باريس تسعى لتشكيل «مجموعة أصدقاء سوريا» بعد عجز مجلس الأمن

ساركوزي: باريس «لن تستسلم».. وجوبيه: لن نقف مكتوفي الأيدي

متظاهر يرفع بإشارة النصر في مظاهرة في قدسيا بدمشق أمس (أ.ب)
TT

لن تسحب الدبلوماسية الفرنسية يدها من الملف السوري على الرغم من الإخفاق الذي منيت به في مجلس الأمن بعد أن اعتقدت باريس أن روسيا لن تريد أن تجد نفسها «معزولة» داخله، وبالتالي فإنها إما ستصوت لصالح المشروع أو أنها، على الأقل، ستمتنع عن التصويت للسماح بتمريره.

غير أن هذا الفشل لن يمنع باريس من المثابرة على التحرك والبحث عن «بدائل» أخرى عن القرار الدولي. وسارعت رئاسة الجمهورية ليل السبت/ الأحد إلى إصدار بيان تؤكد فيه أن فرنسا «لن تخنع» وأنها «تتشاور مع شريكاتها في الاتحاد الأوروبي والدول العربية من أجل تشكيل (مجموعة أصدقاء الشعب السوري) التي سيكون هدفها توفير دعم الأسرة الدولية لتنفيذ مبادرة الجامعة العربية». وتنص هذه المبادرة على آلية انتقال سلمي للسلطة عبر تشكيل حكومة جديدة ترأسها شخصية تقبلها المعارضة والنظام، على أن يفوض الرئيس الأسد صلاحياته لنائب الرئيس الأول للتعامل مع هذه الحكومة.

غير أن موسكو وبكين اعترضتا على هذه الفقرة التي رأتا فيها «تغييرا للنظام» في سوريا على الرغم من أن أمين عام الجامعة العربية، نبيل العربي، أكد أمام مجلس الأمن أن المبادرة العربية «لا تستهدف تغيير النظام».

وليست فكرة الرئيس الفرنسي جديدة، إذ قامت باريس العام الماضي وفي الأشهر الأولى للانتفاضة السورية بمجموعة اتصالات كان الغرض منها التمهيد لإنشاء «مجموعة اتصال» شبيهة بما اقترحته فرنسا في الموضوع الليبي، حيث كان الوزير ألان جوبيه أول من طرح مشروع «مجموعة الاتصال» حول ليبيا التي عقد اجتماعها الأول في باريس والثاني في لندن، لكن وجه الخلاف الأول مع الحالة السورية هو أن غرض مجموعة الاتصال في ليبيا تمحور حول تنفيذ قراري مجلس الأمن 1970 و1973 بينما في الحالة السورية يأتي مشروع «مجموعة الأصدقاء» ليملأ الفراغ الناتج عن عجز مجلس الأمن عن تحمل مسؤولياته.

وترى المصادر الفرنسية أن الغرض من المجموعة التي بدأ البحث في تشكيلها والتي لن تكون مقصورة فقط على العرب والأوروبيين هو «زيادة الضغوط السياسية والاقتصادية» على النظام السوري لحمله على قبول مضمون المبادرة العربية، ولكن كذلك إظهار «عزلة» روسيا والصين على المسرح الدولي. ولا شك أن الولايات المتحدة الأميركية ودولا مثل كندا وأستراليا وتركيا ستكون من ضمن النواة الصلبة لهذه المجموعة. كذلك ستسعى باريس لضم دول ناشئة أو دول إسلامية حتى لا يبدو أن الغرب يسعى لفرض رؤيته وهيمنته ووصايته على دولة عربية.

وترى باريس أن هذه العزلة حقيقية، إذ إن 13 عضوا من أصل 15 صوتوا لصالح مشروع القرار. ومنذ البداية كانت الدبلوماسية الفرنسية تسعى لإبعاد الهند وجنوب أفريقيا عن الموقف الروسي - الصيني المشترك، وذلك عبر التعديلات المتلاحقة التي أدخلت على مشروع القرار الأول، وتحديدا عن طريق استبعاد العقوبات الاقتصادية والتدخل العسكري.

