النائب المصري أمين إسكندر: «العسكري» انحاز للثورة في بدايتها لأنه كان ضد «التوريث» لا السياسات

المسيحي الفائز على قائمة «الإخوان المسلمين»: اليسار يحتاج لمراجعة شاملة

أمين إسكندر
TT

قال النائب البرلماني المصري أمين إسكندر، الرئيس السابق لحزب الكرامة اليساري، إن المخرج الوحيد من الوضع الحالي الذي تمر به البلاد هو أن يقوم البرلمان بتشكيل حكومة ائتلافية لإنقاذ الموقف واتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة لإعادة الهدوء إلى الشارع وتحقيق أشياء ملموسة على أرض الواقع.

وأضاف إسكندر أن كثيرا من الشباب لم يستوعبوا أو يتقبلوا أن الشعب الذي أعطاهم ثقته مع اندلاع الثورة أعطى ثقته لآخرين في الصناديق الانتخابية، بعد حصول التيار الإسلامي على الأغلبية البرلمانية. ووصف إسكندر الموقف الحالي في مصر بأنه يعبر عن صراع إرادات «ضار جدا» بين القوى الثورية، وقوى الثورة المضادة «وهي واسعة وذات نفوذ قوي وتشمل العسكر (المجلس الأعلى للقوات المسلحة) و(وزارة) الداخلية ورجال أعمال ونوابا سابقين».

وقال النائب إسكندر إن هناك رغبة كبيرة من أميركا وإسرائيل في وقف الثورة عند هذا الحد وتتلاقى رؤيتهما مع المجلس العسكري الذي انحاز للثورة في بدايتها لأنه كان ضد التوريث وليس ضد السياسات.

ورفض إسكندر فكرة إنشاء أحزاب مسيحية، داعيا المسيحيين المصريين إلى الخروج من عزلتهم والاندماج في الحياة السياسية، قائلا إن هذا الطريق الوحيد للحصول على حقوقهم وليس اللجوء إلى الكنيسة. وتحدث إسكندر عما تتضمنه المادة الثانية من الدستور المصري (المعطل، والموجودة في الإعلان الدستوري المعمول به حاليا)، بأن «مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع»، موضحا أنه لا بد من التأكيد على مدنية الدولة، وأنه يوجد توافق على المادة الثانية في الدستور مع إضافة أنه يحق لغير المسلمين الاحتكام لشرائعهم، وكذا ضرورة إضافة مادة لتجريم التمييز على أساس الدين أو العرق أو النوع.. وإلى أهم ما جاء في الحوار:

* وسط الوضع المتأزم الآن بين جميع الأطراف بمصر.. كيف ترى المخرج؟

- الموقف الحالي تعبير عن صراع إرادات ضار جدا بين القوى الثورية وقوى الثورة المضادة وهي واسعة وذات نفوذ قوي وتشمل العسكر و«الداخلية» ورجال أعمال ونوابا سابقين. كما أن هناك رغبة كبيرة من أميركا وإسرائيل في وقف الثورة عند هذا الحد وتتلاقى رؤيتهما مع المجلس العسكري الذي انحاز للثورة في بدايتها، لأنه كان ضد التوريث وليس ضد السياسات، ويرى الآن أن مبارك لم يعد يحكم وقدم للمحاكمة، وأن هذا يكفي، ولكن حدثت الفجوة بعد أحداث العنف المتكررة وفشل المجلس العسكري فشلا ذريعا.. فهم غير قادرين على العمل السياسي. الصراع الآن أصبح شرسا وشديد الوعورة، خاصة أن هناك قطاعا عريضا من المصريين كانوا يتوقعون أن تحسن الثورة من أوضاعهم وأوضاع البلاد، وهذا لم يحدث حتى الآن، وبالتالي أصيبوا بالإحباط وأصبح هناك اتجاه لدى البعض بأن الثورة أدت إلى إيقاف الحال وتعطيل المصالح. فالقوى الثورية الآن تواجه كل هذا، بالإضافة إلى أخطاء الثوار أنفسهم.. الحل سيكون عن طريق اتجاه من اثنين، إما أن يأخذ المجلس العسكري على عاتقه تعديل المسار وتنفيذ محاكمات جادة وتشكيل حكومة ائتلاف وطني، وغالبا لن يحدث.. أما الطريق الثاني فهو الاستفادة من وجود سلطة تشريعية منتخبة وتشكيل حكومة ائتلاف وطني وإعادة ترتيب مسار الثورة، فهذه الحكومة يمكنها اتخاذ خطوات جادة يشعر بها المواطن.

