولى، يظهر الثوار بشكل ملموس في ضواحي دمشق، ويمكن سماع صوت تبادل إطلاق النار في العاصمة، التي ظلت لفترة طويلة قلعة حكم أسرة الأسد الحصينة. غير أن الجهاز الأمني لا يزال سليما - وعلى استعداد للقتال - والحكومة مستمرة في الاعتماد على الدعم من جانب روسيا، وربما يثبت التغير في المزاج العام كونه رؤية أكثر دلالة على مصير النظام.

لقد اعتمد النظام على الدعم في دمشق وحلب، ثاني أكبر مدينة في سوريا، من أجل توطيد حجته بأن حركة الاحتجاجات تفتقر للقبول العام الذي حظيت به الثورات في تونس ومصر. ربما يكون هذا صحيحا بشكل جزئي. غير أن التحول في الحالة المزاجية العامة ربما يغير حسابات القيادة، إذا ما تحول الصراع إلى حرب استنزاف، مثلما يبدو الحال.

يغادر كثير من السوريين البلاد. فقد ارتفع معدل الهجرة إلى دول الخليج العربي، خاصة بين الأسر من طائفة المسلمين السنة التي تمثل أغلبية السوريين. كذلك، بدأت الكثير من الأسر العلوية التي قد عاشت في دمشق لسنوات، والتي يتمتع بعضها بامتيازات خاصة بفضل الانتماء إلى طائفة الأقلية نفسها التي ينتمي لها الرئيس السوري، في العودة إلى مساقط رؤوسها في القرى والمدن الساحلية المطلة على البحر المتوسط.

«أعرف 10 أسر على الأقل في سني رحلت إلى دبي في الأسابيع الأخيرة، ومعظم أقاربي رحلوا إلى بيروت»، هذا ما قاله رجل أعمال من دمشق عمره 32 عاما اكتفى بذكر أن اسمه أبو وليد.

وباتت صالونات التجميل التي كانت من قبل تجذب الأغنياء ومحبي متابعة أحدث الصيحات من سكان دمشق خاوية على عروشها الآن. وفي حي باب توما القديم؛ حيث توجد الحانات التي عادة ما كانت تظل مفتوحة حتى الساعات الأولى من الصباح، أصبحت تلك الحانات تغلق أبوابها قبل منتصف الليل.

ولم يعد متجر لبيع السيارات الفاخرة اعتاد بيع نحو 60 سيارة شهريا قبل بدء الثورة في مارس (آذار) الماضي الآن يبيع أكثر من سيارة واحدة كل شهر.

«لم يعد أحد يشعر بالراحة مطلقا»، هذا ما قالته اختصاصية التسويق، وهي واحدة من أفراد الطبقة الراقية الأنيقة التي تجد المناخ العام السائد في العاصمة محبطا جدا إلى درجة تجعل التسوق مستحيلا. وأضافت: «لا أحد في حالة مزاجية تسمح له بالقيام بأي شيء».

ذهبت السيدة إلى صالون للعناية بالأظافر لطلاء أظافرها، غير أنها قالت إن زيارتها التي كانت تقوم بها مرتين أسبوعيا للصالون قبل حالة الاهتياج التي اجتاحت البلاد قد قلت بشكل ملحوظ. وأضافت: «كما أنني أختار الطلاء الأسود لأظافري عند زيارتي الصالون تماشيا مع الموقف». ويعم الظلام المدينة مع نهاية فترة الظهيرة. وأوضح السواد الأعظم من الناس الذين أجريت مقابلات معهم لإعداد هذا المقال أنهم لا يجازفون بالخروج من منازلهم بعد الساعة السابعة مساء إلا في حالات الطوارئ. وفي الأيام السعيدة التي تعمل فيها الكهرباء، يقبعون في منازلهم وأعينهم موجهة لشاشات التلفزيون، يتابعون آخر تطورات الأحداث، وبعضهم يسير لبضعة أميال في الضواحي المضطربة. ويقف الجنود للحراسة في الميادين العامة وأمام المنشآت الحكومية المهمة - وهو مشهد لم يكن معتادا قبل 10 أشهر في دولة عاشت في هدوء في ظل الحكم الديكتاتوري لأسرة الأسد لأكثر من أربعة عقود.

ومع اتجاه دمشق لما يخشى البعض من احتمال أن يثبت كونه تصفية حسابات، يأسف أهل دمشق على حياة قد أصبحت في بعض الفترات غير محتملة.

وقالت مدرسة عمرها 34 عاما تنتمي للطائفة العلوية إن حياتها قد تغيرت بصور لم تتخيلها من قبل مطلقا. فمنذ ستة أشهر، بدأت تغطي رأسها كنساء المسلمين السنة. ونادرا ما يترك زوجها، الضابط في الجيش السوري، قاعدته العسكرية ويعود للمنزل. وقالت إنها وابنيها الاثنين لم يروه منذ عدة أشهر.

وقبل بضعة أسابيع، طلب منها مالك العقار ترك المنزل لأن ابنه الذي تزوج حديثا يرغب في الإقامة به. قالت المدرسة: «لقد بدأ السنة يشعرون بالنفوذ». وأضافت: «منذ عام مضى، لم يتوقع أحد أن يحدث هذا». وقد وضعت خططا بالفعل للعودة إلى قريتها الأصلية.

وأشارت إلى أن معظم العلويين في حيي الحجر الأسود والقدم قد غادروا منازلهم أو يخططون لمغادرتها عائدين إلى القرى التي نشأوا فيها. وينطبق الحال نفسه على المدن الواقعة على أطراف العاصمة، من بينها دوما وسقبا وعربين؛ حيث قد وقعت اشتباكات حادة بين قوات الأمن الحكومية والثوار خلال الأسبوعين الماضيين. «من يفقد ابنا أو أخا يرغب في الأخذ بالثأر، وسوف يثأر من العلويين قبل أي شخص آخر لأن معظم العلويين قادة بقوات الأمن»، هذا ما قالته المدرسة. وأضافت: «إنني آسفة لقولي هذا، لكني أعتقد أن نظام الأسد يستغلنا في أعمال القمع، وعندما يسقط، سوف يفرون، وسوف نكون نحن من يدفع الثمن غاليا».

* ساهم في إعداد التقرير مراسل من صحيفة «نيويورك تايمز» من دمشق بسوريا، ومراسل من صحيفة «التايمز» وهويدا سعد من بيروت وويليام ستاك من القاهرة.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»