محقق في المخابرات الإسرائيلية: أسرى عرب كثيرون قتلوا خلال التعذيب

يهدد بنشر فضائح خطيرة إذا لم تنقذه الحكومة من دعوى أسير لبناني

TT

هدد أحد المحققين في جهاز المخابرات العسكرية في الجيش الإسرائيلي «أمان»، بنشر فضائح خطيرة عن أساليب التعذيب المتبعة بحق أسرى فلسطينيين وعرب آخرين، إذا لم تقم الحكومة بحمايته في المحكمة. وروى أن الكثير من الأسرى العرب الذي وقعوا بأيدي الجيش الإسرائيلي ماتوا خلال التعذيب.

والمحقق المذكور يهودي ولكنه يعرف بلقبه «أبو جورج». والمئات من الأسرى العرب يعرفونه جيدا. وعلى الرغم من أنه عمل محققا في سنوات الثمانين، ويعمل اليوم «مستشارا للشؤون العربية في قيادة الشرطة»، إلا أن نشر اسمه ما زال محظورا.

وقد كان الأسير اللبناني المحرر، مصطفى الديراني، قد رفع شكوى إلى محكمة إسرائيلية ضده بسبب تعذيبه الشديد يطالبه فيها بدفع تعويضات بقيمة 6 ملايين شيقل (1.5 مليون دولار). وبعد أن أطلق سراح الديراني في صفقة تبادل أسرى قبل ست سنوات، تقدم «أبو جورج» إلى المحكمة بطلب شطب الدعوى، باعتبار أن الديراني لم يعد موجودا في إسرائيل، لكن المحكمة العليا الإسرائيلية رفضت طلبه، وأجازت الاستمرار في الدعوى.

واعتبر «أبو جورج» هذا القرار بمثابة تخلّ من السلطات الإسرائيلية عنه. فهدد بالانتقام بواسطة كشف أسرار التحقيقات التي كانت تجري في أروقة الوحدة التي خدم فيها طيلة عشرين سنة تقريبا، وهي وحدة التحقيق مع الأسرى التابعة للاستخبارات العسكرية. وقد نشر تهديده في مقابلة مطولة مع صحيفة «هآرتس»، فاعترف بأن أساليب التعذيب المتبعة في الجهاز وحشية لكنه دافع عنها بالقول إنها كانت السبيل الوحيدة لاستخراج معلومات حيوية منهم. وضرب مثلا على ذلك في التعذيب الذي اتبعه مع الديراني، «لكي يدلنا على مكان الطيار الإسرائيلي الأسير رون أراد، الذي سقط بطائرته في لبنان وباعه إلى السلطات الإيرانية».

وروى «أبو جورج»، أنه كان قد استخرج من الديراني معلومات قيمة عن وجود الطيار رون أراد حيا بأيدي الإيرانيين، وأنهم نقلوه إلى معسكر اعتقال قرب طهران، وأن السلطات الإسرائيلية لم تأخذ هذا الاعتراف الحيوي بجدية، وأنها لو صدقت رواية الديراني «التي ما زلت مقتنعا حتى اليوم بأنها رواية صحيحة وصادقة، لكان رون أراد اليوم بين أهله في إسرائيل».

وكان الديراني قد اتهم «أبو جورج» ورفاقه المحققين باغتصابه وتعذيبه بأساليب وحشية أخرى. فنفى في تلك المقابلة أن يكون قد حصل اغتصاب، ولكنه اعترف بأنه هدده بالاغتصاب. وقال إن «مثل هذا التهديد لم يكن غريبا على الجهاز»، وإنه كان شاهدا على قيام ضابط إسرائيلي أعلى منه درجة بالتحقيق مع أسيرة فلسطينية. وعندما لم يستطع تحصيل اعترافات منها أمر جنوده: «خذوا حمموها وأحضروها لغرفتي فسأضاجعها».

وروى «أبو جورج» أن تعذيبا شديدا اتبع في مئات الحالات التي يعرفها، وأنه في حال استمرت محكمة الديراني ضده فسيكشف تفاصيل عن عمليات تعذيب رهيبة وأشد مرارة من الأساليب المتهم بها، وأنه سيطلب استدعاء شهود آخرين إلى المحكمة لاستجوابهم وكشف هذه الأساليب، وبينهم عدد من الجنرالات السابقين في الجيش، الذين أصبحوا شخصيات سياسية كبيرة في إسرائيل اليوم. وذكر من بينهم عاموس جلعاد، رئيس الدائرة السياسية الأمنية في وزارة الدفاع، الذي «كان حاضرا في غالبية التحقيقات مع الديراني»، علما بأن جلعاد نفى تماما هذه الاتهامات.

وجدير بالذكر أن هذا النشر أعاد إلى بساط البحث في إسرائيل موضوع التعذيب في أروقة المخابرات الإسرائيلية، وطرح مجددا المطلب بضرورة التخلص منها. ولكن هذا الطرح يواجه بمعارضة شديدة من محققي المخابرات، وقد أفادت إذاعة «صوت إسرائيل» بالعبرية، أول من أمس، بأن مجموعة من رجال الاحتياط في الوحدة العسكرية السرية الإسرائيلية التي يطلق عليها «504» تدعي أنه لو تم التحقيق مع الشيخ مصطفى الديراني بالطرق التي كانت متبعة في السابق، لكان بالإمكان التوصل إلى نتائج صحيحة. وادعوا أيضا أنه كان بالإمكان ممارسة المزيد من القوة لدى التحقيق مع الديراني، وعدم الاكتفاء بما سموه «الطرق النفسية وتوجيه الإهانات».

وادعى محققو الوحدة السرية أن المحققين مع الديراني لا يستحقون القيود التي فرضتها المحكمة عليهم، كما زعموا أنه لا أساس للتهم التي وجهها الديراني للمحققين، وأنه «ليس صدفة أن يطالب بتعويضات بقيمة 6 ملايين شيقل، بسبب علاقة الرقم بعدد اليهود الذين قضوا في المحرقة النازية».

تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن القناة الإسرائيلية الثانية كانت قد عرضت، في النصف الثاني من ديسمبر (كانون الأول) الماضي بعض مشاهد التعذيب التي تعرض لها الديراني.

وبعد عدة أيام من بث التحقيق التلفزيوني نشرت صحيفة «هآرتس» اعترافات لأحد المحققين تؤكد أن التعذيب والتنكيل وامتهان الكرامة هو نهج متبع داخل غرف التحقيق وليس استثناء.