وتتمسك باريس بالخطة العربية لأنها تعتبر أنها «الوحيدة» التي يمكن أن تخرج سوريا من وضعها الراهن وأن تضع حدا لسفك الدماء. وجاء في بيان الإليزيه أن هذه الخطة يمكن أن تتيح «خروج الرئيس بشار الأسد من الصورة مع المحافظة على بنية الدولة، ما يتيح لسوريا أن تتفادى الغرق في حرب أهلية».

وينتظر أن تباشر باريس مرحلة واسعة من المشاورات للقيام بـ«شيء ما» في سوريا، ما يعني مزيدا من العقوبات الاقتصادية والمالية على شخصيات وشركات سورية تعتبرها باريس مرتبطة ارتباطا وثيقا بالنظام. أما المسلك الآخر فسيكون على الأرجح توفير مزيد من الدعم للمجلس الوطني السوري وللمعارضة بشكل عام وحثها على الاندماج وبلورة برنامج سياسي موحد سيكون من شأنه، إن تحقق، أن يساعد على الاعتراف بالمجلس اعترافا رسميا.

وترى مصادر واسعة الاطلاع أن هذا الاعتراف ربما يكون «البديل» عن قرار مجهض في مجلس الأمن، لكن باريس تتردد حتى الآن في اجتياز هذه الخطوة لأن تحقيقها يعني القطيعة النهائية مع النظام وتدابير جذرية، مثل سحب السفراء وقطع العلاقات الدبلوماسية، وخلاف ذلك. وحتى الآن، تتذرع فرنسا بحجة أن المجلس الوطني السوري «لم يطلب منها الاعتراف رسميا».

ونددت الرئاسة الفرنسية وكذلك وزارة الخارجية بقوة وبعبارات بالغة القسوة بالموقف الروسي - الصيني، إذ اعتبرت أن البلدان التي تعيق صدور قررا في مجلس الأمن «تشجع النظام السوري على المثابرة في سياسته المجرمة التي تتوصل إلى طريق مسدود». ونبهت الرئاسة الفرنسية إلى أن كل الذين هم على علاقة بالجرائم ضد الإنسانية التي ترتكب في سوريا يجب أن يحاسبوا. وبدوره قال الوزير جوبيه إن موسكو وبكين «تتحملان مسؤولية رهيبة إزاء الشعب السوري والعالم» لأنهما منعتا الأسرة الدولية «مجلس الأمن» من تبني حل سلمي في سوريا. وأكد جوبيه أن بلاده «لن تقف مكتوفة اليدين» وأنها ستضاعف بذل الجهود لمساعدة السوريين «في معركتهم العادلة من أجل الحرية والديمقراطية».

وفي حديث تلفزيوني عقب التصويت السلبي في مجلس الأمن، أعرب الوزير الفرنسي عن «دهشته» من الموقف الروسي الذي يرى فيه «العائق الحقيقي» وليس الموقف الصيني، إذ إن بكين تحذو، وفق المصادر الفرنسية، في مثل هذه المواقف حذو روسيا. وفصل جوبيه التعديلات التي أدخلت على النص الأصلي لإرضاء هذين البلدين، معتبرا أنه «لم يكن بالإمكان» الذهاب أبعد من ذلك في التنازلات، وخصوصا القبول بوضع القمع الرسمي الذي وصفه بأنه «جرائم ضد الإنسانية» ودفاع المتظاهرين عن أنفسهم على قدم المساواة. وسيكون الملف السوري على رأس المواضيع التي سيبحثها المسؤولون الفرنسيون مع رئيس الوزراء اللبناني، نجيب ميقاتي، الذي يزور باريس رسميا نهاية الأسبوع الجاري.