في ظل العقوبات.. الطبقة الوسطى في إيران على حافة الهاوية

عناصر في الحرس الثوري ومساعد لأحمدي نجاد حملوا خامنئي مسؤولية انهيار الريال جراء عدائه للغرب

يعاني الإيرانيون من التصاعد الفاحش في الأسعار جراء العقوبات الغربية (أ.ب)
TT

يتضح أحد المؤشرات التي تدل على القلق العميق الذي يلف المجتمع الإيراني حاليا في شارع مانوشهري، الذي يقع في قلب هذه المدينة؛ حيث يتجمع يوميا رجال وجلون، مثل تجار مخدرات، لبيع وشراء الدولارات الأميركية. زادت الحكومة سعر صرف الدولار ونشرت قوات الشرطة في الشوارع لمنع الاتجار بالدولار في السوق السوداء، لكن مع الثقة في تراجع قيمة الريال الإيراني يوميا تستمر هذه التجارة.

وقال حميد، مهندس الإنشاءات الثقيلة، الذي كان يقف بجوار تجار عملة غير شرعيين آخرين: «هل أخشى الشرطة؟ بالطبع، لكنني بحاجة إلى المال. لقد ارتفعت أسعار السلع الغذائية، وراتبي لا يكفي».

وأضاف، وهو يتلفت حوله قلقا، أنه حوَّل كل ما معه من ريالات إلى دولارات. ومثله مثل الكثير من الإيرانيين خزن كمية كبيرة من الأرز والسلع الغذائية الأخرى. ليس التراجع الاقتصادي هو ما يغذي هذه التجارة؛ حيث لم يدخل الحظر الأوروبي الجديد على النفط حيز التنفيذ بعد، بل زيادة الشعور بالذعر بين الإيرانيين وكذلك تخييم شبح الحرب عليهم واحتمال مواجهة أزمة اقتصادية. جدير بالذكر أن البيت الأبيض أعلن، أول من أمس، فرض حزمة جديدة من العقوبات تتضمن تجميد الأصول الإيرانية وتقييد أنشطة المصرف المركزي الإيراني.

وبدأت آخر حزمة من العقوبات على البنك المركزي الإيراني تؤثر بالفعل سلبا على القطاع الخاص في إيران، على حد قول تجار ومحللين، مما يزيد من صعوبة تحويل الأموال إلى الخارج إلى الحد الذي اضطر رجال أعمال نافذين إلى نقل حقائب مليئة بالدولارات الأميركية على متن طائرات. مع ذلك يقع العبء الاقتصادي بالأساس على الطبقة الوسطى في إيران، مما ينذر بزيادة الاستياء من الغرب ويزيد محاولات وقف البرنامج النووي الإيراني، الذي يعد على قائمة أولويات إدارة أوباما خلال انتخابات العام الحالي، تعقيدا.

قالت بارفاني، وهي سيدة تبلغ من العمر 41 عاما وتعمل في أحد مصارف طهران: «على مدى الأشهر القليلة الماضية، كان عملاؤنا يخبروننا بأنهم سيتخلون عن الريال الإيراني لاعتقادهم أنه سيفقد قيمته». ورفضت مثل كثيرين ممن تم إجراء مقابلات معهم أن تذكر اسمها بالكامل خوفا على نفسها وأسرتها. وأضافت: «لقد بدأوا يسرحون العاملين. لطالما كان الاقتصاد الإيراني ضعيفا، لكنه يبدو الآن أسوأ من أي وقت مضى». وسلط تنامي الذعر الاقتصادي، المرشح للزيادة، الضوء على الانقسامات الحادة داخل النخبة السياسية. وخلال الأسابيع الماضية بدأ عدد من المصادر المطلعة، ومن بينها أفراد في الحرس الثوري، تنتقد علنا المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي. ووجه أحد مساعدي الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، اتهامات بشكل غير مباشر إلى خامنئي بسبب عدائه غير المبرر للغرب، مما أدى إلى تراجع قيمة الريال الإيراني. ويعد ذلك آخر المؤشرات التي تدل على الصدع بين الرئيس والمرشد الأعلى، والتي تساعد في تصور شكل الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في 2 مارس (آذار) المقبل. وقال جافاد، مدير شركة سياحة في شمال طهران يبلغ من العمر 45 عاما: «لقد تغيرت الأمور؛ فهم ينتقدون أحمدي نجاد وحتى المرشد الأعلى بالاسم الآن».

