قيادات شعبية مصرية تضغط على «الإسلام السياسي» لقبول تسريع نقل السلطة

حذرت من تفويض نواب «إخوان» و«سلفيين» للسلطات في قمع المتظاهرين

شاركت معظم أطياف المصريين في المظاهرات والمسيرات المطالبة بإنهاء الحكم العسكري منذ بداية الأسبوع وغابت التيارات الإسلامية على المستوى الرسمي (أ.ب)
TT

قالت السلطات المصرية إن عدد قتلى اشتباكات، دخلت يومها الخامس بين محتجين وقوات الأمن في القاهرة ومدن أخرى، ارتفع أمس إلى 13 قتيلا، مما اضطر مجلس الشعب (البرلمان) إلى تعديل جدول أعماله لمناقشة الأحداث المتفجرة قرب مبنى وزارة الداخلية حيث تدور الاشتباكات، في وقت بدا فيه ازدياد الانحياز من جانب تيار الإسلام السياسي، المهيمن على البرلمان، في اتجاه استمرار خارطة طريق نقل السلطة لرئيس منتخب التي وضعها المجلس العسكري وتعارضها القوى الثورية، لكن الدكتور جمال زهران، النائب البرلماني السابق، قال إن أخطر ما يمكن أن يقوم به نواب التيار الإسلامي هو منح سلطات الأمن الضوء الأخضر لضرب المتظاهرين في محيط مباني الشرطة بالرصاص.

ويطالب ألوف المحتجين، ومعهم عدة قوى سياسية، الجيش بتسليم السلطة وتقديم موعد انتخابات الرئاسة، متهمين وزارة الداخلية بالتقاعس والفشل في منع سقوط 74 قتيلا بعد مباراة لكرة القدم. وقالت وزارة الصحة إن 72 متظاهرا أصيبوا أول من أمس. ويتهم المحتجون وقيادات سياسية تيار الإسلام السياسي بالانفصال عن القوى الثورية في الشارع، والانخراط في ترتيبات للبقاء مستقبلا في السلطة.

وحمّلت شخصيات سياسية مرشد جماعة الإخوان المسلمين المسؤولية عن توجيه أغلبية البرلمان التي يستحوذ عليها تيار الإسلام السياسي، من أجل اتخاذ قرارات تعزز استمرار حكم المجلس العسكري للبلاد، وتعطي الحق للشرطة في قمع المتظاهرين المطالبين بسرعة نقل السلطة للمدنيين، قائلة إن قيادات في تيار الإسلام السياسي بالبرلمان رفضت دعوتها للتعجيل بعبور المرحلة الانتقالية.

وفسر الدكتور كمال الهلباوي، المتحدث السابق باسم جماعة الإخوان المسلمين في الغرب، عدم قبول حزب الحرية والعدالة (الإخواني) وحزب النور (السلفي)، مبادرات تسرع نقل السلطة، بالقول إنهم «راضون بالبرلمان ولا يريدون تحمل عبء أكبر». لكنه استبعد ما ذكره بعض السياسيين عن التدخل المباشر من جانب مرشد «الإخوان» في عمل البرلمان، اعتمادا على الأغلبية الحزبية، وقال الهلباوي: «لا أظن أن مرشد الإخوان يستطيع أن يوجه البرلمان، لكن يمكن أن يتفاهم مع حزب الحرية والعدالة، وهو يتعامل مع محمد سعد الكتاتني (رئيس البرلمان، وقيادي إخواني) باعتباره من حزب الحرية والعدالة، وليس باعتباره من البرلمان».

وأشار الهلباوي إلى أن من يعارض الإسراع في نقل السلطة الآن «ربما يريد فترة يرتب فيها الأمور و(الإخوان) يرون أن المسار الديمقراطي هو الكفيل بإنقاذ مصر من الأزمات، أما الثوار فيرون أن الثورة لا بد أن تستمر»، بينما يرى رئيس حزب العمل الإسلامي مجدي أحمد حسين أن «العسكري» هو الذي «يمكن أن يطلب من (الإخوان) السير في اتجاه تقريب تسليم السلطة»، لكي «يتخلص من كرة اللهب التي في يده».

وتقول قيادات من ثوار التحرير إن تحالف قوى تيار الإسلام السياسي مع حكام ما بعد مبارك مكن الإسلاميين من إنشاء أحزاب، وحرية كبيرة في العمل، بما في ذلك استغلال المساجد في الدعاية السياسية، مما أدى إلى انحراف مسار الثورة بسبب استعجال الإسلاميين الحصول على مكاسب بغض النظر عن تحقيق الأهداف التي انطلقت من أجلها ثورة الشباب في الحرية والكرامة والعمل.

