تسريب رسائل تظهر تضاربا «نوويا» أميركيا بعد زلزال اليابان

غضب من النصائح غير المنطقية التي صدرت عن بعض العلماء عقب الكارثة

منشأة كانساي النووية غرب اليابان من بين المنشآت النووية التي اغلقت بعدزلزال العام الماضي (أ ب )
TT

في الارتباك الذي أعقب الزلزال وتسوناني في مارس (آذار) الماضي الذي دمر مفاعل فوكوشيما النووي في اليابان، قالت لجنة التنظيم النووي الأميركية إنها تقف على أهبة الاستعداد لتقديم يد العون.

لكن عددا من رسائل البريد الإلكتروني التي نشرها موقع اللجنة أوضح أن الوكالة كانت تحاول جاهدة لتحديد كيفية الاستجابة وكيفية التعامل مع الرأي العام الأميركي، في الوقت الذي تخوض ما وصفه أحد المسؤولين بـ«ضباب المعلومات» القادم من اليابان.

وتقول رسالة من مركز لجنة التنظيم النووي في 11 مارس، بعد ساعات من الكارثة «هذا ليس حفارا»، بينما قال مسؤول لاحقا في اليوم الذي تلقى صدور تقرير بأن شركة كهرباء طوكيو كانت تنفس الغاز من غرفة احتواء: «ربما تزداد الأمور سوءا خلال الأيام القليلة القادمة».

بعد ثلاثة أيام، قال مسؤول آخر: «إنه لأمر محبط، لكننا كوكالة لا نملك سوى قدر ضئيل للغاية من المعلومات».

والآن ومع اقتراب الذكرى السنوية لكارثة فوكوشيما، جاءت الاستجابة الأولى للمنظمين لتقدم دروسا، سواء للصناعة النووية أو لصانعي السياسة.

تكشف رسائل البريد الإلكتروني للجنة التنظيم النووي الأميركية حول تقديم النصح إلى اليابانيين، عن الغضب العارم لدى بعض العاملين في اللجنة من النصائح غير المنطقية التي صدرت عن بعض العلماء الذين جمعهم وزير الطاقة ستيفن تشو. فقد اقترح الفيزيائي الشهير ريتشارد غاروين، أحد أعضاء مجموعة تشو، إحداث تفجير خاضع للسيطرة للوصول إلى الدرع الخرسانية حول بنية الاحتواء الصلبة للسماح لماء التبريد بالوصول إلى الداخل، لكن أحد علماء اللجنة وصف الفكرة بأنها «جنون».

كان من بين الأفكار الأخرى التي طرحتها مجموعة تشو، اللجوء إلى «قنبلة الخردة»، أحد البدائل التي اقترحها بعض المهندسين لوقف التسرب النفطي في خليج المكسيك، لوقف تسرب الماء المحمل بالإشعاع من مفاعل فوكوشيما إلى البحر. ومع استخدام مزيج من نشارة الخشب والصحف والخردة الأخرى، استخدمت وكالة الطاقة النووية اليابانية في نهاية الأمر خليطا يعرف باسم الزجاج السائل.

ويقدم إدوين ليمان، العالم البارز والخبير النووي في اتحاد العلماء المعنيين: «تقدم رسائل البريد الإلكتروني صورة خفية لمستوى الشكوك والارتباك داخل الحكومة الأميركية، وتشير إلى أنه حتى الخبراء الأميركيين كانت بينهم انقسامات بشأن ما يجري والطريقة الأمثل للتخفيف من الأزمة».