في ظل استيراد إيران الجزء الأكبر من احتياجها من الأرز والسلع الغذائية الأخرى، يمكن أن تزداد العوائق التجارية على مدى الأشهر المقبلة. ويقلل أكثر التجار الإيرانيين من احتمال حدوث عجز في السلع الغذائية، مشيرين إلى إعادة توجيه إيران لنشاطها التجاري نحو الشرق وقدرتها على التحايل على العقوبات في الماضي، لكن مع إغلاق المزيد من الطرق كل شهر، ستكون تلك الإجراءات المراوغة أكثر صعوبة وبتكلفة باهظة.

ويشكو المواطنون الإيرانيون العاديون الضرر الواقع عليهم بسبب العقوبات، في الوقت الذي لا تمس فيه النخبة، بل وربما يستفيدون منها؛ حيث حقق الكثير من الأثرياء الإيرانيين أرباحا هائلة خلال الأسابيع القليلة الماضية من خلال شراء الدولار بالسعر الحكومي، ثم بيعه بضعف السعر في السوق السوداء. ويزعم بعض المحللين ورموز المعارضة أن أحمدي نجاد يتعمد زيادة أزمة العملة سوءا حتى يجني رفاقه الأرباح بتلك الطريقة.

وتمثل شركة جافاد نموذجا واضحا للأزمة الإيرانية الحالية؛ حيث لم يتبق سوى 6 أسابيع على رأس السنة الفارسية، وهو موسم ازدهار حجوزات الفنادق، على حد قوله، مع ذلك لم يكن هناك أي عمل خلال الـ3 أسابيع الماضية.

لا يتعلق الأمر فقط بالخوف من السفر؛ فالشركة لا تستطيع تحديد سعر عروض الإجازات؛ نظرا لتقلب سعر الصرف بشدة؛ فهم لا يعرفون أي سعر صرف ينبغي أن يتقيدوا به.

وقال جافاد، وهو يتطلع إلى ملصق سياحي عن الصين على جدار في مكتبه: «هناك تطورات كل يوم». واختفت تقريبا السياحة الوافدة إلى إيران؛ فمنذ عامين كان أكثر العملاء الأجانب للشركة من أوروبا، بينما أكثرهم الآن من الصين وروسيا، وحتى هؤلاء شعروا بالخوف خلال الأسابيع القليلة الماضية في ظل تهديد المسؤولين الإيرانيين بإغلاق مضيق هرمز وزيادة المخاوف من الحرب.

وأوضح: «لقد كان لدينا حجز لـ300 صيني لرأس السنة، ولم يأتِ منهم سوى 30 أو 40». وينظر الإيرانيون المعارضون للنظام إلى الضغوط الاقتصادية المتزايدة باعتبارها غير عادلة ولا يمكن أن تؤدي إلى نتائج إيجابية.

