كينيا: استفحال الفساد.. واللجوء للإنترنت لمكافحته

مصمم موقع «أنا أدفع رشوة» أخذ فكرته من نشطاء هنود

TT

الكل في كينيا يعلمون ما تعنيه عبارة «كيتو كيدوغو».. تعني في اللغة السواحلية «شيء صغير»، لكنها ترمز إلى الرشى التي يدفعها الكينيون لصغار الموظفين مثل رجال الشرطة وموظفي الشركات العامة، لجعل الحياة أسهل. وعلى مدى عقود لم يكن لدى الكينيين سوى أقربائهم للشكوى إليهم، ولا يزال حتى الآن. غير أن موقعا جديدا على الإنترنت باسم: «أنا دفعت رشوة»، يسمح للكينيين بتبادل تجاربهم مع الرشوة. ويقول الناشطون إن الموقع تحول إلى سلاح ماض في الحرب ضد الرشوة في واحدة من أكثر دول العالم فسادا.

يقول صامويل كيمو، المدير التنفيذي لمؤسسة الشفافية الدولية في كينيا، وهي منظمة مراقبة فساد: «إن الموقع يجسد الفساد، فعندما يروي الناس قصصهم بالطريقة التي قاموا بها على موقع الإنترنت، فهو يملك المقومات لتحفيز التحرك».

كان تأثير ثورات «الربيع العربي»، واضحا هنا وفي العديد من ربوع مناطق جنوب الصحراء الكبرى. ففي العام الماضي اندلعت الاحتجاجات في أوغندا ومالاوي بشأن تردي الأداء الحكومي وعدد من القضايا الأخرى. ومؤخرا، تظاهر النيجيريون ضد الفساد وارتفاع أسعار الوقود، وقام ناشطون في السنغال بمسيرات حاشدة ضد محاولة الرئيس عبد الله واد الترشح لفترة رئاسية ثالثة.

ويقول أنتوني راغوي، مؤسس الموقع الذي يبلغ من العمر 36 عاما: «أنا أسمي ما يحدث في كينيا (ربيع الرشوة)، الناس هنا ضجوا من الرشوة والحكومة. الهدف الحقيقي من موقع (أنا دفعت رشوة)، هو تحفيز الطاقة الجمعية للكينيين. وأنا أحاول تكوين شبكة من الكينيين مقاومي الفساد».

ويؤكد راغوي، مستشار الخدمات المالية الحاصل على درجة الماجستير في إدارة الأعمال من جامعة كاليفورنيا، على أنه عاد إلى كينيا في عام 2007 ليجد مجتمعا استشرى فيه الفساد، فقد جاءت كينيا بين 28 دولة هي الأكثر فسادا في العالم بحسب منظمة الشفافية الدولية.

ويقول راغوي: «تعبت من تذمر الناس من الفساد، ولذا أردت أن أقوم بشيء ما».

وذات يوم قرأ راغوي مقالا في مجلة بشأن موقع على شبكة الإنترنت في الهند باسم «أنا دفعت رشوة» يحارب الفساد. اتصل راغوي بالموقع الذي وافق على تقديم البرنامج لبدء حركة مماثلة في كينيا.

تم تدشين الموقع الشهر الماضي، وقسم راغوي الموقع إلى ثلاثة أقسام: قسم يجمع القصص بشأن الرشى المدفوعة ويدرج الكمية إلى جانب المكان ووقت وقوع الحادثة. أما القسم الآخر فيقدم تفاصيل بشأن الأفراد الذين رفضوا دفع الرشى. والثالث يوفر منتدى لحالات الصدق، عندما لا تكون الرشوة مطلوبة. رغم قصر عمر الموقع لكنه تم الإبلاغ عن 400 واقعة رشوة بلغ مجموع ما دفعه الكينيون خلالها 9 ملايين شلن كيني (ما يعادل 110000 دولار).

وكتبت إحدى المشاركات تحت عنوان «رشوتنا الأولى المثيرة للكآبة» عندما تم إيقافها هي وزوجها في منتصف الليل للسير في منعطف غير قانوني، «طلب الشرطي من زوجي الخروج من السيارة وأخذ كل ما في حافظته من نقود».

وكتبت المرأة: «بعد ذلك قالت لي إحدى زميلاتي: (لا تترجلي من السيارة من أجل رجل شرطة، وتجاوزيه، فهم لن يستطيعوا الإمساك بك)». ويدفع آخرون لضباط الشرطة للتحقيق في قضايا السرقة ويقومون برشوة الموظفين لتسريع الحصول على التراخيص وجوازات السفر. وقد اتهمت الشرطة في العديد من القضايا بإرهاب الضحايا لدفع رشى حتى لا يحرروا لهم مخالفات.

ويقدم المشاركون بفخر النصيحة حول كيفية تجنب دفع رشى حيث عادة ما تتضمن الكثير من الصبر والمساومة. فكتب أحد الأشخاص بشأن رفض دفع رشوة لعامل شركة الكهرباء لإعادة توصيل التيار الكهربي. وقال: «قلت له إنني أستطيع المكوث في الظلام طوال يوم الإجازة ولن أدفع شيئا. وقد هددته أيضا بأنني سأتصل برئيسه، فما كان من العامل إلا أن أعاد التيار الكهربائي، الذي كان ينبغي عليه القيام به بدلا من إثارة غضبي».

وللحيلولة دون وقوع اعتداءات أو مشكلات قانونية، يحجب البرنامج أسماء دافعي الرشى ومتلقي الرشى. ويشير راغوي إلى أن أكثر المعلومات أهمية هي المكان والتوقيت الذي يحصل فيه الموظف الحكومي على الرشوة. وأكد تي آر راغوناندان، المتحدث باسم الموقع الهندي، أن ناشطين في بنغلاديش وسيريلانكا وتايلاند والفلبين ونيجيريا طلبوا معرفة معلومات حول كيفية بداية مواقعهم الخاصة.

وقال في مقابلة هاتفية: «العمل مع أنتوني كان مفيدا للغاية. وقد منحنا الثقة في العمل مع الدول الأخرى. هدفنا الآن هو إنشاء شبكة عالمية لمحاربة الفساد».

وأشار راغوي إلى أنه التقى مع البنك الدولي والمنظمات الأخرى، سعيا وراء الحصول على الأموال لتوسيع ونشر الموقع. ويرغب راغوي في إضافة خدمة ستسمح للضحايا بإرسال شكاوى عبر رسائل نصية وهو ما يمكن الكينيين من الإبلاغ عن الفساد في الوقت المناسب.

ومع ارتفاع تكاليف المعيشة في كينيا، عبر عن أمله أن يرفض المزيد من الأفراد دفع الرشى ومحاربة الفساد. وقال: «إذا ما تمكنت من تغيير وزارة واحدة في الحكومة فسأموت رجلا سعيدا».

* خدمة «واشنطن بوست»