وتشير إحدى رسائل البريد الإلكتروني إلى أنه خلال الأسبوع الأول الذي تلا الزلزال، عرضت شركة «بيتشتل» الأميركية تقديم المعدات الضرورية لضخ مياه البحر لتبريد مفاعلات فوكوشيما، لكن السعر الذي أوردته بـ9.6 مليون دولار كان يتجاوز عشرة أضعاف ما وصفته رسالة بريد إلكتروني بالسعر الأصلي. وتقول «بيتشتل» إن التقديرات الأصلية أجرتها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وإن «بيتشتل» تقاضت الأموال مقابل المعدات الفعلية ونفقات التصميم أو ترتيب توصيل أحد الأنظمة دون ربح. وتقدمت وزارة الطاقة بمليوني دولار، بحسب الرسالة، وعوضا عن ثلاثة أو أربعة مضخات وخراطيم لم تسلم سوى واحدة.

وعلى الرغم من طمأنة الأميركيين في وسائل الإعلام بأنه لا يوجد خطر، لم تكشف لجنة التنظيم النووي عن واحد من أسوأ السيناريوهات، التي لم تستثن إمكانية تجاوز الإشعاع المستويات الآمنة، لجرعات الغدة الدرقية في آلاسكا، بحسب ما أظهرته رسائل البريد الإلكتروني. وقال المتحدث باسم اللجنة، سكوت بورنيل: «لأن كل الأشياء كانت محل شك، وقد فكرنا فيها، لكن المعلومات التي كانت متاحة.. لم تدعم ذلك السيناريو المتشائم للغاية. ولم يناقش الأمور بصورة علنية في تلك اللحظة»، وفي النهاية لم تتأثر آلاسكا.

وعلى الرغم من أن لجنة التنظيم النووي لا تملك الكثير على قائمتها، اتصل مكتب الملكة نور بالأردن بمركز عمليات الوكالة، يطلب منه أن يقدم رئيس الوكالة جورج جاكزكو تقريرا مختصرا إلى الملكة، بحسب رسالة بريد إلكتروني مؤرخة بـ14 مارس (آذار) والتي كتبها مسؤول العلاقات الدولية باللجنة موغيه أفشار، طالبا المشورة من وزارة الخارجية.

ووجدت اللجنة نفسها في وضع حرج بشأن حالة أقطاب وقود المفاعل النووي المستهلكة. هذه الأقطاب عادة ما تكون موضوعة إما فوق أو بالقرب من مفاعلات فوكوشيما. وكان مسؤولو لجنة التنظيم النووي قلقين خلال الأسبوع الأول بشأن التأكد من أن هذه الأقطاب لم تسرب أو تجف، وهو ما يؤدي إلى المزيد من التسرب الإشعاعي.

بيد أن لجنة التنظيم النووي لا ترغب في مشاركة كل خلفيتها - والكثير منها سرية - حول هذا الموضوع. وأشار ليمان إلى أنه بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 الإرهابية على البنتاغون وبرجي مركز التجارة العالمي، كانت الوكالة قلقة حول الهجمات المحتملة على المفاعلات النووية. وأشار إلى أنه في عام 2003، بنى مختبر سانديا الوطني أحواض وقود فقط لمراقبة ما قد يحدث إذا جف الوقود أو اشتعلت فيه النار أو اصطدمت طائرة بالمفاعل.

وتقول رسائل البريد الإلكتروني إن خبراء من فرنسا وألمانيا واليابان - الذين أبدوا قلقا بشأن مفاعلاتهم الخاصة - سعوا إلى الحصول على معلومات في 17 مارس بعد ستة أيام من الكارثة. لكن اللجنة كان مترددة في مشاركات الدراسات، حتى عندما طلب منها من قبل مستشار علمي لمكتب التحقق النووي الوطني ومستشار لمعهد الحكومة الفرنسية للحماية من الإشعاع السلامة النووية.

وقال ليمان: «هناك قاعدة كاملة من المعلومات بشأن حرائق الوقود المستهلك وأحواض الوقود التي لا تشاركها اللجنة مع العامة، فنحن ندرك أنه عندما تكون قلقا بشأن الهجمات الإرهابية إلى حد أنك قد تخفي المعلومات، لكني لا أعتقد أن هناك أي سبب للحفاظ على مثل التعتيم الواسع بشأن هذا النوع من المعلومات».

