كوريا الشمالية تستعد لافتتاح فندقها الفخم.. بعد تأخر 23 عاما

«ريوغيونغ» تقرر إنشاؤه لمنافسة الجنوب ثم تعطل لشح المال و«أوراسكوم» المصرية أنقذته أخيرا

فندق «ريوغيونغ» سيفتتح الربيع الحالي
TT

يعد فندق «ريوغيونغ» في كوريا الشمالية من أبرز الفنادق في العالم، ومن أكثر النماذج المعمارية التي يتم محاكاتها، فهو أكثر ارتفاعا من مبنى «كرايسلر» في نيويورك، وقاعدته أكثر عرضا من متوسط البنايات في المدينة. وشُيد القسم الأكبر من المبنى من الخراسانة، حيث يبدو مثل سفينة فضاء ويلقي بظلاله على الأفق الرمادي لبيونغ يانغ. ومع ذلك لم يفتح الفندق أبوابه مما جعل البعض ينظر إليه لسنوات باعتباره رمزا للإخفاقات الكبيرة لكوريا الشمالية.

وبدأ العمل في الفندق في عام 1987 ليكون مبنى شاهقا فخما مكونا من 105 طوابق. وتوقف العمل به بعد أربع سنوات لعدم وجود سيولة نقدية. ووصل المبنى إلى الارتفاع المحدد، لكنه ظل بنوافذ بلا زجاج، فبدا وكأنه هرم ضخم. ولم تبرح رافعة مكانها فوق سطحه لسنوات لتكون تذكرة بفشل أحلام كبيرة.

وقال سيمون كوكيريل، مسؤول تنفيذي في «كوريو تورز» التي تتخذ من بكين مقرا لها والتي تنظم جولات سياحية في كوريا الشمالية: «لقد كان يُعرف بالفندق ذي الرافعة التذكارية. كان يحجب السماء». وبحسب وكالة الأنباء الكورية الجنوبية (يونهاب)، سيفتح الفندق أبوابه في وقت ما خلال الربيع الحالي متأخرا 23 عاما عن موعده. وربما يقدم خدماته في البداية كمبنى إداري وليس كفندق، لكن في النهاية سيفتح أبوابه للسائحين على حد قول عاملين في شركات سياحة. ويبدو من توجهات كوريا الشمالية أن الانتهاء من بناء الفندق يمثل ذروة الاندفاع نحو تنظيم رأسمال الدولة، والتفاخر بازدهار اقتصادها على حد وصفها، لكن الحقيقة مختلفة بعض الشيء، فالاقتصاد الذي تتحكم فيه الدولة لا ينمو كما ينبغي، والنظام الاستبدادي الشمولي اعتمد على الاستثمارات الأجنبية من شركة اتصالات مصرية للانتهاء من بناء الفندق.

ومع ذلك، يوضح ترقب الافتتاح، ذكاء كوريا الشمالية خاصة بصفتها دولة تستعد لإقامة احتفالات ستستمر لسنوات بمناسبة عيد الميلاد المئوي لمؤسس الدولة كيم إيل - سونغ. وما زالت بيونغ يانغ قادرة على جذب الاستثمارات الأجنبية في وقت يصعب فيه على المستثمرين الدخول لسوق كوريا الشمالية. وفي حالة الفندق، يأتي الدعم من شركة «أوراسكوم» المصرية التي تنشئ شبكة للهواتف الجوالة في البلاد. كما تتمتع بيونغ يانغ بميزة هي قدرتها على الاستعانة بالشعب في المشاريع التي ترغب فيها، ومنها طلبة جامعات كلفتهم بالعمل في مجال الإنشاءات، بحسب تقارير من معارضين في سيول.

يباشر الفندق عمله بميزة واحدة على الأقل هي شهرته قبل فتحه لأبوابه، فعندما بدأت عملية بناء الفندق، كان من المقرر أن يحتوي على 3 آلاف غرفة وخمسة مطاعم دوّارة وصالة «بولينغ» وملهى ليلي. وطبعت الحكومة صورا لفندق «ريوغيونغ» على الطوابع الرسمية، لكن تلاشى الفخر مع الأموال، حيث وصف المهندسون المعماريون المبنى الذي لم يتم الانتهاء منه باعتباره الأكثر قبحا في العالم منذ عدة أعوام، ووصفته مجلة «إسكواير» بـ«أسوأ مبنى في تاريخ البشرية».

