أوغلو: حاولنا إقناع الأسد أن يصبح مثل غورباتشوف لكنه أراد أن يصبح مثل ميلوسيفيتش

وزير خارجية تركيا في واشنطن: أي ضربة عسكرية ضد إيران ستكون كارثية وستقف تركيا ضدها

وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو (رويترز)
TT

أعلن وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو أن أي ضربة عسكرية على إيران ستكون كارثية، خاصة وسط هذا التحول السياسي في المنطقة، مؤكدا أن أي ضربة عسكرية ضد إيران ستكون غير منطقية وغير سليمة، وأن تركيا لن توافق على أي ضربة عسكرية وستكون ضدها.

وأوضح أوغلو في محاضرة أقامها أمس في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن أن المشكلة الإيرانية ليست تقنية ويمكن حلها في أيام إذا توافرت عناصر الثقة والإرادة السياسية، وقال أوغلو إن بلاده تؤيد عدم وضع قيود على الاستخدام السلمي للأنشطة النووية، وفي الوقت نفسه تؤيد منع وجود أي سلاح نووي في إيران ولا في المنطقة ولا في العالم.

ولمح أوغلو إلى وجود مشاورات بين الجانب الإيراني والمفوضية الأوروبية برئاسة كاثرين أشتون لعقد اجتماع للوصول إلى اتفاق حول البرنامج النووي الإيراني بشكل يرضي الداخل الإيراني، ويرضي الدول الأوروبية والغربية. وقال «إذا جاء المفاوضون بنية جيدة يمكن حل المشكلة الإيرانية». وأكد أن التأكد من إحكام نسبة 20 في المائة في تخصيب اليورانيوم هي تأكيد أن إيران لا يمكنها تطوير أنشطتها السلمية إلى تطوير سلاح نووي، واشترط حل الموضوع الإيراني من خلال مفاوضات جادة.

وأكد أوغلو كذلك ضرورة القيام بمبادرة جديدة في الصراع العربي - الإسرائيلي والاعتراف بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم، مشيرا إلى خطوات للتوحيد بين فتح وحماس بحيث تكون هناك سلطة موحدة في الضفة الغربية وغزة، وقال أوغلو «دون تحالف بين فتح وحماس لن يكون هناك عملية سلام، وكلا الجانبين يجب أن يقبل بعملية سلمية، وتركيا ستساند الاعتراف بدولة فلسطين اليوم أو غدا»، وأضاف «كنا نتوقع أخبارا جيدة من إسرائيل لكن للأسف إلى الآن لم تخرج إسرائيل برسائل جيدة للفلسطينيين أو للمجتمع الدولي، فبناء المستوطنات ما زال مستمرا، وإذا كان هناك احتياج للمفاوضات فيجب أن تأتي إسرائيل إلى طاولة المفاوضات دون شروط وأن تعتمد حل الدولتين وفق حدود 1967، وإذا كانت إسرائيل ترفض حل الدولتين فعليها أن تقول ذلك صراحة حتى نعرف من يريد السلام ومن لا يريده».

وأوضح وزير الخارجية التركي أن بلاده اتخذت ثلاث مبادرات سياسية في تعاملها مع الأزمة السورية، ففي البداية اتخذت سياسات مساندة للنظام في محاولة لإقناعه بوقف العنف، ومع سبتمبر (أيلول) الماضي اتخذت سياسة لدعم مبادرات الجامعة العربية لحل الأزمة سلميا حتى صدور «الفيتو» الروسي - الصيني في مجلس الأمن، والمبادرة الثالثة الآن هي أن تركيا لا يمكن أن تقف صامتة تجاه ما يجري، ولا بد من رفع الوعي بمعاناة الشعب السوري.

