معارك طرابلس تثير مخاوف من انتقال الأزمة السورية إلى لبنان

أحمد الحريري: هناك مؤامرة خارجية تحاك ضد المدينة وأهلها

رجل يحمل بندقية خلال المواجهات التي وقعت أمس في طرابلس شمال لبنان (أ.ب)
TT

تواصلت الاشتباكات المسلحة يوم أمس في مدينة طرابلس (شمال لبنان) لليوم الثاني على التوالي، فيما لم تبد الأطراف المعنية تفاؤلا كبيرا بوضع حد نهائي وحاسم للتوتر الأمني، الذي انفجر بعد ظهر يوم الجمعة إثر مظاهرتين معارضتين للنظام السوري.

وكانت اشتباكات عنيفة اندلعت بين منطقتي باب التبانة (غالبية سنية) وجبل محسن (غالبية علوية) في طرابلس بعد صلاة الجمعة، استخدمت فيها القذائف الصاروخية والقنابل اليدوية والأسلحة الرشاشة، لم تهدأ حدتها رغم انتشار قوات الجيش وملالات مغاوير البحر، ومحاولتهم قمع المسلحين، مما أسفر عن مقتل مدنيين اثنين وجرح نحو 10 عناصر من الجيش وما يقرب من 30 مدنيا.

من جهته، أكد الأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري، أن «هناك مؤامرة تحاك ضد طرابلس وأهلها لأهداف خارجية»، متهما النظام السوري بـ«توتير الوضع الأمني ومحاولة إشعال الساحة اللبنانية بدءا من طرابلس». وقال الحريري في اتصال مع «الشرق الأوسط»: «نحن نرفض الفتنة، لأننا في أيام أصعب بكثير من هذه الأيام رفضناها، لذلك طالبنا من قبل ونطالب الآن بجعل طرابلس مدينة منزوعة السلاح كما كل لبنان باستثناء سلاح الجيش والقوى الأمنية الشرعية»، معلنا رفضه مقولة «محاصرة جبل محسن مقابل محاصرة حمص التي يروجها بعض جماعة سوريا في لبنان»، معتبرا أن «الجيش والقوى الأمنية مسؤولون عن ضبط الانفلات الأمني الحاصل».

وتبادل الطرفان من جبل محسن وباب التبانة الاتهامات بإشعال المعركة، وقال رفعت علي عيد مسؤول العلاقات السياسية في «الحزب العربي الديمقراطي» في جبل محسن (العلوي) لـ«الشرق الأوسط» يوم أمس «نحن لا نشارك في المعارك، ونتلقى الضربات بكل أنواع الأسلحة، والدمار عندنا في المنطقة كبير، ومع ذلك لا نرد على الاعتداء الذي يشارك فيه سلفيون وعناصر من تيار المستقبل. الجيش تمركز في مناطقنا وهو الذي يتولى الرد على مصادر النيران، ومع ذلك لا يزالون يضربون على الجيش. نحن سنبقى على موقفنا هذا حتى يقول لنا الجيش لا علاقة لنا بكم وتدبروا أمركم معهم». وأكد عيد أن حزبه حين يطلق النار لا يخجل من ذلك «لكن هذه المرة هم مصرون على الهجوم علينا». ووصف القذائف التي تخرج من الجبل مستهدفة المدينة بأنها «عمل عناصر غير منضبطة». وأضاف عيد «ما يحدث اليوم تم التحضير له، فقد بدأت بوادره منذ الأسبوع الماضي حين أطلقوا شعار (جبل محسن مقابل حمص) وأخذوا يطلقون علينا القذائف يوميا، وبعد صلاة ظهر الجمعة أخذت جماعات موتورة تطلق النار علينا، بشكل جنوني».

ورد النائب السابق، وعضو المكتب السياسي في تيار المستقبل، مصطفى علوش في حديث لـ«الشرق الأوسط» على ما قاله عيد حول مسؤولية تيار المستقبل عن الهجوم على جبل محسن بالقول «المجموعات الموجودة في التبانة لا وجه سياسيا محددا لها، ولها عدة انتماءات، بينهم من يوالون تيار المستقبل، لكننا لا نملك القدرة على ضبطهم». واعتبر علوش أنه «لا حل لمشكلة جبل محسن وباب التبانة بشكل جذري إلا بسقوط النظام السوري، الذي سيغير المعادلة الحالية. هناك فئات مرتبطة بهذا النظام ومنها حزب رفعت عيد، لذلك يريدون توتير الأجواء».

