«العصيان المدني».. فلسفة المقاومة السلبية واللاعنف

وصفه غاندي بحق المواطن الأصيل

TT

أصبح تعبير العصيان المدني يستخدم بشكل واسع مؤخرا في مصر، خاصة مع تزايد الدعوات للعصيان ولإضراب عام في البلاد بدءا من اليوم (السبت) 11 فبراير (شباط)، لإجبار المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم على تسليم السلطة للمدنيين.

ويعد العصيان المدني رسالة سياسية معلنة لرفض الانصياع لبعض القوانين أو المطالب أو أوامر حكومية، ويعرف العصيان المدني أيضا بأنه نوع من أنواع المقاومة المدنية الخالية من العنف، ويعرفه آخرون على أنه «نشاط شعبي متحضر يعتمد أساسا على مبدأ اللاعنف».

وكان الكاتب الأميركي هنري ديفيد ثورو أول من استعمل مصطلح العصيان المدني في مقالة نشرت له عام 1849 بعنوان «العصيان المدني»، وذلك عندما امتنع عن دفع ضرائب الحرب الأميركية المكسيكية احتجاجا على العبودية والقمع والاضطهاد. كما لجأ المفكر الشهير كارل ماركس إلى هذه الفكرة حين حاول أن ينظم حملة لإقناع الأوروبيين بعدم دفع الضرائب خلال الثورة التي اجتاحت أوروبا عام 1848.

اللافت أن المصريين كشعب يعدون من أوائل من طبقوا العصيان المدني، وذلك حينما أقاموه عام 1919 ضد الاحتلال البريطاني بسبب المعاملة القاسية من جانب سلطات الاحتلال وفرض الأحكام العرفية، إلى جانب رغبة المصريين في الحصول على الاستقلال.

لكن التجربة الهندية تعد هي التجربة الأهم في هذا الصدد، حيث استخدم المواطنون في الهند العصيان المدني كوسيلة لمقاومة سلطات الاحتلال البريطاني آنذاك. وتبنى حزب المؤتمر بزعامة غاندي نهج المقاومة السلبية، التي عرفت بسياسة «اللاتعاون» بداية من عشرينات القرن العشرين، وتمثلت هذه السياسة في عدد من الإجراءات التي تهدف في المقام الأول إلى مقاطعة الإدارة الاستعمارية البريطانية. وكانت من أهم هذه الإجراءات مقاطعة المنسوجات البريطانية، ومقاطعة المحاكم، وترك الوظائف الحكومية، وعدم دفع الضرائب، وبالإضافة إلى المقاطعة كان الشق الثاني للعصيان هو التمسك بالطبيعة غير العنيفة للمقاومة، حتى لو استخدم الطرف الآخر العنف بكل أشكاله.

جدير بالذكر أن غاندي كان قد وصف العصيان المدني بأنه حق أصيل للمواطن في أن يكون متمدنا، وهو ينطوي على ضبط النفس، والعقل، والاهتمام، والتضحية.

ورغم ذلك فإن هناك من يرى أن حركة المقاومة السلبية في الهند أو في ما يسمى العصيان المدني ليست هي وحدها التي حررت البلاد من الاستعمار، حيث إن هذه السياسة انتهجت في العشرينات وبلغت ذروتها في الثلاثينات بينما حصلت الهند على استقلالها في عام 1947. أما التجربة الثانية المهمة للعصيان المدني فكانت في أميركا بقيادة مارتن لوثر كينغ في الخمسينات والستينات، حيث اتبع كينغ نهج المقاومة السلبية لتحقيق المساواة بين البيض والسود، وقد نجحت هذه السياسة في التخلص من مظاهر التمييز ضد السود في بعض الحالات.

* وحدة أبحاث «الشرق الأوسط»