ووصف وزير الخارجية التركي ما يجري في منطقة الشرق الأوسط بالزلزال الثالث، موضحا أن الخريطة الجيوسياسية تتغير دائما بعد الأحداث المهمة مثل الحرب العالمية الأولى والثانية والحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة. وأكد أوغلو أن منطقة الشرق الأوسط شهدت ثلاثة زلازل في العشرين عاما الماضية، موضحا أن من سيكولوجيات الزلزال أن تتغير معه تصرفات اللاعبين السياسيين أو تتغير معه تصرفات الأنظمة السياسية. وقال أوغلو «كان الزلزال الأول في عام 1991 بعد تحطيم سور برلين وانهيار الاتحاد السوفياتي وتبعه ظهور دول جديدة في شرق ووسط أوروبا، وحدث معه تحول سياسي كبير في شرق أوروبا، وكان هذا الزلزال سياسيا ينادي بالحرية والعدالة في تلك الدول».

وأضاف أوغلو «أما الزلزال الثاني فحدث عام 2001 وكان زلزالا أمنيا بعد أحداث 11 سبتمبر، لأن الولايات المتحدة شنت حربا على الإرهاب في كل أنحاء العالم، فإذا كان الزلزال الأول شعاره تحقيق الحرية في البوسنة، فإن الزلزال الثاني شعاره تحقيق الأمن في أفغانستان». وأوضح أن سياسة تركيا في ذلك الوقت كانت تحقيق التوازن بين الأمن والحرية، مضيفا أنها السياسة التي تتخذها تركيا تجاه سوريا حاليا، وقال أوغلو «كان الاحتياج إلى مبادئ تستند إلى تحقيق التوازن بين الأمن والاستقرار فإذا ضحيت بالاستقرار مقابل الحرية فهناك ثمن لذلك، وإذا ضحيت بالحرية مقابل الاستقرار فستشهد تدهورا مثلما حدث مع الرئيس مبارك في مصر، ولكي تكون الحكومة شرعية يجب أن يكون لديك توازن بين الحرية والاستقرار، وأن توفر أقصى حد من الاستقرار دون المخاطرة بالحرية، وأن توفر أقصى كم من الحرية دون أن تخاطر بالاستقرار».

وأوضح أوغلو أن سياسة بلاده اعتمدت على مبدأ تخفيض التوتر مع دول الجوار إلى درجة الصفر (صفر مخاطر مع دول الجوار)، وقال «كان لدينا مشاكل مع كل الدول المجاورة مثل روسيا وإيران وبلغاريا، ولكن في السنوات الأخيرة تحسنت علاقاتنا مع كل الدول وسعينا إلى علاقات تفاعل قوية». وقال أوغلو «لدينا مشاكل مع سوريا وهي جارة لنا، ولكن ليس بسبب سياساتنا، وإنما بسبب تصرفات النظام في سوريا، ونحن لا نريد أي توتر أو مشاكل مع الشعب السوري، وبعد فترة سيتغير الأمر وسيكون لدينا علاقة جيدة مع تغيير النظام ومجيء نظام جديد، لأننا لا يمكننا التضحية بوجود علاقات قوية في المستقبل مع سوريا».

وتابع أوغلو أن الزلزال الثالث حدث في 2011، وهو زلزال اقتصادي سياسي، مع وجود أزمة مالية في أوروبا وتحول سياسي في دول «الربيع العربي»، ومع وجود مليون ونصف المليون مصري في ميدان التحرير يطالبون مبارك بالرحيل، كان موقف تركيا هو مساندة مطالب المصريين بالحرية والعدالة وأنه يجب أن يتاح للمصريين حق الاختيار، وأن يتاح للتونسيين والليبيين نفس الحق، وقال «في نفس اليوم الذي قام البوعزيزي بإشعال النار في نفسه أصدرنا تصريحات وعقدنا اجتماعات وكان تقييمنا أن الاضطرابات في تونس لن تكون في دولة واحدة فقط، بل ستتسع ولا بد أن يكون رد فعلنا هو مساندة مطالب الشعوب، وأن يكون إقليم الشرق الأوسط إقليما يستجيب لمطالب الشعوب وقادرا على مواجهة التحديات الاقتصادية، وهذا هو المبدأ الأول في سياستنا الخارجية تجاه (الربيع العربي)».

