بريماكوف لـ«الشرق الأوسط»: نريد إعطاء فرصة للأسد.. بعد أن خدعنا الغرب في ليبيا

رئيس الحكومة الروسية الأسبق موفد الكرملين لإقناع صدام بالتنحي: لا نتدخل في شؤون الآخرين

يفجيني بريماكوف وصورة وزعت لمظاهرة في مدينة إدلب، أمس (أ.ب)
TT

في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، بدا يفغيني بريماكوف، أحد أهم خبراء روسيا في شؤون المنطقة العربية والشرق الأوسط ورئيس الحكومة الروسية الأسبق، أكثر حماسا لمواقف روسيا الرسمية تجاه سبل تسوية الأوضاع الراهنة في سوريا التي تمثلت ذروتها في استخدامها حق «الفيتو» لإحباط مشروع القرار العربي - الغربي حول سوريا في مجلس الأمن الدولي.

ولم يقتصر الحديث على تناول مبررات موسكو لرفض مشروع القرار؛ بل وتناول الكثير من تفاصيل علاقات موسكو مع النظام السوري في توقيت يحتدم فيه الجدل حول الأسباب التي دعت الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف إلى إيفاد وزير خارجيته سيرغي لافروف مع ميخائيل فرادكوف مدير المخابرات الخارجية إلى سوريا اليوم.

وقد استهل بريماكوف حديثه بالإشارة إلى ضرورة التمييز بين الأوضاع في بلدان ربيع الثورات العربية على نحو يضع كلا من مصر وتونس في موقع مغاير لمواقع ليبيا وسوريا التي قال إن «المقاومة ضد نظام الأسد فيها اتسمت ومنذ البداية بطابع عسكري لتنزلق لاحقا إلى حرب أهلية في واقع الأمر»، واستطرد ليقول: «لقد كانت مواقف روسيا تجاه الأوضاع في سوريا تتسم بطابع موضوعي. فنحن مع اتفاق كل الأطراف. وثمة من يتساءل: لماذا ترفض موسكو التصويت على مشروع القرار الذي عرضته الجامعة العربية والمغرب وحظي بتأييد الولايات المتحدة والبلدان الأوروبية، على مجلس الأمن؟ الأسباب متعددة؛ وواحد منها يتعلق بتحميل مشروع القرار المسؤولية لأحد طرفي الأزمة. إننا نجد فيه توجيه كل الاتهامات إلى القوات الحكومية وضد الأسد شخصيا مع طرح مسألة حتمية رحيله. وذلك تدخل عملي في الشؤون الداخلية على غير أساس»، واستطرد قائلا: «أما السبب الثاني، فيتلخص في أن روسيا خُدعت في ليبيا؛ حيث كان من المطلوب سرعة اتخاذ القرار لأن قوات (العقيد الليبي السابق معمر) القذافي كانت على وشك الاستيلاء على بنغازي. وكان على روسيا وتفاديا لوقوع المزيد من الضحايا البشرية، خاصة خلال معارك الشوارع في بنغازي، أن تنطلق من موقف موحد مع الصين وتمتنع عن استخدام حق الفيتو. وكانوا قد أكدوا لنا أن القرار لا يستهدف سوى فرض المظلة الجوية من أجل الحيلولة دون استخدام القذافي قواته الجوية ضد المدنيين. لقد خدعونا وكان القرار يستهدف بالدرجة الأولى الإطاحة بالقذافي. ولذا، فنحن الآن نلتزم بالحذر الشديد في سوريا. وأنا أعتقد في صحة ذلك وأقف ضد التدخل الخارجي».