* خضت الانتخابات البرلمانية ونجحت فيها مع التحالف الديمقراطي على قائمة حزب «الإخوان المسلمين».. ألا يوجد تعارض بين فكر «الإخوان» وفكر حزب الكرامة اليساري؟

- منذ أن أسسنا حزب الكرامة وصغنا الوثيقة والبرنامج السياسي منذ ما يقرب من 14 سنة كنا مهمومين بقضية التغيير ومعظمنا كان في الحزب الناصري، وقد كنت عضو مكتب سياسي ومسؤول تثقيف، ولكني لم أجد حلم التغيير على مائدة الحوار داخل الحزب الناصري وحدث خلاف وانفصل معظمنا عن الحزب. وكنا نشكل مدرسة جعلت الناصرية قوة معارضة في الواقع السياسي وليست قوة في الدولة، فكانت قضية التغيير بالنسبة لنا جوهرية وكان لها الأولوية في نقاشاتنا عندما أنشأنا حزب الكرامة ووضعنا في وثيقتنا أننا لسنا حزبا آيديولوجيا يطرح رؤية ضيقة وأنه لن يكون هناك تغيير إلا ببناء كتلة وطنية جامعة بمعنى العمق المجتمعي. وتحركنا في هذا الإطار، فكانت رؤيتنا أن كل من شارك في الثورة لا بد أن يشارك في البرلمان، ومنهم بالطبع «الإخوان المسلمون»، فنشأ التحالف الديمقراطي الذي بدأ بـ42 حزبا، ولكن حدث خلافات وانسحب الكثيرون وبقي في النهاية 11 حزبا منها الكرامة، وبالطبع أيضا نحن اختلفنا فحصلنا في النهاية على 6 مقاعد فقط، رغم استحقاقنا لأكثر من ذلك على مستوى الوجود الجماهيري والتاريخ النضالي.

* كيف ترى الوضع في ظل سيطرة الحركات الإسلامية على البرلمان وهل تؤيد إنشاء أحزاب ذات مرجعية مسيحية، على غرار الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية؟

- في هذا البرلمان هناك أكثرية وليس أغلبية.. فلا توجد قوة تمثل الأغلبية وفي تصوري هناك اتفاق بين أميركا والمجلس العسكري والإسلام السياسي في مصر نتج عنه كل الوضع الحالي، بداية من طريقة تنظيم الانتخابات والدوائر الواسعة التي لا ينجح فيها إلا «الإخوان المسلمون».. وأرفض رفضا قاطعا فكرة الأحزاب المسيحية، وأرفض الكوتا (تخصيص المقاعد) للأقباط والمرأة، فالملعب مفتوح، وعلى الجميع أن يثبت جدارته وألا يعيشوا داخل حضانات.. إما أن يكون مواطنا له حقوق وواجبات ويقاتل بشراسة للحصول على حقوقه أو ينتظر أميركا أو المجلس العسكري أو حتى البابا (بابا المسيحيين بمصر) لحمايته. وحتى في مجلس الشعب أرى أن المسيحي المنتخب من الناس أفضل من 10 معينين لأنه جاء نتيجة لعمل وتعامل مع الناس.

* في كلمتك أمام البرلمان بعد إلقاء رئيس الوزراء كلمته طالبت بتغيير فلسفة الأمن التي تتعامل بها وزارة الداخلية.. ماذا كنت تقصد بفلسفة الأمن حاليا؟

- يحكم مصر فلسفة أمنية تقوم على الكم وليس الكيف، فالمهم هو الشكل والوجود والظهور.. ففي أوروبا لا يشعر الناس بـ«رجل» الأمن، ولكن عند حدوث شيء يوجد فورا ويتعامل بشكل محترف في التحقيقات. والحصول على المعلومة ليس عن طريق العنف والمعاملة السيئة، كما أن هناك جانبا آخر في مصر، وهو الأمن لصالح مَن؟ فمهمة الشرطة الأساسية هي الأمن الجنائي وليس الأمن السياسي، والشعار الصحيح للشرطة هو الشرطة في خدمة الشعب، لأن الشعب أساس السلطات والجميع يجب أن يكون في خدمته بما في ذلك الجيش والرئيس.. فمن هنا لا بد أن يكون هناك إعادة هيكلة شاملة للشرطة على هذا الأساس والوحدة الأساسية للشرطة التي تتعامل مع الناس لا بد أن يكون بها وكيل نيابة وممثل لحقوق الإنسان، وأن يكون دورها توفير معلومات، فهي ليست جهة تحقيق أو جهة اتهام، كما يجب فصل بعض الأشياء عن الشرطة مثل «استخراج» الأوراق الرسمية مثل جوازات السفر وشهادات الميلاد.

* ما هي الأسباب وراء حصول شباب الثورة والقوى الثورية بشكل عام على عدد محدود جدا من المقاعد في البرلمان؟

- لأنهم لم يكونوا جاهزين للعمل في الشارع ولم يستطيعوا مواجهة القوى الكبرى ذات الانتشار الواسع، إضافة إلى نقص الخبرة.. فالثورة ليست مجرد مظاهرات، وإنما هي علم تغيير المجتمع، ولا بد أن تُفهم بهذا المعنى.. فبعد الثورة كان هناك مرحلة أخرى هي صندوق الانتخاب لم يولها كثير من الشباب أهمية كبرى ولم يستوعبوا أو يتقبلوا أن الشعب الذي أعطاهم ثقته مع اندلاع الثورة أعطى ثقته لآخرين في الصناديق.

