البحرين: التوصيات والحوار يضبطان إيقاع الشارع للخروج من الأزمة

رئيس مرصد البحرين لـ«الشرق الأوسط»: المعارضة صعدت خطابها لدفع الحكومة للحوار

TT

تقترب مملكة البحرين من مرور عام على الأحداث الأمنية التي تعرضت لها في 14 من فبراير (شباط) من عام 2011، وقبل أقل من شهر من تقديم تقرير للملك حمد بن عيسى آل خليفة عن تنفيذ توصيات لجنة تقصي الحقائق البحرينية المستقلة وهو التقرير الثاني الذي يتلقاه الملك عن الأزمة التي عصفت بالشارع البحريني، بينما ما زالت تعيش أوضاعا أمنية وسياسية محتقنة، تصاعدت حدتها في الآونة الأخيرة في ظل تصعيد من المعارضة، في خطابها السياسي وفي إيقاع حركة الشارع.

وقبل فترة دعا الشيخ عيسى قاسم إلى ما سماه بـ«سحق» من يتعدى من رجال الأمن على النساء، الأمر الذي زاد من وتيرة الأزمة والعنف في الشارع، مما دفع الحكومة إلى تبني مشروع قانوني لحماية أكثر لرجال الأمن من الاعتداءات التي يواجهونها في الشارع، ففي مطلع الأسبوع الجاري تسبب من تطلق عليهم وزارة الداخلية «مخربون» في إصابات لرجال الأمن وحرق دوريتين بقنابل المولوتوف.

كما شهدت البحرين زيارة جديدة للبروفسور محمود شريف بسيوني، رئيس لجنة تقصي الحقائق الوطنية، بدعوة من عاهل البحرين، وذلك لتقييم عمل الحكومة فيما يتعلق بتوصيات التقرير الذي قدمته لجنة بسيوني في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، الذي ضم توصيات اعتقد المراقبون أنها ستشكل اختراقا لواقع الأزمة البحرينية، وبداية لحل جوانبها المتعددة بما فيها الجانب السياسي، الذي نُظر إليه بشكل كبير على أنه يختزن جذور الأزمة الأمنية والاجتماعية.

ويقول حسن الشفيعي رئيس «مرصد البحرين لحقوق الإنسان» وهو مؤسسة حقوقية مستقلة مقرها لندن، بأن الجدل الدائر في البحرين يتمحور حول قضيتين أساسيتين: الأولى تتعلق بما تم إنجازه من توصيات تقرير بسيوني، والثانية تتعلق بالمصالحة الوطنية، أي بالحوار السياسي بين الحكومة والمعارضة، والتوصل إلى حلول دائمة تنهي المشكلة من جذورها وتعيد بناء النسيج الاجتماعي الذي تأثر كثيرا بسبب دخول العامل الطائفي على خط الأزمة.

وفي جانب تنفيذ التوصيات، يقول الشفيعي لـ«الشرق الأوسط» بأن تقرير بسيوني مثّل فرصة للخروج من الأزمة، وأن المنظمات الحقوقية والدولية، فضلا عن الدول الصديقة والحليفة، قابلت التقرير بترحيب بالغ، وتمنت الإسراع في تنفيذ التوصيات خاصة تلك المتعلقة بالتجاوزات التي وقعت أثناء الأزمة، وإيجاد قدر من الثقة يسمح بالانتقال إلى الملف السياسي، والتوافق على الإصلاحات المطلوبة التي ترضي جميع مكونات المجتمع وقواه السياسية.

وأضاف: «المعارضة لم تقبل المشاركة في تشكيل اللجنة المنوط بها تطبيق التوصيات»، لافتا إلى وجود أطراف سعت إلى عرقلة التطبيق، فيما كان الملك وولي عهده يحثان الخطى باتجاه التنفيذ السريع، بعيدا عن تعقيدات البيروقراطية، وحتى لا تظهر مشكلات مستجدة بسبب المواجهات والمظاهرات المستمرة.

وأشار الشفيعي إلى جدية الحكومة في تطبيق التوصيات، لأن الملك هو الذي دعا لجنة التحقيق، مضيفا: «كان حجم التوصيات كبيرا ويتطلب جهودا هائلة، وخبرات متعددة في شتى الجوانب، بعضها لا يتوفر في البحرين، في حين أن الفترة الممنوحة للتطبيق لا تزيد على ثلاثة أشهر، وهي فترة ليست كافية بأية حال، خاصة أن بعض التوصيات تتطلب صياغة قوانين وتشريعات تحتاج إلى مناقشة البرلمان وتصديقه». ولفت إلى أن التوصيات كانت خليطا من الحلول على المدى القريب وعلى المدى المتوسط وعلى المدى البعيد، وأشار إلى أن الأجهزة الرسمية والوزارات طبقت الكثير من التوصيات سواء بشكل شبه كامل أو بشكل جزئي، خاصة ما يتعلق بإعادة المفصولين عن أعمالهم، وإطلاق سراح معتقلين على خلفية ممارسة حقوقهم في حرية التعبير والتجمع، أو ما يتعلق بإعادة الطلبة إلى جامعاتهم، والبدء بإعمار المنشآت الدينية التي تعرضت للهدم أو التخريب، وكذلك التخفيف من حدة الطائفية في الإعلام الرسمي وغيرها.