وقال مراد، وهو نادل في مقهى بطهران يبلغ من العمر 41 عاما: «نعلم أنهم يريدون الضغط علينا للثورة على النظام، لكننا لن نفعل ذلك». يحمل مراد، مثله مثل الكثير من الإيرانيين من الطبقتين الوسطى والدنيا، النظام الإيراني والغرب مسؤولية هذه الأزمة. ويبلغ دخل مراد اليومي من المقهى الذي يعمل به منذ 25 عاما 50 دولارا، ولديه من الأبناء ثلاثة، وازدادت حياته صعوبة العام الماضي. وقال: «ترتفع الأسعار بحيث يتعين عليَّ العمل طوال الوقت، ولا نستطيع شراء ملابس جديدة ولو مرة في العام. إن الأثرياء لا يعانون، إنهم بمعزل عن ذلك. يجب أن تكون لدينا علاقات جيدة مع الغرب. ما معنى عبارة (الموت للولايات المتحدة)؟ وما الذي يمكننا أن نفعله حيال ذلك؟». كذلك ألقت الأزمة بظلالها على الرعاية الصحية، وهو ما يؤثر على الطبقة الوسطى والفقراء أيضا بسبب الضغط المتنامي على كل أشكال التجارة مع إيران؛ حيث تضاعف سعر عقار الهرسبتن الذي يوصف لعلاج سرطان الثدي، خلال العام الماضي، على حد قول ليان، الممرضة الشابة التي تعمل في عنبر مرضى السرطان في أحد مستشفيات طهران. جدير بالذكر أن الحكومة تنظم عرض تلك العقاقير، لكن العرض محدود للغاية.

وأثرت العقوبات على التكنولوجيا الطبية؛ لأن أجهزة الأشعة تخضع لبنود القانون الخاص بـ«الاستخدام المدني والعسكري»، التي تهدف إلى منع حصول إيران على التكنولوجيا النووية. ولم يتمكن نحو 1200 مريض بالسرطان العام الماضي في مستشفى «الشهداء»، الذي يعد من أكبر المستشفيات في إيران، من الخضوع للفحص بالأشعة لتعطل المعدات وعدم القدرة على استيراد أجزاء بدلا من الأجزاء التالفة منها، على حد قول بيجمان رازافي، أحد الأطباء في المستشفى.

ويشكك الكثير من الإيرانيين في اهتمام الغرب ببرنامج إيران النووي؛ حيث قال كايهان بارزيغار، مدير معهد الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية، الذي تلقى تعليمه في الولايات المتحدة: «لن يدفع الضغط الاقتصادي نحو تسوية بشأن البرنامج النووي. الملف النووي قضية قومية وفات ميعاد تراجع إيران. لن يتجاوب المشهد السياسي الإيراني بإيجابية مع المفاوضات؛ حيث سيتهم مرشحو الرئاسة النظام بالتخلي عن قضية البرنامج النووي».

ورأى علي أكبر جوانفكر، مستشار الرئيس أحمدي نجاد، في مقابلة، أن العقوبات سوف تأتي بنتائج عكسية؛ حيث أوضح أن الإيرانيين عانوا عزلة أكبر خلال فترة الثمانينات، وكانوا دوما قادرين على العثور على حلول. وأضاف: «ليست هذه هي الطريقة المناسبة للتعامل معنا، بل ينبغي التحدث معنا باحترام، وينبغي أن تكسبوا قلوبنا».

وكان لبعض رجال الأعمال الإيرانيين تعليقات مشابهة؛ حيث أشاروا إلى وجود طرق جديدة لبيع النفط وتحويل الأموال وأن أكثر من سيعانون العقوبات لا يستطيعون الضغط على النظام ودفعه نحو التغيير. وقال أحد رجال الأعمال: «إنكم ستنهون تجارة الفستق في إيران، حسنا كيف سيمنعنا هذا من تخصيب اليورانيوم؟».

مع ذلك، أشار رجال الأعمال إلى حجم الاقتصاد الإيراني الضئيل خلال فترة الثمانينات، وهي الفترة التي واجه فيها الإيرانيون مصاعب مماثلة وكانت الحماسة الثورية والاستعداد للتضحية بالذات في أوجها. وكانت القيادة الإيرانية أكثر تماسكا وتوحدا عنها الآن. وتساءل رجال الأعمال: «عندما يؤثر هذا الذعر سلبا على مستوى المعيشة، هل سيكون الإيرانيون قادرين على التحمل؟ هذه هي اللحظة التي سيواجه فيها هؤلاء المتاعب».

* خدمة «نيويورك تايمز»