وقال بريماكوف: «إذا كان هناك من المسؤولين الغربيين من يطرح ضرورة رحيل الأسد، فإنني أطرح عليه السؤال: هل سيوفر ذلك الاستقرار في سوريا؟ أما السؤال الثاني: هل هناك في الغرب من الخبراء من يدرك ماهية القوى المعادية للنظام؟»، وأوضح قائلا: «في حال وجود مثل هؤلاء الخبراء، فإنهم يبدون مطالبين بتفسير السبب الذي من أجله تتشكل في إحدى البلدان المجاورة (يقصد تركيا) ما يصفونها بحكومة الوحدة الوطنية من ممثلي المعارضة؟ وما مصلحة الدول المجاورة في ذلك؟ كما أنهم مطالبون أيضا بتفسير الدور الذي يلعبه تنظيم القاعدة في هذه المسألة. وماهية الدور الذي يلعبه الإسلاميون في هذه الحركة. إنهم مدعوون أيضا إلى تفسير أسباب الكثير من الخلافات الطائفية التي تتعلق بالسنة والعلويين في سوريا»، وتابع قائلا: «إنني وعلى سبيل المثال لست متفقا مع القائل بأن مثل تلك المواقف تساهم في تأمين الاستقرار والتطور الطبيعي لسوريا، علاوة على أن الأحداث لم تنته بعد في البلدان الأخرى، وإذا ما حدثت احتكاكات جدية على أرضية السنة والشيعة، فإن العالم العربي سوف يخسر كثيرا».

وتوقف بريماكوف قليلا ليضيف: «الموقف لا يسمح بالكثير من التفاؤل. إنني أعتقد بضرورة إعطاء بشار الأسد فرصة بعد أن أعلن كثيرا عن التزامه بالكثير من الإصلاحات التي، في حال تحقيقها، سوف تكون منعطفا حاسما في اتجاه الديمقراطية ومنها إلغاء حالة الطوارئ وإجراء الانتخابات وبناء نظام متعدد الأحزاب والتخلي عن احتكار حزب البعث للسلطة. لقد قال كل ذلك. لكنه يقول أيضا الآن إنني لا أستطيع تنفيذ كل هذه الإصلاحات في الوقت الذي تحتدم فيه الأوضاع وتشتعل فيه المواجهة أو الحرب الداخلية». وعاد بريماكوف ليؤكد: «من الممكن إتاحة الفرصة إذا ما التقت معه المعارضة وتيسر التوصل إلى اتفاق حول أسس انتقالية. وقد طرحت موسكو، ولا تزال تطرح، استضافة اللقاء».

وأكد أن موسكو التقت بممثلي المعارضة في موسكو وكذلك بممثلي المعارضة المسلحة الذين يتمركزون في بلد مجاور، لكنهم يرفضون قطعيا الدخول في أية مفاوضات.

وكان بريماكوف حرص في حديثه لـ«الشرق الأوسط» على تأكيد عدم جواز التدخل في الشؤون الداخلية، وهو ما عاد سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسية إلى التطرق إليه حين قال صراحة إنه «ليس من مهام موسكو تحديد أي الأنظمة تبقى وأيها ترحل». غير أن موسكو تنسى أو تتناسى أن الكرملين سبق أن أوفد يفغيني بريماكوف رئيس الحكومة الروسية الأسبق إلى الرئيس العراقي صدام حسين يطالبه بالتنحي قبيل الغزو الأميركي للعراق في عام 2003. كما سبق أن طالبت موسكو بتغيير الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي الذي أعلن الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف ومن قبله سلفه فلاديمير بوتين، استحالة التعاون معه، وهو ما كان ضمن الكثير من ملفات الحرب بين البلدين في أغسطس (آب) 2008.

ويذكر كثير من المراقبين في الداخل والخارج ما سبق أن قاله الرئيس ديمتري ميدفيديف حول أن «الأسد مدعو إلى تنفيذ الإصلاحات أو الرحيل»، في تحذير مباشر من مغبة التباطؤ المتعمد لتنفيذ ما سبق أن أعلنه من إصلاحات. ولعله من سخريات اللحظة والقدر معا أن يبدأ لافروف ومعه فرادكوف زيارته لدمشق ولقاء الأسد بتكليف من الرئيس ميدفيديف في السابع من فبراير (شباط)، أي في توقيت مماثل لإيفاد ميدفيديف مبعوثه الشخصي ألكسندر سلطانوف إلى الرئيس المصري حسني مبارك في الثامن من فبراير من العام الماضي، أي قبيل موعد تنحيه عن السلطة بثلاثة أيام.