* ما هو تقييمك لاتجاه اليسار في مصر بشكل عام؟

- طالما استمرت الأحلام والبشائر والآمال لا بد أن يكون هناك يسار على مستوى السياسة والفن وكل شيء لأنه تيار يواجه الظلم ويعمل من أجل إيجاد العدل، ويواجه القبح بالجمال، لكن تيار اليسار المصري بحاجة إلى مراجعة شاملة على مستوى خطابه السياسي ونخبويته، فيتحول إلى تيار جماهيري متواصل مع الناس بقيادات ذات عمق مجتمعي، لأنه الآن غير فاعل على مستوى الشارع، كما أن مزاج المجتمع المصري الآن يميني وهذا له علاقة بالبيئة المحلية والإقليمية والدولية على السواء.

* بماذا تفسر الإقبال الضعيف جدا من الناخبين على التصويت في انتخابات مجلس الشورى وهل كنت من أنصار الدعوات المطالبة بإلغائه؟

- الناس مقتنعة تماما بعدم وجود جدوى لمجلس الشورى وأنه كان مفصلا لإعطاء جوائز لبعض المقربين من السلطة في النظام السابق، إضافة إلى أن الناس أصابهم الملل من كثرة التوجه إلى صناديق الاقتراع مع وجود قناعة عند كثيرين بأن الإسلاميين سيكتسحون، سواء ذهبنا لصناديق الاقتراع أم لا.

* وسط الجدل الدائر الآن حول الدستور القادم ما هي المعايير التي يجب أن تحكمه وما هو موقفك من المادة الثانية من الدستور الخاصة بالشريعة الإسلامية؟

- اللجنة المؤسسة للدستور لا بد أن تمثل كل أطياف الشعب المصري، ولا تعتمد على فكرة أغلبية وأقلية، والدستور لا بد أن يأتي بالتوافق بين الجميع، واللجنة ستضم تقريبا 40 من نواب الشعب والشورى، والباقي من القوى المختلفة. وأرى أن يتم الاعتماد على شخصيات منتخبة في مجالها، مثل نقيب المحامين أو نقيب الممثلين، وهكذا.. إضافة إلى ممثلي الأزهر والكنيسة وكل قوى الشعب. ولا بد من التأكيد على مدنية الدولة، وهناك توافق على المادة الثانية في الدستور وغالبا على فكرة إضافة حق غير المسلمين في الاحتكام لشرائعهم، ولكن ما أراه ضروريا هو إضافة مادة لتجريم التمييز على أساس الدين أو العرق أو النوع.

* كيف ترى شكل العلاقة بين الكنيسة والدولة في المرحلة القادمة؟

- الكنيسة راعية روحية وليس أكثر من ذلك، وأنا ضد أي دور سياسي لها. ووجود دور للكنيسة جاء نتيجة انسحاب الدولة من دورها في السنوات الأربعين الماضية، خاصة مع عدم وجود فكرة يلتف حولها الشعب المصري، فمع فترة الانفتاح الاقتصادي تقزم دور الدولة وأصبح مهمشا وبرز دور المسجد والكنيسة على السواء، فالمسيحي الذي يواجه مشكلة في عمله يتوجه للكنيسة لتحلها.. فمنذ عام 1971 حدث 180 حالة توتر طائفي عالي المستوى، ولا أحد يحقق أو يهتم.. فأخطر مشكلة تواجهنا هي عدم وجود مشروع جامع يلتف حوله الناس، فأميركا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي خلقت عدوا لها هو الإسلام السياسي، لأن وجود عدو يساعد على التماسك، أما الآن فعندنا العدو أصبح داخليا فصعد التناقض الثانوي محل التناقض الرئيسي وأصبح الاختلاف بين المسلم والمسيحي أهم من العدو الإسرائيلي أو من الاستعمار، مما أدى لظهور كل هذه المشكلات.

* إذا فاز في انتخابات الرئاسة مرشح يحسب على التيار الإسلامي فأي نموذج إسلامي تراه الأقرب إلى مصر؟

- النموذج الماليزي أو التركي هو الأقرب.. وهو النموذج الذي يصنع نهضة ويسمح بالتعدد، وهذا هو النموذج الذي يمكن أن يقبله المصريون ويناسب ثقافتهم.

* الشرعية الآن أصبحت حائرة بين الميدان والبرلمان فكيف ترى هذا الأمر وكيف السبيل إلى تجنب حدوث صدام بينهما؟

- المفترض ألا يكون هناك تناقض بين شرعية الميدان وشرعية البرلمان، فالبرلمان انتخبه 30 مليون مصري، وسقفه حددته الثورة وهو: الخبز والحرية والكرامة. وإذا ظن البرلمان أنه بوجوده لا داعي للثورة والثوار، فقد وقع في الخطيئة وكذلك الثوار، إذا ظنوا أن البرلمان لا يمثلهم فهم مخطئون، فكل منهما له دور ولن يلغي كل منهما الآخر.