أميركا تغلق سفارتها في دمشق بعد «طفرة العنف».. وبريطانيا تسحب سفيرها للتشاور

الخارجية الأميركية: تدهور الأمن يوضح المسار الخطير الذي اختاره الأسد وعدم قدرة نظامه على التحكم الكامل في سوريا

أطفال في درعا يحملون لافتات تندد بالنظام السوري خلال مظاهرة، أمس
TT

بعد يومين من تعثر مجلس الأمن في التصويت على قرار يدعو الرئيس السوري، بشار الأسد، إلى تسليم صلاحياته لنائبه وإجراء انتخابات حرة ومتعددة في سوريا لإنهاء الأزمة التي تعصف بالبلاد منذ نحو عام، قررت الولايات المتحدة إغلاق سفارتها في دمشق بسبب تدهور الوضع الأمني، الأمر الذي يزيد عزلة دمشق، كما قررت بريطانيا سحب سفيرها من دمشق للتشاور كاحتجاج دبلوماسي ضد قمع الاحتجاجات.

ومع توقع الخطوات التالية بعد تشكيل «مجموعة أصدقاء سوريا»، وتوقع عمليات استخباراتية أميركية في سوريا، وبخاصة تسليح المعارضة بطريقة غير مباشرة، أعلنت الخارجية الأميركية أمس إغلاق سفارتها في دمشق. وقالت إن السفير روبرت فورد وأعضاء السفارة غادروا سوريا قبل هذا الإعلان، وإن السفير سيتابع تطورات سوريا من رئاسة الخارجية في واشنطن.

وقال بيان الخارجية: «الطفرة الأخيرة في العنف، بما في ذلك الهجمات بالقنابل في دمشق، أثارت مخاوف خطيرة بأن سفارتنا غير محمية بما فيه الكفاية من هجوم مسلح. ونحن، جنبا إلى جنب مع عدة بعثات دبلوماسية أخرى، نقلنا شواغلنا الأمنية إلى الحكومة السورية. ولكن النظام فشل في الاستجابة بشكل ملائم».

وأشار البيان إلى تصريحات أدلت بها وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، في الأسبوع الماضي في نيويورك عن استمرار القلق إزاء تصاعد أعمال العنف في سوريا، الناجم عن رفض نظام الأسد تنفيذ خطة العمل التي اتفق عليها مع جامعة الدول العربية. وأيضا أشار إلى أن تدهورا «يوضح مرة أخرى المسار الخطير الذي اختاره الأسد، وعدم قدرة النظام على التحكم الكامل في سوريا».

ودعا البيان المجتمع الدولي إلى أن «يتحرك دون إبطاء لدعم الخطة الانتقالية التابعة للجامعة العربية، وذلك حتى لا يؤدي العنف المتصاعد لهذا النظام إلى أن يصبح الحل السياسي بعيد المنال، وبالتالي يهدد السلام والأمن الإقليميين».

وكانت شبكة «سي إن إن» أعلنت في وقت سابق، نقلا عن مسؤول كبير في الخارجية الأميركية، عن مغادرة مسؤولين اثنين في السفارة جوا في الأسبوع الماضي، بينما غادر 15 آخرون من بينهم السفير فورد برا عبر الأردن صباح أمس. وقال مسؤول رسمي رفيع إن «الحكومة فقدت قدرتها على السيطرة على عناصر العنف المختلفة في البلاد».

وأفادت الشبكة الإخبارية الأميركية بأن وزيرة الخارجية، هيلاري كلينتون، اتخذت القرار النهائي بإغلاق السفارة بعد اطلاعها على مخاوف وتوصيات إدارة وزارة الخارجية وطاقمها الأمني.

وقال مسؤول كبير: «إنه قرار لا نأخذه بخفة إطلاقا. فسفاراتنا عنصر مهم جدا في دبلوماسيتنا حول العالم». وتابع تقرير «سي إن إن» بأن السلطات السورية أعلمت بالقرار بعد مغادرة جميع موظفي السفارة الأميركية البلاد.

وجاء بيان الخارجية بالتزامن مع تصريحات الرئيس الأميركي، باراك أوباما، الذي تعهد بفرض العقوبات وزيادة الضغوط على حكومة الأسد حتى تتخلى عن السلطة، لكنه قال إنه يمكن حل الأزمة السورية دون تدخل عسكري من الخارج. وقال أوباما في مقابلة مع برنامج «توداي» في «إن بي سي»: «أعتقد أنه من المهم جدا لنا محاولة حل هذا الأمر دون اللجوء إلى تدخل عسكري من الخارج. وأعتقد أن هذا ممكن»، حسب ما أوردته وكالة «رويترز». وفي لندن، قال وزير الخارجية البريطاني، ويليام هيغ، أمس، إن بريطانيا استدعت سفيرها في سوريا للتشاور كاحتجاج دبلوماسي ضد قمع الرئيس بشار الأسد للاحتجاجات. وأضاف هيغ أمام البرلمان أنه جرى أيضا استدعاء السفير السوري في لندن إلى وزارة الخارجية لإبلاغه باحتجاج بريطانيا على العنف في سوريا.