وقد توافرت رسائل البريد الإلكتروني لساعات على موقع اللجنة لعدة أسابيع، لكن الملفات الضخمة لم تستقطب الكثير من الاهتمام.

وتظهر الكثير من الرسائل أن اللجنة شاركت في الكثير من هذا الارتباك - والقلق - كحال الجميع. وفي رسالة بريد إلكتروني مؤرخة بـ25 مارس، أثار ميتشل فارمر، المهندس النووي في المعمل الوطني في آرغون القريبة من شيكاغو، تساؤلات بشأن العثور على غازات خاملة خارج منشأة فوكوشيما وضغط الماء الخفيف في الوحدة رقم 1. وكتب: «هذه بعض الأسئلة، لكن أيا منها ليس جيدا».

كان الكثير من العلماء قلقين بشأن قضايا الماء ومستوى الماء في أحواض الوقود المستهلك. ففي 29 مارس، أوضحت جوليا بيسكونتي، المستشار البارز في وزارة الطاقة: «نحن بحاجة إلى تحديد مستوى الماء في الأحواض، ونرغب في جعل الماء فوق القضبان ربما بثلاثة أو أربعة أقدام». وكتب بير بيترسون، رئيس قسم الهندسة النووية في جامعة كاليفورنيا، عن الحاجة الماسة إلى ضرورة قيام عمال المحطة النووية بمد خراطيم المياه إلى الحوض، وحتى وإن كانت خراطيم لا يحملها أفراد.

لم تلق الاقتراحات المتكررة من الخبراء النوويين والفيزياء من خارج اللجنة آذانا مصغية داخلها، فأوضح ريتشارد، العامل في لجنة التنظيم النووي، في رسالة مؤرخة بـ28 مارس إلى دانا باورز العالمة الرئيسة في اللجنة: «ما من اتصالات اليوم، أنا أعلم أنك على وشك الصراخ»، وردت عليه باورز بتهكم واضح.

وقد تبنت باورز موقفا متشائما تجاه بعض الأفكار التي اقترحها فريق تشو، مثل فكرة التفجير التي اقترحها غاروين، الذي كان قلقا من أن صب الماء إلى بنية المفاعل ومبنى احتواء المفاعل لن يكون كافيا لتبريد قضبان الوقود المشعة.

وكتبت باورز: «الآن، نناقش بجدية استخدام شحنات متفجرات في محيط الرأس، إنه جنون مطبق».

وكتبت أيضا في 5 أبريل (نيسان): «إن الخلخلة قبالة الجانب الخلفي من الخرسانة ستؤدي إلى مقتل الأفراد داخل الموقع». ورد لي: «دعونا نرسل بعض علماء وزارة الطاقة، ومستشاري المجلس ليقوموا بذلك. أنا لدي على الأقل اقتراحان».

أبدت مجموعة تشو قلقا واضحا بشأن تلف المعادن والتآكل الناجم عن ضخ الماء المالح لتبريد مفاعلات فوكوشيما، على الرغم من عدم انزعاج علماء اللجنة بشأن ذلك.

وقال غاروين: «كنت سعيدا لأن أتمكن من المساعدة، وتحديدا لما قمت به من تقديم الاقتراحات والملاحظة والتوصل إلى أن الحكومة اليابانية ليست صريحة، لكني بذلت قصارى جهدي».

وقال تشو: «جمعت مجموعة غير رسمية من كبار المهندسين والعلماء والخبراء النوويين، للمساعدة في تزويد الحكومة الأميركية بالرد الآمل وتقديم أي مساعدة مستقلة ممكنة لوكالة الطاقة اليابانية والحكومة هناك. ولم تكن مهمتنا أن نبحث عن الحلول الممكنة وفقط، بل والتفكير أيضا في العواقب والمساعدة في توقع الخطوات التالية، بالإضافة إلى التحديات الجديدة التي يمكن أن تطرأ».