وبينما كانت الاشتباكات على أوجها يوم أول أمس الجمعة، دوى انفجار كبير في مزرعة تقع في منطقة أبي سمراء، قرب جامعة الجنان، في طرابلس نحو الساعة السادسة مساء، تبين أنه ناجم عن انفجار مستودع للذخيرة، أدى إلى جرح ثلاثة سوريين ولبنانيين، توفي أحدهم أمس، بينما يخضع آخرون لحراسة مشددة لاستجوابهم عندما تتحسن حالتهم. وقال رفعت عيد في حديثه أمس «إن المستودع تابع لتيار المستقبل، والجرحى باتت أسماؤهم معروفة كما انتماءاتهم السياسية، وجميعهم لا يزالون في المستشفى بعد أن توفي أحدهم، بينهم شابان لبنانيان من تيار المستقبل وثلاثة معارضين سوريين». عضو المكتب السياسي في تيار المستقبل مصطفى علوش رد على هذا الاتهام قائلا «لا معلومات عندي عن المستودع الذي انفجر سوى أنه لتاجر أسلحة. ولا علم لي أيضا بوجود أي مخازن أسلحة لها علاقة بتيار المستقبل. وإذا كان هناك من اتهام فليوجه إلي باعتباري مسؤول تيار المستقبل في طرابلس، ولتقم القوى الأمنية بتحرياتها، فأنا لست نائبا في الوقت الحالي، ولا أتمتع بأي حصانة، ويمكنهم أن يوجهوا لي التهمة مباشرة». وكان وزراء طرابلس ونوابها على اختلاف انتماءاتهم قد اجتمعوا مساء الجمعة، في منزل النائب محمد كبارة، وطلبوا من جميع المسؤولين وعلى رأسهم رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس الوزراء نجيب ميقاتي الذي كان يتابع الوضع من باريس، استعمال الحزم، مؤكدين أنهم يرفعون الغطاء السياسي عن كل مخل بالأدب.

وأصدرت قيادة الجيش اللبناني بيانا يوم أمس أكدت فيه «قرارها الحاسم بالتصدي للعابثين بالأمن في الشمال إلى أي جهة انتموا، وملاحقة جميع المتورطين في الأحداث حتى توقيفهم وتسليمهم إلى القضاء المختص. وحمّلت العناصر المسلحة ومن يقف خلفهم، مسؤولية أي خسائر جسدية ومادية تقع في صفوف المدنيين أو العسكريين».

وذكر بيان قيادة الجيش أن «قوى الجيش واصلت تعزيز إجراءاتها الأمنية في منطقة باب التبانة – جبل محسن، والقيام بعمليات دهم دقيقة لأماكن الذين شاركوا بالاشتباكات التي حصلت يوم أمس، حيث تمكنت من توقيف عدد من المسلحين، وضبط كميات من الأسلحة والذخائر الموجودة بحوزتهم، فيما أصيب عدد من العسكريين بجروح مختلفة، أحدهم في حال خطر». وتأتي هذه الاشتباكات بعد احتقانات طائفية تشهدها منطقة الشمال اللبناني بشكل عام، وطرابلس بشكل خاص، كانعكاس لما يدور في الداخل السوري، خاصة في حمص المحاذية للحدود اللبنانية. وشهدت طرابلس في الأيام الأخيرة مظاهرات شبه يومية ضد النظام السوري وتضامنا مع المعارضة السورية. وبينما يرفع أهالي جبل محسن صورا للرئيس السوري ووالده حافظ الأسد والسيد حسن نصر الله، كقادة لهم، يرفع أهالي منطقة باب التبانة المتداخلة مع الجبل صورا مناهضة للنظام السوري وصور بعض الضحايا الذين قضوا على يده، وكان آخرها صورة للرئيس السوري كتب عليها «السفاح». واعتبر مصطفى علوش أن هذه الجولة من المعارك من المفترض ألا تطول بين المنطقتين لأنه «لا قرار سوريا أو إقليميا بالتفجير، وإلا لكانت امتدت المعارك على نطاق أوسع. هناك توترات أسبابها محلية، لذلك من المفترض أن تتمكن القوى الأمنية من ضبطها إذا هي تدخلت بشكل حازم».