السفارة الأميركية الضخمة في بغداد ترمز إلى أخطاء واشنطن في التعامل مع العراق

المشروع بحجم «الفاتيكان» وأثار الدهشة واصطدم بمشكلات منذ البداية

TT

يرى منتقدون لسياسات الولايات المتحدة أن السفارة الأميركية الضخمة في بغداد ترمز في حد ذاتها إلى الكثير من الأخطاء التي شابت نهج واشنطن في التعامل مع العراق. وأطلقت مجلة «فانيتي فير» على السفارة لقب «حصن بغداد الهائل» وفجرت اتهامات عن التغلغل الإمبراطوري وبأنها قاعدة أمامية محصنة للنفوذ الأميركي يحتمي بها دبلوماسيون يحرسهم الآلاف من المتعاقدين الأمنيين وينظر إليها الكثير من العراقيين بريبة.

وأعلن مسؤولون الأسبوع الماضي أنهم بدأوا خطة حتى تأخذ أكبر سفارة للولايات المتحدة على مستوى العالم «حجمها المناسب» في أحدث تحول في قصة العقار الدبلوماسي الأميركي الذي أحاطت به المشكلات منذ البداية.

ونقلت وكالة «رويترز» عن توم نيدز، نائب وزيرة الخارجية الأميركية، قوله للصحافيين «يمكن أن تكون لنا مساحة أصغر. لا نحتاج إلى مساحة كبيرة بهذا الحجم»، مشيرا إلى مراجعة جارية لأعداد المتعاقدين الأمنيين وسياسات الامتلاك المحلية للسفارة. وأضاف «بغض النظر عن الحجم فإننا سنعمل على ضمان تأمين دبلوماسيينا ومن عيناهم هناك هذا أولا، وثانيا أن تكون قدرتنا على الانخراط في العمل السياسي بالعراق على أعلى مستوى ممكن».

ويؤكد مسؤولون أميركيون أن البعثة في مجملها لا تزال تعمل كالمعتاد وأن أي تغييرات في موظفي السفارة ستدرس بعناية. لكن في مجمله يشير النهج الجديد إلى تقليص واحد من أكثر المشاريع الدبلوماسية الأميركية طموحا حتى يومنا هذا وهو ما نبه متشككون منذ البداية تقريبا إلى أنه سيكون ضروريا.

وكشفت الولايات المتحدة عن خططها لإنشاء السفارة الجديدة عام 2004 حين كانت تستعد لتسليم السيادة رسميا لزعماء العراق الجدد بعد عام من الغزو الذي قادته وأطاح بالرئيس الراحل صدام حسين. كانت هذه شهادة على خطط إدارة الرئيس السابق جورج بوش لتحويل العراق إلى ديمقراطية تتبنى اقتصاد السوق الحرة وحليفة استراتيجية رئيسية للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط غير المستقرة. لكن حجم المشروع أثار الدهشة منذ اللحظة الأولى فقد أنشئت السفارة على مساحة 104 أفدنة قرب ضفاف نهر دجلة في «المنطقة الخضراء» المحصنة ببغداد لتصبح المنشأة الدبلوماسية الأميركية الأكبر والأعلى تكلفة على الإطلاق. وقال مسؤولون أميركيون إن المجمع الضخم الذي بلغت ميزانية إنشائه في البداية نحو مليار دولار ويتساوى في الحجم مع حجم الفاتيكان تقريبا كان ضروريا من أجل أن تواصل الولايات المتحدة مهمتها في العراق التي بدأت بحرب عام 2003.

وقالت وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك كوندوليزا رايس للجنة بالكونغرس عام 2007 «أعتقد أنه من المنطقي تماما أن نرغب في أن يكون لنا وجود دبلوماسي كبير ووجود كبير على صعيد المساعدات ووجود كبير للتعامل مع الشعب العراقي في واحدة من أهم الدول في واحدة من أهم مناطق العالم وهذا هو السبب في إقامة سفارة كبيرة هناك».

لكن سرعان ما اصطدم المشروع بمشكلات مثل تخلف أعمال البناء عن الجدول الزمني وتزايد التكاليف الإضافية. ورفض الكونغرس في البداية الميزانية التي تبلغ مليار دولار ولم يوافق إلا على تخصيص 600 مليون دولار. وقالت وزارة الخارجية الأميركية إن خطط الاستعانة بموظفين إضافيين ستتطلب المزيد من المساكن والموظفين الإداريين ونبهت في عام 2007 إلى أن التكلفة الإجمالية قد تصل إلى 750 مليون دولار. وعندما بدأ انتقال الدبلوماسيين الأميركيين إلى السفارة قال تقرير للمفتش العام على وزارة الخارجية إن خطط التوظيف مبالغ فيها ويجب تخفيضها.

وبدأت خطط الولايات المتحدة للاحتفاظ بوجود كبير في العراق تتراجع بعد الحرب. وفي عام 2010 خفض الكونغرس التمويل للبرامج الدبلوماسية في العراق مما اضطر وزارة الخارجية إلى خفض أعداد القنصليات التي كانت تعتزم فتحها. ثم فشلت مفاوضات مع الحكومة العراقية بشأن الوجود العسكري الأميركي بعد عام 2011 وسحب الرئيس باراك أوباما آخر جندي أميركي في ديسمبر (كانون الأول). لكن دور السفارة بات أكثر محورية لاستراتيجية واشنطن في العراق عام 2011 بعد رحيل القوات الأميركية فأصبحت مهمة موظفي السفارة وزملائهم في القنصليات الأميركية بالبصرة وأربيل وكركوك أن «يفوزوا بالسلام» بعد الصراع الطويل والمكلف في العراق.

ونصت خطط وضعت العام الماضي على أن يواصل 16 ألف شخص الوجود الأميركي بالعراق بمن فيهم نحو ألفي دبلوماسي وموظف اتحادي و14 ألف متعاقد. لكن يبدو أنه تجرى إعادة دراسة هذه الخطط مجددا فيما تسعى وزارة الخارجية الأميركية جاهدة لتوفير النفقات في مرحلة تشهد تقشفا في الميزانية.

وقال نيدز، نائب وزيرة الخارجية «نريد أن تصبح السفارة طبيعية بمرور الوقت وهذا سيعني اتخاذ قرار بشأن المتعاقدين وأعداد المتعاقدين وحجم بعثتنا دون أن نفقد تركيزنا على مهمتنا الرئيسية. لا يوجد ما يسمى سفارة طبيعية، لكن (يمكن أن يكون هناك) وجود أكثر طبيعية للسفارة».