تركيا تعيد وضع «كل الخيارات» على الطاولة السورية.. وتحضر لمؤتمر «لمناهضي النظام» في إسطنبول

أردوغان للأسد: من دَق دُق ومن يتبعون طريق آبائهم سوف يحصلون على ما يستحقون

رئيس الوزراء التركي أردوغان (رويترز)
TT

استعادت تركيا حراكها في الملف السوري أمس مع إعلان رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان عن نيته إطلاق «مبادرة» في الملف السوري، بينما قالت مصادر تركية رسمية، إن أنقرة «أعادت وضع كل الخيارات على الطاولة» فيما يتعلق بالملف السوري، وسط تسريبات إعلامية تركية عن «الاستعداد لدعم أي تحرك للناتو».

وإذ كشفت مصادر دبلوماسية تركية لـ«الشرق الأوسط» عن أن من بين الأفكار المطروحة في تركيا الدعوة إلى مؤتمر دولي لـ«مؤيدي الشعب السوري ومناهضي النظام» يعقد في إسطنبول، تحدثت مصادر تركية عن أفكار أخرى بينها «دعم الحراك الداخلي السوري للإطاحة بالنظام في ظل تعثر التدخل الخارجي».

ونبه أردوغان في كلمة أنهى بها حالة من الصمت سادت تركيا حيال الملف السوري في الفترة الماضية، مما استدعى انتقادات من المعارضة السورية له شخصيا لعدم «الوفاء بوعوده»، من أن الذين ارتكبوا مجزرة حمص سوف يعاقبون، قائلا للأسد: «الطريق الذي تسير فيه أيها الرئيس السوري بشار الأسد هو طريق مسدود.. وأوصيك للمرة الأخيرة بالرجوع عن هذا الطريق قبل إراقة المزيد من الدماء وقبل أن تزهق أرواح المزيد من الأبرياء».

وقال إرشاد هورموزلو، كبير مستشاري الرئيس التركي عبد الله غل لـ«الشرق الأوسط» إن بلاده سوف تبدأ حركة مشاورات واسعة فورا، مشيرا إلى أن «الحل في سوريا يحب أن يقرر من قبل الشعب السوري، وخريطة طريق هذا الحل يجب أن يقررها هذا الشعب»، منتقدا مواقف الصين وروسيا لاستعمالهما حق النقض (الفيتو) الذي زاد من نسبة العنف في سوريا. وقال: «سنتشاور فورا مع الجامعة العربية ودول مجلس التعاون الخليجي، وسوف يذهب وزير الخارجية إلى واشنطن لإجراء مباحثات مع المسؤولين الأميركيين وتبادل الأفكار معهم حول الملف السوري»، مضيفا «لا يمكن السكوت على سفك الدماء لمجرد وجود شيء اسمه حق النقض في مجلس الأمن».

وتحدث هورموزلو عن «إجراءات معينة سوف يجرى اتخاذها ستتقرر بعد الاتفاق على خريطة طريق مع الدول المؤيدة للشعب السوري»، معلنا أنه «يأمل خيرا من اجتماع مجلس وزراء مجلس التعاون الخليجي لكي يكون هناك وضوح في الرؤية فيتحمل المجتمع الدولي مسؤوليته، وكل دولة مسؤوليتها الأخلاقية». وقال هورموزلو إن على الشعب السوري أن يعلم أننا داعمون لكل خياراته وتطلعاته، وعندما واجهنا خيارا من اثنين وقفنا مع الشعب السوري وليس مع نظام حزب البعث». ورفض توضح ماهية هذه الإجراءات، معتبرا أن تركيا «سوف تختار بطبيعة الحال الطريق الصحيح بعد التشاور مع الأصدقاء والحلفاء، لكنها لا تستطيع الإعلان عن خياراتها بواسطة الإعلام».

وقال مسؤول في مكتب رئيس الوزراء التركي لـ«الشرق الأوسط» إن أردوغان وعلى الرغم من مناشدته الأسد «العودة عن الخطأ»، فإنه أصبح مقتنعا بأنه فقد مصداقيته بعدما تعهد بالإصلاح أكثر من مرة ولم يقم بذلك. وأشار المسؤول إلى أن الأيام القليلة المقبلة سوف تحدد الخيارات التي سوف تلجأ إليها تركيا، خصوصا في ظل غياب الإشارات الإيجابية من الجانب السوري والاستمرار في عمليات القتل وسفك الدماء، وحيث الوضع يسوء يوما بعد يوم، مشيرا إلى أن أردوغان يمتلك مجموعة خيارات وتصورات سوف يبلورها من خلال الاتصالات التي يقوم بها القادة الأتراك في الأيام المقبلة. وقلل المسؤول التركي من أهمية الانتقادات التي توجهها بعض أطراف المعارضة السورية لأردوغان وتركيا، معتبرا أن تأييد تركيا للشعب السوري أمر محسوم ولا نقاش فيه، رغم أن البعض يتوقع ترجمة هذا التأييد بطرق مختلفة.

وأكد مسؤول بارز في وزارة الخارجية التركية أمس أن بلاده «لم تتخذ بعد قرارا باستدعاء سفيرها في دمشق وطرد السفير السوري من أنقرة»، لكنه أشار إلى أن هذا «لا يعني أن مثل هذا القرار لن يتخذ».

