الحكومة المغربية تتهم صحفا ومواقع إلكترونية بتأجيج أحداث عنف في تازة وتلوح بمتابعتها قانونيا

«العدل والإحسان» تخوض «معارك مستترة» ضد حكومة بن كيران

TT

اتهمت الحكومة المغربية وسائل إعلام محلية ومواقع إلكترونية بتقديم أخبار زائفة وملفقة وإثارة الرأي العام، وكذا «إقحام رموز الدولة وثوابتها» بشأن أحداث الشغب والعنف التي شهدتها مدينة تازة الأربعاء الماضي، وتوعدت بمتابعتها قضائيا. وذلك في بيان شديد اللهجة أصدرته رئاسة الحكومة الليلة قبل الماضية، وأكدت فيه عودة الهدوء إلى المدينة، التي تقع في شرق المغرب.

كانت مواجهات قد اندلعت بين متظاهرين من سكان المدينة وقوات الأمن أسفرت عن عشرات الإصابات متفاوتة الخطورة في الجانبين، وذلك عقب مظاهرة أمام المحكمة الابتدائية، وكذا أمام محكمة الاستئناف بالمدينة للمطالبة بإطلاق سراح معتقلين سبق أن شاركوا قبل شهر في مظاهرات احتجاجية للمطالبة بتخفيض فواتير الماء والكهرباء، وتوفير العمل للعاطلين، لتمتد الاحتجاجات بعد ذلك إلى أحد الأحياء الشعبية؛ حيث خرجت مظاهرات تندد بسوء الأحوال المعيشية. وعمد محتجون إلى إغلاق أحد الطرق الرئيسية، ورشق قوات الأمن بالحجارة، وشنت السلطات الأمنية عقب ذلك حملة اعتقالات واسعة في صفوف المتورطين في الأحداث.

في غضون ذلك، وجهت اتهامات إلى جماعة «العدل والإحسان» الأصولية المحظورة بالوقوف وراء تأجيج الاحتجاجات الاجتماعية في المدينة. ونشرت مواقع إلكترونية أشرطة فيديو يتحدث فيها عدد من سكان المدينة عن تعرض بيوتهم للاقتحام من قبل قوات الأمن والتنكيل بالنساء. وذكرت إحدى السيدات، في شريط مصور، أن أفرادا من قوات الأمن اقتحموا بيتها، وعندما اعترضت قالوا لها إن لديهم أوامر بذلك.

ونفى محند العنصر، وزير الداخلية، اقتحام البيوت من طرف قوات الأمن، مؤكدا أن الاقتحام لا يكون إلا بأمر من النيابة العامة، مشيرا إلى أن التحركات الأمنية أتت بعد يوم كامل من الاحتجاجات، و«محاولة اقتحام السجن المدني وعمالة (محافظة) تازة ومحكمة الاستئناف».

وقال حسن السايب، رئيس فرع تازة للمركز المغربي لحقوق الإنسان، لـ«الشرق الأوسط»: إن الأجواء في المدينة كانت هادئة أمس وعادت الحياة إلى طبيعتها «بيد أنه هدوء مشوب بالحذر»، على حد قوله، مشيرا إلى أن «المركز المغربي لحقوق الإنسان» أوفد لجنة لتقصي الحقائق حول الأحداث، واستمع أعضاؤها إلى احتجاجات السكان، مشيرا إلى أن نتائج التحقيق ستنشر لاحقا، وفضل عدم ذكر التفاصيل.

من جانبه، قال حسن بن ناجح، المتحدث باسم جماعة العدل والإحسان الأصولية المحظورة: إن الدولة تعاملت مع الاحتجاجات بمدينة تازة بنفس العقلية الأمنية والتهرب من المسؤولية. وأضاف، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «هناك واقع مرير في المدينة ومشاكل حقيقية يعانيها السكان، وعلى الدولة أن تعمل على إيجاد حلول لهذه المشاكل بدل إلقاء اللوم على جهات أخرى، والتركيز على الحلول الأمنية وإطلاق تصريحات للاستهلاك الإعلامي»، على حد تعبيره.

