السوريون الغاضبون من «الفيتو» الروسي يتظاهرون رغم التعزيزات الأمنية المكثفة

الخالدية الجريحة تنتصر للمدن السورية المحاصرة في «جمعة روسيا تقتل أطفالنا».. ومظاهرات في أحياء دمشق

محتجون ضد نظام الأسد أمس قرب إدلب بعد صلاة الجمعة (رويترز)
TT

الغضب من موقف روسيا الداعم لـ«القتلة في سوريا» كان الموضوع الأبرز الذي طرحه السوريون في مظاهرات أمس، معلنين «النفير العام» لمقاومة آلة النظام العسكرية التي تنفذ كبرى عملياتها في قمع الثورة والتي سميت بعمليات الحسم، وابتدأت في حمص بحي بابا عمرو والخالدية وبالزبداني ومضايا. وخرج السوريون أمس في مناطق سوريا عدة تلبية لدعوة المعارضة السورية للتظاهر بعد صلاة يوم الجمعة تحت عنوان «جمعة روسيا تقتل أطفالنا»، حيث حمل المتظاهرون اللافتات المنددة بالموقف الروسي الداعم للنظام السوري في مجلس الأمن، مكررين مطالبتهم بإسقاط الرئيس السوري بشار الأسد. وبينما شهدت أحياء عدة في العاصمة السورية دمشق مظاهرات لافتة خرج عدد منها للمرة الأولى، واصلت قوات أمن النظام السوري حصارها وقصفها لمدينة حمص لليوم الخامس على التوالي أمس. وفي حصيلة أولية عصر أمس، أعلن ناشطون عن مقتل 61 شخصا برصاص قوات الأمن والجيش في سوريا، 39 منهم في حمص.

وقال ناشطون إن راجمات صواريخ أمطرت حي بابا عمرو بأكثر من 100 صاروخ، في وقت لا تزال فيه كل الخدمات مقطوعة، بالإضافة إلى عدم توافر الخبز وجميع أنواع الأغذية والأدوية، وسقط خلال الساعات الأولى من تجدد القصف نحو ثلاثين قتيلا بينهم ثلاثة أطفال وامرأة، وعشرات الجرحى. ووجه أهالي الحي نداءات استغاثة من أجل السماح بإدخال الخبز والدواء. كما شهد حي الإنشاءات حملات مداهمة واعتقالات، ومُنعت سيارات الهلال الأحمر السوري من دخول الحي لتوصيل مواد طبية، حيث شهد الحي إطلاق نار كثيف وقذائف طيلة يوم أمس، وشوهدت أعمدة دخان تتصاعد من بعض المنازل به.

وبحسب مصادر الناشطين فإن كتيبة الفاروق في القصير «نفذت عمليات متزامنة في المنطقة استهدفت تجمعات ومدرعات كتائب الجيش النظامي بالأسلحة الرشاشة والقذائف الصاروخية ليلة الجمعة، أسفرت في حصيلة أولية عن تدمير مدرعة ومقتل ما لا يقل عن 100 عنصر أمن وشبيح، إضافة إلى اغتيال رئيس مفرزة الأمن العسكري المقدم عمار الجرف في القصير وأسر ضابط برتبة عميد وضابط برتبة نقيب وضابطين برتبة ملازم أول إضافة إلى 15 جنديا من الجيش النظامي»، ولا تزال الاتصالات مقطوعة في أغلب مناطق ريف حمص، ويصعب الحصول على معلومات دقيقة حول ما يجري هناك.

وفي مدينة حسياء، أسفر تفريق قوات الأمن لمظاهرة خرجت هناك بالرصاص عن إصابة أكثر من تسعة أشخاص. كما اقتحمت القوات النظامية السورية بلدة مضايا القريبة من الزبداني بعد اشتباكات عنيفة مع «الجيش الحر» هناك، في عمليات استمرت لعدة أيام قصفت خلالها مضايا بكل أنواع الأسلحة الثقيلة من مدافع الدبابات والهاون والصواريخ. واحتشدت الدبابات ومئات الجنود أمس خارج أحياء المعارضة في مدينة حمص، وتخوف الأهالي من إعداد النظام لعملية اقتحام كبيرة تطال أحياء سكنية كبرى، وتوجد فيها عناصر منشقة، على خلفية التعزيزات الأمنية التي تم استقدامها، بينما ذكر ناشطون أن «مروحيات هجومية شاركت للمرة الأولى في الهجوم على أحياء في حمص، حيث لاذ السكان في الطوابق الأرضية في غياب وجود ملاجئ يمكن الاحتماء بها».

ونقلت وكالة «رويترز» عن الرائد السوري المنشق ماهر النعيمي تأكيده أن «الجيش السوري الحر سيدافع عن المدينة حتى آخر قطرة من دمه»، ولفت إلى أن «القوة المقاتلة الأساسية للرئيس بشار الأسد تشكل نسبة صغيرة من قواته في حمص»، مشيرا إلى أنه كان «للانشقاقات في الجيش أثر واضح، ولهذا نرى أعدادا كبيرة من الشبيحة وقوات الأمن بين قواته في حمص».

وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن «القوات السورية اقتحمت بالدبابات حي الإنشاءات في مدينة حمص، بعد تعرض أحياء عدة من المدينة للقصف العنيف لأيام، مما أوقع مئات القتلى». وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن إن «العملية العسكرية كانت مستمرة حتى بعد ظهر أمس، وإن الدبابات دخلت الحي وتقوم بالتنكيل بالأهالي». وقال أحد الناشطين في المدينة إن «هجمات المدفعية كانت موجهة إلى أحياء بابا عمرو والإنشاءات والخالدية ومناطق أخرى من المدينة، يتحصن فيها المنشقون ويشنون منها هجمات (كر وفر) ضد القوات النظامية». وبينما أفادت لجان التنسيق المحلية في سوريا بأن «112 شخصا قتلوا أول من أمس في مدينة حمص وحدها، بينهم ثلاث عائلات وستة أطفال وثلاث نساء، من بين 145 لقوا مصرعهم في سوريا»، أكد شهود عيان في حمص أن «المستشفيات الميدانية في المناطق المحاصرة تغص بالقتلى والجرحى، بعد نحو أسبوع من قصف القوات الحكومية والقناصة للمدينة، في حين ينزف بعض المصابين في الشوارع حتى الموت، في ظل خطورة عملية إنقاذهم ونقلهم لأماكن آمنة».

وعدا الهتافات المناهضة لحزب لله وأمينه العام حسن نصر لله، ظهرت دعوات مقاطعة البضائع الصينية والروسية، وأحرقت إعلامهما في كل المظاهرات، وإن كان المتظاهرون عبروا عن خيبة الأمل في المجتمع الدولي وفقد الرجاء بالقيام بأي إجراء يوقف القتل، إلا أنهم لم يفقدوا الأمل في الشعوب العربية والإسلامية، وناشدوا الدول العربية لا سيما دول مجلس التعاون الخليجي لدعم «الجيش الحر»، وهم يدعون للجهاد، في مظاهرات شكلت تحديا كبيرا لعملية الحسم العسكري التي يقوم بها الجيش النظامي، مرتكبا الكثير من المجازر.

ولعله ليس هناك تحد أكبر من تحدي أهالي حي الخالدية في مدينة حمص، الذين خرجوا في مظاهرة حاشدة يوم أمس رغم دوي القصف من حولهم، خرجوا بعد أسبوع من القصف والمجازر، وبما يشبه المعجزة في (جمعة روسيا تقتلنا) وخلال مدة محدودة احتشدوا حول مجسم لساعة حمص رمز المدينة، وهتفوا لنصرة بلدات الغوطة الشرقية في ريف دمشق وللزبداني ومضايا وإدلب وكل أحياء حمص المصابة وقالوا «نحن معكم للموت»، ورفعوا لافتات «تطالب المجتمع الدولي بموقف واضح من دعم روسيا للقتلة في سوريا»، وأكدوا أن «روسيا شريك في القتل» قبل أن يطلب قائد المظاهرة عبر مكبر الصوت تحية ثوار الخالدية والتفرق «قبل أن تسقط فوقهم قذيفة هاون تطيح بالجميع».

الخالدية الجريحة التي انتصرت لكل سوريا واستنكرت الموقف الروسي الداعم للنظام السوري، انتصر لها ولمدينتي حمص والزبداني المنكوبتين المتظاهرون السوريون في أنحاء البلاد.

وفي إدلب وقراها هتفوا «مكتوب على علمنا بشار خاين وطنا»، وأكد المتظاهرون في بلدة الدانا رفضهم للرئيس بشار، وقالوا «جريمتنا الوحيدة أننا نريد الحرية»، وناشدوا العرب والمسلمين، بالأخص دول مجلس التعاون الخليجي، «دعم الجيش الحر». وفي العاصمة دمشق، أظهرت مقاطع فيديو بثها ناشطون على موقع «يوتيوب» خروج مظاهرات في أحياء عدة، حيث ردّد المشاركون هتافات مساندة لمناطق حمص ودرعا وإدلب التي تشهد عمليات عسكرية للجيش السوري منذ أيام، ورفعوا لافتات كتبوا عليها «روسيا تقتل أطفالنا». وأفاد ناشطون بخروج مظاهرات عدة، أكبرها في منطقتي يلدا وببيلا، إضافة إلى مظاهرات أخرى في أحياء الميدان والقابون وبرزة والقدم بعد صلاة الجمعة، في ظل انتشار أمني كثيف لقوات الأمن التي حاصرت المساجد والقناصين الذين توزعوا على المباني الحكومية.

وفي حي المزة في دمشق، أعلن ناشطون عن سقوط أكثر من 40 جريحا برصاص قوات الأمن السوري، التي حاصرت و«الشبيحة» حي مسجد المصطفى وأطلقت النار والقنابل المسيلة للدموع والقنابل الصوتية على المتظاهرين.

وفي داعل الواقعة في محافظة درعا، ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن «دبابات اقتحمت المدينة، حيث عملت ناقلات الجند المدرعة على ملاحقة المتظاهرين في الشوارع».

وفي اللاذقية، أطلقت قوات الأمن الرصاص على المتظاهرين في حي السنكتوري، حيث انتشرت قوات الأمن في محيط المساجد في معظم أحياء المدينة لمنع خروج مظاهرات مطالبة لإسقاط النظام السوري.

وفي بانياس، قال المرصد السوري إن قوات الأمن نفذت «انتشارا أمنيا كثيفا في محيط المساجد في الأحياء الجنوبية للمدينة، وفاق عدد قوات الأمن عدد المصلين في بعض المساجد».

أما في حماه، فقد أحصى مجلس قيادة الثورة وجود 84 نقطة تظاهر يوم أمس، على الرغم من «قطع نظام العصابة الأسدي منذ خمسة أيام خدمات الاتصال والإنترنت عن كامل المدينة والريف، حيث خرج المتظاهرون نصرة لحمص العدية وريف دمشق الصامد».