وإذ أوضح المصدر لـ«الشرق الأوسط» أن زيارة داود أوغلو إلى واشنطن مقررة منذ نحو شهر، وستستمر لنحو أسبوع مع جدول أعمال حافل باللقاءات والمناقشات مع رسميين وقيادات سياسية، أشار إلى أن هذه الزيارة تشمل ملفات عدة، السوري بينها، لكنه ليس الوحيد، موضحا أن ملفات أخرى مهمة جدا كالملف النووي الإيراني وملف الإرهاب سيكونان على جدول الأعمال.

وقال المصدر إن بلاده حاولت مع السوريين الوصول إلى نتائج بكل الطرق، جربنا المحادثات الثنائية وزار وزير الخارجية دمشق مرتين، وكذلك فعل رئيس الاستخبارات، واستقبلنا مسؤولين سوريين، لكن من دون نتيجة. وجربنا العمل الإقليمي بدعم مبادرة الجامعة العربية فانتهى الأمر إلى لا نتيجة أيضا. وللأسف كان الفشل أيضا من نصيب تحويل الملف إلى مجلس الأمن والأمم المتحدة بسبب الفيتو. وأوضح المصدر أن تركيا «لن تنتظر إلى الأبد»، مشيرا إلى أن القوى التي لا تدعم النظام، بل الشعب ستحاول إيجاد إطار ما لم يتحدد شكله بعد. وكشف المصدر لـ«الشرق الأوسط» عن أن من بين الخيارات المطروحة انعقاد مؤتمر دولي - إقليمي حول سوريا ستستضيفه إسطنبول في أقرب فرصة ممكنة للخروج بخطة عمل موحدة، ومبادرات محددة حول الوضع في سوريا.

ونقلت وسائل إعلام تركية عن أردوغان قوله في اجتماع الكتلة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية: «إننا نبذل المساعي الرامية إلى تأسيس السلام والاستقرار في سوريا.. وسنقيم تعاونا مع الدول الواقفة إلى جانب الشعب السوري وليس إلى جانب الإدارة السورية.. وإننا نواصل استعداداتنا بهذا الشأن كما سنواصل دعمنا لمبادرات جامعة الدول العربية».

وخاطب الرئيس السوري بشار الأسد قائلا «أريد أن أتوجه إلى الأسد بلغته: يا بشار إن من دَق دُق»، مضيفا أن «الطريق الذي تسير فيه أيها الرئيس السوري بشار الأسد هو طريق مسدود.. وأوصيك للمرة الأخيرة بالرجوع عن هذا الطريق قبل إراقة المزيد من الدماء وقبل أن تزهق أرواح المزيد من الأبرياء».

وأشار إلى أن «سوريا ليست بجارة عادية بالنسبة لنا.. والشعب السوري ليس بشعب عادي، إننا نرى في كل متر مربع من سوريا أثار تاريخنا المشترك.. والشعب السوري أشقاء لنا.. وتآخينا مع هذا الشعب مدون في التاريخ بالدماء، لذلك لا يمكننا البقاء صامتين حيال ما يجري في سوريا، ولا يمكننا إدارة ظهورنا للشعب السوري. وإننا لا نربت على ظهر الظالمين الذين يقتلون شعوبهم، كما يفعل حزب الشعب الجمهوري (حزب المعارضة الرئيسي في تركيا)، فليذهب هذا الحزب إلى دعم حزب البعث».

وذكر أن حكومته قدمت الكثير من الدعم للإدارة السورية «لتندمل جراح الماضي» وتنفيذ الإصلاحات. غير أنه أضاف أن أنقرة خاب أملها لأن الأسد نكث بوعوده، مضيفا «صدقنا بنية طيبة أنه سيطبق الإصلاحات.. غير أن الأسد راوغ وبدأ يتبع طريق والده.. ونكث بكل الوعود وذبح مئات الأبرياء في ذكرى المجزرة التي ارتكبها والده في حماه قبل 30 عاما». وأضاف «المسؤولون عن أحداث حماه لم يحاسبوا ولكن المسؤولين عن أحداث حمص سيدفعون الثمن عاجلا أم آجلا. من يتبعون طريق آبائهم سوف يحصلون على ما يستحقون». وانتقد أردوغان أيضا روسيا والصين لتصويتهما ضد مشروع قرار بمجلس الأمن يهدف لحقن الدماء في سوريا. وقال إن «منح المضطهِد ترخيصا للقتل أمر غير مقبول».

وكانت صحيفة «راديكال» التركية قالت إن أنقرة ستقدم الدعم اللوجيستي لعملية عسكرية تتولاها قوات حلف الناتو ضد سوريا انطلاقا من قاعدة إينجرليك ومنطقة البحر المتوسط. ويأتي هذا التطور بعد تصاعد الأحداث الدامية التي تشهدها مدينة حمص، وذلك على الرغم من أن مصادر أكدت قبل ذلك أن تركيا لن تكون الدولة الأولى التي ستوجه ضربة عسكرية ضد دمشق.

وأضافت الصحيفة أن المسؤولين الأتراك يتشككون في إمكانية تحقيق المعارضة السورية المسلحة نتائج إيجابية في صراعها مع الجيش السوري النظامي الذي يجد دعما من قبل روسيا والصين وإيران. ونقلت عن مصادر دبلوماسية أن عدم تشكيل منطقة حدودية عازلة من شأنه أيضا تقوية نظام الأسد وسيكبد قوات الجيش السوري الحر والمدنيين خسائر كبيرة في الفترة المقبلة ونزوح آلاف السوريين من جديد إلى تركيا.