وردا على سؤال حول ما إذا كانت الجماعة تقف وراء تأجيج الأحداث في المدينة، قال بن ناجح: «إن الكل يعرف أن نساء وأطفالا ورجالا خرجوا للاحتجاج على قضايا جوهرية تتعلق بمعيشتهم اليومية، وإذا كان من بينهم من ينتمون إلى الجماعة أو إلى أي جهة أخرى فهم جزء من الشعب المغربي». وأضاف: «العدل والإحسان» موجودة في كل القطاعات وفي كل المدن، وإذا كانت هذه الاحتجاجات تلتزم بمبادئ الجماعة المتمثلة في نبذ العنف والاحتجاج السلمي، فالجماعة حاضرة. بيد أن الذي يدفع في اتجاه هذه الاحتجاجات هو معاناة الشعب. وزاد متسائلا: «ولتكن (العدل والإحسان) أو غيرها، أليست القضايا التي يحتجون من أجلها حقيقية؟ لذا لا ينبغي أن نختبئ وراء من يقف خلفها كائنا من كان»، على حد قوله.

كان بيان الحكومة قد وصف الأحداث التي وقعت في مدينة تازة بأنها مؤسفة نتج عنها عنف وإصابات في صفوف عدد من أفراد قوات الأمن والمواطنين، وحصول أضرار في الممتلكات العامة والخاصة ومحاولة اقتحام واحتلال بعض الأمكنة، وذلك على خلفية مطالب اجتماعية قالت إن البعض سعى إلى «توظيفها بطريقة مغرضة لتأزيم الوضع في المدينة، وتقديم معطيات مغلوطة للرأي العام من خلال ترويج أخبار زائفة مثل استعمال الرصاص الحي، وعسكرة المدينة، وفرض حظر التجوال أو وقوع أحداث انتهاك للأعراض أو إقحام مسيء لرموز الدولة وثوابتها».

وأشار البيان إلى أنه وبعد دراسة مستفيضة لتطورات هذه الأحداث ومخلفاتها، فإن الحكومة تعلن للرأي العام عودة الهدوء والنظام إلى المدينة، وتؤكد أنها ستعمل على معالجة الأسباب الاجتماعية التي أفضت إلى تلك الأحداث، وتجدد التأكيد أن الحوار المسؤول هو السبيل السليم لإيجاد الحلول للمطالب المشروعة مع التذكير بأن التظاهر السلمي في إطار القانون حق مكفول». وأوضحت الحكومة أن «ضمان الأمن والاستقرار والحفاظ على سلامة الأرواح والممتلكات هو مسؤولية جماعية تهم جميع مكونات المجتمع، وتؤكد أن أي تجاوز للقانون، خاصة إذا نجم عنه مس بالحرمات والممتلكات، يجعل مرتكبه عرضة للمساءلة تفعيلا لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة»، مشيرة إلى أن التجاوزات التي حصلت في حق النظام العام وقوات الأمن والممتلكات العامة التي سجلت، قد تمت إحالة ملفاتها على القضاء وفق مقتضيات القانون.

واتهمت الحكومة بعض وسائل الإعلام ومنها بعض المواقع الإلكترونية «باختلاق أحداث أو تضخيمها أو تقديم أخبار زائفة أو ملفقة، مما أدى إلى إثارة الرأي العام، وبذلك تكون قد خرقت القانون وانتهكت ما تقتضيه أخلاقيات المهنة من التحري والإنصاف وتوخي الحقيقة»، وأدانت الحكومة إقحام رموز الدولة وثوابتها في تلك الأحداث، وقالت إنها «ستعمل على تحريك المساءلة والمتابعة في إطار القانون». من دون أن تحدد الجهة التي ستطالها هذه المتابعة.