كما أشار إلى اتخاذ الحكومة خطوات أكثر جدية بشأن تعويض المتضررين من الأحداث التي يفترض أن تبدأ الخطوات الفعلية لها في الأيام القريبة المقبلة.

أما موقف المعارضة من هذه المنجزات، فيرى الشفيعي أن الاختلاف بين المعارضة والحكومة لا يتعلق بعدم وجود منجزات في تطبيق توصيات تقرير بسيوني، بل في تقدير حجم ما أنجز. وأضاف: «لن تفاجأ إن سمعت من معارضين اتهامات للحكومة بأنها تتهرب من تنفيذ التوصيات، حيث يتعمد المعارضون تقليص حجم المنجز، بالنظر إلى عدم الثقة في الحكومة والبعد عن واقع العمل اليومي للجان المنوط بها التنفيذ».

ويشير رئيس مرصد البحرين لحقول الإنسان إلى أنه في مقابل هذا الاتهام من المعارضة ستجد مبالغة بين بعض المسؤولين في الحكومة ممن يروجون مقولة أن الحكومة نفذت جميع التوصيات، وأكثر من ذلك، فاللجان التي تشكلت لتطبيق التوصيات، لم تنجح بما فيه الكفاية لتحقيق الاختراق المطلوب وإشراك المعارضة. وتابع: «لكن هناك اعترافا من الجميع بأن التنفيذ الكامل يتطلب مدة زمنية طويلة وجهودا وخبرات وتعاونا مع المؤسسات الدولية، بما فيها المفوضية السامية لحقوق الإنسان، التابعة للأمم المتحدة».

ومع اقتراب نهاية المهلة التي وضعها العاهل البحريني لتقييم تطبيق التوصيات وهي نهاية شهر فبراير الجاري، ما هو المخرج من الأزمة؟ يقول الشفيعي بأن أزمة البحرين سياسية في العمق، وأن هناك مشكلات أخرى جاءت تبعا لتلك الأزمة، وبينها المشكلة الطائفية الحادة، ومشكلة تجاوزات حقوق الإنسان وغيرها.

وأضاف: «لا غنى عن الحوار السياسي بين طرفي الحكومة والمعارضة»، كما عبر عن مخاوف من عودة التصعيد والعنف مرة أخرى إلى الشارع. وتابع الشفيعي كان يمكن للحوار السياسي أن يأتي بعد تهدئة الوضع واستتباب عامل الثقة من خلال تطبيق توصيات بسيوني؛ ولكن التصعيد الذي حصل وسقوط المزيد من الضحايا، والخشية من العنف، كل ذلك يفرض على الجميع، كما يعتقد، الذهاب فورا إلى الحوار وعدم التأجيل، لحل الملف السياسي عبر التوافق بين القوى الثلاث الأساسية: العائلة المالكة، والمعارضة الشيعية، والقوى السياسية السنية - مما سيعمل على أن تتفكك المشكلات الأخرى، معتبرا أن هذا الطريق هو المخرج المتاح حاليا من الأزمة.

وعن مدى جدية المعارضة التي قامت في الآونة الأخيرة بالتصعيد في الشارع، ما يعني أنها لا تريد الحوار، خاصة أن هناك أطرافا محسوبة على المعارضة ترفض الدخول في حوار مع الحكومة، يعتقد الشفيعي أن تصعيد الوفاق لمواقفها هدفه الحوار مع الحكومة، وليس العكس. ويضيف هناك من يعتقد أن التصعيد الذي حدث خلال الفترة الماضية في الخطاب وفي الشارع، كان مجرد رسالة إلى الحكومة، كما يرى أن خطاب الوفاق تصاعد في جزء منه للسيطرة على الشارع حتى لا يذهب بعيدا باتجاه العنف والفئات الأكثر تشددا التي لا ترغب في الحوار، كما أن التصعيد في الإجراءات الأمنية وسقوط الكثير من الضحايا، ساهما أيضا في تصعيد حدة خطاب المعارضة ولجوئها للشارع.

وفي الفترة الأخيرة تصاعد الحديث عن تدعيم اللحمة الوطنية، والدخول في مصالحة وطنية شاملة واستلهام التجارب الرائدة مثل التجربة الآيرلندية أو تجربة جنوب أفريقيا، والاستعانة بمؤسسات رائدة ومتخصصة في هذا المجال، كما أكد أكثر من مرة علي صالح الصالح، رئيس مجلس الشورى ورئيس اللجنة الوطنية لمتابعة تنفيذ التوصيات، هنا يقول رئيس مرصد البحرين لحقوق الإنسان إن الأزمة السياسية عمقت الانقسام الطائفي في البحرين، كما أن الانقسام نفسه أصبح أحد أهم معوقات الحل السياسي. وأكد الشفيعي على أهمية التوافق السياسي الذي سيكون له الدور الأكبر في المصالحة المجتمعية، مع التأكيد على أن الشرخ عميق، ويحتاج إلى سنوات طويلة للشفاء، خاصة في ظروف المنطقة التي فتحت فيها الطائفية فمها في أكثر من مكان. ورأى الشفيعي أن وعي المواطنين بمخاطر الطائفية على مصالحهم ومستقبلهم سيساهم في تقليص مرحلة العلاج، كما حمل رجال الدين والمثقفين والسياسيين مسؤولية إحداث الشروخ، وقال إن عليهم القيام بعمل وحدوي وطني صادق، مضاد للنهج السابق، يصلحون به ما أفسدوه من أمر مجتمعهم ونظام حياته.