وطوال الشهور الـ3 الماضية وقعت اشتباكات دامية في الشوارع والميادين بين الثوار من جانب والسلطات الأمنية من جانب آخر، بينما لوحظ أن تيار الإسلام السياسي نأى بنفسه عن العمل في الشارع، خصوصا بعد أن استحوذ على الأغلبية في البرلمان، ليكون في مصر أول مجلس نيابي بأغلبية معظمها من الإسلاميين في تاريخه الذي يعود لأكثر من 100 سنة.

وقال الدكتور جمال زهران، أستاذ السياسة في جامعة قناة السويس، النائب المعارض سابقا في البرلمان، إن تيار الإسلام السياسي، «الإخوان» و«السلفيين»، لا يريد التفريط في المكاسب التي حصل عليها بعد سقوط نظام مبارك.. «هم لا يريدون التفريط في المكسب، ولو أسرعوا الخطى (نحو نقل السلطة من المجلس العسكري) ربما يفقدون مكاسبهم. يعرفون أنه بعد وضع دستور جديد سيتم حل البرلمان، ولذلك هم يلتقطون الآن أنفاسهم والاستعداد مستقبلا للهيمنة على البرلمان المقبل».

وتابع قائلا في ما يتعلق بمحاولة قوى سياسية التحدث مع حزب «الإخوان» في البرلمان، قال الدكتور زهران: «أنا أرى أن (الإخوان) لا يستمعون لأحد»، مشيرا إلى أن حزب الحرية والعدالة (الذراع السياسية للجماعة)، «لا يمكن أن تتصرف قياداته بعيدا عن مجلس شورى (الإخوان)»، الذي يترأسه مرشد الجماعة، محمد بديع.

ومن حديث القيادات الإسلامية في البرلمان تبدو الثقة والزهو بالانتصار، حيث أصبح نواب «الإخوان» و«السلفيين»، يشغلون مقاعد حزب مبارك، محاولين إدارة دفة الأمور في البلاد، مستغلين في ذلك حداثة عهد المجلس العسكري بالعمل السياسي، واختلال توازن مؤسسة الشرطة والأمن بعد سقوط النظام السابق.

وأعطى الإسلام السياسي ظهره للثوار الذين يقولون إنهم أمضوا عاما، منذ سقوط مبارك، دون أن يلحظوا تغييرا يذكر، ولهذا السبب، يقول الثوار، إنهم يحاصرون مبنى وزارة الداخلية ويضغطون بالتظاهر أمام مقار مديريات الأمن وأقسام الشرطة باعتبارها من أبرز رموز القمع والتلاعب بالمواطنين منذ أيام حكم مبارك، حتى «مذبحة بورسعيد». وأغضب موقف الإسلاميين نوابا من المحسوبين على القوى الثورية، مثل عمرو حمزاوي ومحمد أبو حامد وزياد العليمي، خصوصا بعد أن فشلوا في الحصول على فرصة في جلسة البرلمان، أمس، للدفاع عن وجهة نظر الثوار، والأحداث القريبة من مبنى «الداخلية».

وفي خضم هذه الظروف الملتبسة التي تمر بها مصر، أوضح الدكتور زهران أن الجماعة يبدو أنها «تعمل لنفسها فقط»، محذرا من أن يؤدي التداخل بين حزب «الإخوان» ومكتب الإرشاد إلى تحول مصر عمليا إلى «نظام حكم ديني» تصدر له تعليمات من أعلى، بعيدا عن العمل السياسي الحقيقي، وقال: «لا بد أن يستقل حزب (الإخوان) عن الجماعة التي يترأسها المرشد».

وتقدم نواب غالبيتهم من التيار الإسلامي باقتراح يعطي الحق لوزارة الداخلية في اتخاذ ما تراه لحماية منشآتها من المتظاهرين الذين قال عدد من النواب إن بينهم «بلطجية». وقال زهران إن «(الإخوان) عاجزون أمام المظاهرات المحيطة بوزارة الداخلية، وإذا صوت البرلمان بأغلبيته الإسلامية على إطلاق يد الداخلية تجاه المتظاهرين، فستكون كارثة».

وكان الدكتور محمد مرسي، رئيس حزب «الإخوان»، شدد على ضرورة وجود المجلس العسكري لحماية الثورة حتى يتم تسليم السلطة لسلطة مدنية منتخبة، وتساءل مستنكرا، وفقا لما نقله موقع جماعة الإخوان المسلمين أمس بقول مرسي: «ما الفرق بين أن تبدأ إجراءات انتخابات الرئاسة يوم 23 فبراير (شباط) أو 15 أبريل (نيسان)؟»، وأضاف في حديث له لطلاب بجامعة الزقازيق، شمال القاهرة، أن حزب «الإخوان» لن يتردد في تشكيل حكومة جديدة، في حال سحب الثقة من الحكومة الحالية، وسيكون الاختيار من «كفاءات، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية»، للوصول بمصر إلى بر الأمان.