وأضاف أوغلو: «إن المبدأ الثاني الذي اتخذته تركيا هو مساعدة عمليات التحول السياسي في المنطقة بكل السبل الدبلوماسية حتى يتم تفادي سفك الدماء. ورغم تشابه مطالب المتظاهرين والشباب في كل من مصر وتونس وليبيا وسوريا، فإن ظروف كل دولة مختلفة، فالأغلبية في مصر وتونس وليبيا مسلمون سنة، وفي سوريا هناك تعدد في الطوائف ما بين السنة والشيعة، كما أن الهيكل العسكري للجيش في تونس ومصر مختلف عنه في ليبيا ومختلف أيضا في سوريا، وهناك دول مساندة للغرب ودول معادية. ولذا كان توجهنا أن المبادئ واحدة لكن كل حالة لها تدخل سياسي مختلف وحذرنا من حرب باردة في الإقليم بين السنة والشيعة».

وقال أوغلو «إذا كان هناك قمع من حاكم ضد شعبه فلا أحد يتوقع منا أن نصمت، والقمع هو قمع، وتركيا ستكون ضد أي قمع في الإقليم»، وأضاف «في موسكو سألوني أن علاقة تركيا مع الأسد كانت جيدة في السابق، فماذا حدث، وأجبت أن الأسد لم يكن في السابق يقتل شعبه والآن يقتل شعبه وقد قلت للأسد إنه إذا حدث عدوان خارجي على سوريا فإن تركيا ستسانده، لكن المطالب الداخلية المطالبة بالحرية يواجهها الأسد بالقتل، وأردنا من الأسد أن يكون مثل غورباتشوف لكنه أراد أن يكون مثل ميلوسيفيتش».

وتابع أوغلو «الركائز التي اعتمدنا عليها هي المبادئ والقيم، ولو كنا وقفنا إلى جانب بن علي أو جانب مبارك أو القذافي ما كان ليلقى رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان هذا الترحيب الكبير من المصريين والليبيين والتونسيين».

وأوضح وزير الخارجية التركي أن المنطقة مقسمة إلى ثلاث مناطق مهمة، هي منطقة شمال أفريقيا ومنطقة الخليج ومنطقة العراق وسوريا ولبنان، وطالب أوغلو المجتمع الدولي بمساندة التحولات في دول شمال أفريقيا، وطالب كذلك بمساندة الحكومة التونسية الجديدة ومساندة القصص الناجحة في ليبيا، ومساندة البرلمان المصري دون تخوف من جماعة الإخوان المسلمين.

وأعلن وزير الخارجية التركي أمس تأييد بلاده إنشاء مجموعة «أصدقاء سوريا»، داعيا إلى العمل لإيصال المساعدات الإنسانية إلى الشعب السوري. وقال في مؤتمر صحافي عقده في واشنطن: «ندعو إلى تبلور وعي دولي وأن يتحقق ذلك من خلال مجموعة مثل (أصدقاء سوريا الديمقراطية)، أو أي تسمية أخرى يمكن مناقشتها»، مشيرا إلى أن «مبادرة دولية جديدة» يجب أن توجه «رسالة» إلى الشعب السوري مفادها أنه ليس وحده. وقال: «نأمل بوجود رسالة قوية مثل هذه أن يراجع الذين يدعمون بشار الأسد ونظامه موقفهم»، في إشارة ضمنية إلى روسيا والصين اللتين استعملتا السبت الماضي حقهما في «الفيتو» للحؤول دون المصادقة على قرار في مجلس الأمن الدولي يدين القمع في سوريا ويدعو إلى تطبيق خطة الجامعة العربية. وأضاف: «حان الوقت لكي تصل المساعدة الإنسانية إلى هذه المدن»، مشيرا خصوصا إلى حمص معقل حركة الاحتجاج وسط سوريا التي تتعرض لقصف الجيش السوري. «وإذا أرادت روسيا والصين مساعدة سوريا فعليهما تسهيل وصول المساعدة الإنسانية، هذا ليس تدخلا دوليا».