وبين عدم الرغبة في هدمه وعدم توافر الأموال اللازمة لإكماله، عملت سلطات كوريا الشمالية على إخفائه من بعض الصور الرسمية للأفق. ولم يكشف مسؤولون عن تفاصيل الخطط الجديدة بشأن الفندق، لكن كوكيريل أشار إلى «شائعة منتشرة» في بيونغ يانغ بأن الطوابق الوسطى من الفندق ستبقى شاغرة، بينما ستشغل الطوابق الأولى كغرف فندقية وسيتم إنشاء مطاعم على السطح.

كان يُنظر إلى الفندق في البداية، بحسب محللين في كوريا الجنوبية، باعتباره اليد التي لا تهزم في لعبة مع سيول. فمع استعداد كوريا الجنوبية لاستضافة دورة الألعاب الأوليمبية لصيف 1988، شهدت عاصمتها ازدهارا كبيرا من دلائله تشييد مبنى مكسو بالذهب ومكون من 63 طابقا، وبذلك كان الأكثر ارتفاعا في آسيا. وفي محاولة لإثبات التفوق، شرعت كوريا الشمالية في بناء الفندق الذي يفوق ارتفاعه ارتفاع هذا المبنى بنحو 200 قدم.

آنذاك كان اقتصادا الدولتين مختلفين تماما وكان بمقدور كوريا الشمالية تحمل تكلفة بناء مشاريع ضخمة بين الحين والآخر بمساعدة الاتحاد السوفياتي، لكن بعد انهياره عام 1991 توقف تدفق الأموال مما أدى إلى نقص المواد الخام في كوريا الشمالية.

وبعد مرور سنوات، حاولت كوريا الشمالية عدة مرات إعادة إحياء المشروع، بل واتجهت بأنظارها نحو كوريا الجنوبية في مرة من المرات. واعتزمت مدينة إنشيون المطلة على ميناء استضافة بطولة الألعاب الأولمبية الآسيوية عام 2005، وأرادت كوريا الجنوبية من جارتها الشمالية المشاركة. واشترطت كوريا الشمالية تمويل الفندق لمشاركتها في البطولة. وعليه توجه فريق يتكون من 100 شخص من إنشيون إلى بيونغ يانغ لحضور الاجتماعات.

وأوضح مسؤولو كوريا الشمالية أن الزعيم الراحل كيم جونغ - إيل ومسؤولين آخرين أعطوا الأولوية لإعادة إحياء هذا المشروع على حد قول بارك كيل سانغ، أحد مسؤولي الاتصال بين الطرفين في تلك المفاوضات. وأضاف: «كان الفندق مثل جبل ضخم من الإسمنت وبدا عليه أثر 20 عاما. وتوصلنا في النهاية إلى أنه من الأفضل هدمه تماما وبناء فندق جديد».

وبعد فشل صفقة إنشيون، وافقت شركة «أوراسكوم»، في عام 2008 على تجديد الفندق، ووضع عمال البناء ألواح زجاج عاكسة على المبنى، وبدا الجزء الأعلى من المبنى مثل رأس قلم فضي. وفي يوم من الأيام اختفت الرافعة. ويقول كوكيريل الذي كان في بيونغ يانغ في ذلك الوقت: «لقد حدث هذا في منتصف عام 2009. لقد كان يوما يلف فيه الضباب السماء بحيث لا يمكنك رؤية أعلى المبنى. مع ذلك كان المرء يستطيع سماع صوت مروحيات وهو ما لم يكن مألوفا في بيونغ يانغ. وبعد ذلك بنحو ساعة، اختفت الرافعة من الفندق. وأخذ الجميع يحملقون به. لقد شعرت وكأن أبي حلق لحيته. لقد كانت ذبذبات غريبة».

* شارك أونغ جونغ سيو في إعداد هذا التقرير

* خدمة «نيويورك تايمز»