جاءت تلك الخطوات بعدما استخدمت روسيا والصين، يوم السبت الماضي، حق النقض (الفيتو) ضد قرار لمجلس الأمن الدولي يؤيد خطة عربية تدعو الأسد للتنحي، وهي خطوة وصفها هيغ بأنها خطأ فادح في التقدير من جانب موسكو وبكين. وقال هيغ: «استدعيت اليوم سفيرنا في دمشق إلى لندن للتشاور»، وأضاف أن بريطانيا ودولا أخرى ستدرس قرارا في الجمعية العامة للأمم المتحدة في غياب قرار لمجلس الأمن بشأن سوريا. وأكد أن بريطانيا ستضاعف الضغوط على سوريا من خلال الاتحاد الأوروبي. وأضاف: «اعتمدتا بالفعل 11 جولة عقوبات من الاتحاد الأوروبي ونأمل في اتفاق مجلس الشؤون الخارجية (للاتحاد) على مزيد من الإجراءات في 27 فبراير (شباط)».

وفي غضون ذلك، أكد متحدث باسم الحكومة البريطانية، أمس، أن لندن تفكر في «وسائل أخرى للضغط» على النظام السوري في الأمم المتحدة بعد «الفيتو» الروسي الصيني، وأنها ترغب في أن يغير البلدان موقفهما «الذي لا مبرر له».

وقال متحدث باسم رئيس الوزراء، ديفيد كاميرون: «نأمل فعلا أن تعيد روسيا والصين النظر في موقفهما»، الذي اعتبره «غير مفهوم وغير مبرر». وتابع: «هناك وسائل أخرى للضغط على النظام السوري في الأمم المتحدة، على سبيل المثال عبر الجمعية العامة، ونحن نبحث في تلك الخيارات». وأوضح: «سنفكر الآن في طريقة عملنا مع دول أخرى، سواء على المستوى الدولي أو المنطقة، لدعم مبادرة الجامعة العربية».

وبالعودة إلى موقف واشنطن, فإن إدارة أوباما تبذل جهدا منذ اجتياح الاحتجاجات سوريا من أحد عشر شهرا حتى لا تبدو وكأنها تحاول التأثير على ما ستنتهي إليه الأوضاع في سوريا خشية أن تضر صورة التدخل الأميركي في سوريا بالمعارضة أكثر مما تنفعها. وقال مسؤولو الإدارة الأميركية، على وجه التحديد، إنهم لا يريدون منح النظام الإيراني، الذي يدعم النظام السوري بشدة، ذريعة للتدخل، لكن يبدو أن استمرار قمع الأسد خاصة الهجوم المميت خلال نهاية الأسبوع في حمص والتزايد السريع في وتيرة العنف في البلاد، كان هو القشة التي دفعت الولايات المتحدة للتخلي عن حرصها على ألا تبدو قاسية وعنيفة.

وأصدر الرئيس أوباما بيانا غاضبا يوم الجمعة شبه فيه بشار الأسد بأبيه حافظ الأسد الذي حكم سوريا بقبضة من حديد لثلاثة عقود. وقال في البيان: «بعد ثلاثين عاما من المذبحة التي ارتكبها والده وراح ضحيتها آلاف السوريين الأبرياء من نساء وأطفال ورجال في حماه، أظهر بشار استخفافا بالإنسانية والكرامة لا يقل عن أبيه.. نحن ندين لضحايا حماه وحمص بالفضل في تعلم درس واحد، وهو أن القسوة يجب أن تجابه من أجل تحقيق العدل والكرامة الإنسانية». وأضاف: «يجب أن يعلم المواطنون السوريون الذين يعانون أننا معهم وأن نظام الأسد له نهاية لا محالة». وقال مسؤولو الإدارة إنهم لا يتوقعون صمود الأسد في العاصفة والبقاء في السلطة، لكنهم يقرون بأن تخليه عن المنصب أصعب من تخلي الرئيسين مبارك وزين العابدين بن علي عن السلطة لوجود الكثير من العوامل. وتبقى إيران في قلب هذا القلق بشأن سوريا، فقد سقط النظام التونسي والمصري والليبي واليمني بجهد من الداخل إلى حد كبير، وكان تأثير ذلك يقتصر فقط على تمثيلهم نموذجا يحتذى به في العالم العربي.

على العكس من ذلك، يمكن أن يؤدي أي انهيار للنظام في سوريا إلى تفجر الأوضاع في الخارج مما يؤثر على إيران ولبنان والأردن وإسرائيل وحتى العراق، على حد قول خبراء، خاصة إذا تطور الأمر وبات أشبه بالحرب الأهلية في العراق.