تشهد تونس والمغرب دعوات متواصلة من منظمات حقوقية وحملة واسعة النطاق لإلغاء عقوبة الإعدام في البلدين اللذين لم يطبقا العقوبة بالفعل منذ نحو 20 عاما.
وتخوض مجموعة من المنظمات الحقوقية، من بينها منظمة العفو الدولية والرابطة التونسية لحقوق الإنسان، حملة في هذا المضمار، وتعتمد في ذلك على مجموعة من المبررات، من بينها عدم تطبيق عقوبة الإعدام في البلاد منذ 1991 ومخالفتها لمجموعة من القوانين والتشريعات الدولية. إلا أنها تصطدم في ذلك مع وجهة نظر التيارات الدينية التي تطالب بالقصاص وتتمسك بضرورة تطبيق حكم الإعدام وعدم إلغائه.
واعتبرت المنظمات الحكومية العفو الأخير الذي أصدره المنصف المرزوقي، رئيس الجمهورية، بتحويل حكم الإعدام ضد 122 تونسيا إلى السجن مدى الحياة، بمثابة الضوء الأخضر لإلغاء حكم الإعدام. وما زالت وجهة النظر الرسمية تتحفظ على الموضوع، باعتبار معارضة الشارع التونسي لفكرة إبقاء العقوبة وتنفيذها في حالات الجرائم ضد الإنسانية وجرائم قتل الأطفال والاغتصاب والتنكيل بالجثث البشرية، في حين أن النخب السياسية والثقافية تتحفظ ضد هذه العقوبة وتطالب بإلغائها الفوري معتمدة على مبدأ أن العقوبة وحدها لا تمنع الجريمة بل إن وجودها قد يدفع إلى الجريمة وطمس آثارها نهائيا.
وفي هذا الصدد، قال القاضي التونسي مختار اليحياوي إن عدم تطبيق حكم الإعدام منذ 20 سنة قد يشجع القرار السياسي على إلغاء الحكم، إلا أن رد فعل التيارات الدينية وتمسكها بالقصاص قد يكون عائقا ضد إلغاء هذه العقوبة. واعتبر اليحياوي أن العقاب وحده لا يردع المجرم، وعلى السلطات التونسية أن تتجه نحو إلغاء هذه العقوبة غير الإنسانية مع ما يمكن أن يتضمنه هذا الحكم من هامش خطأ قد يحكم على أبرياء بالموت.
حول الموضوع نفسه، قال إبراهيم الهادفي، الكاتب العام السابق للمجلس الإسلامي الأعلى في تونس، إن الإعدام الشرعي يتضمن القصاص ممن قتل النفس البشرية متعمدا ومن دون حق، وهذا من بين أكبر المحرمات. ونبه إلى أن عائلة الضحية لا تقتص من المجرم بنفسها، بل السلطات القضائية هي التي تنفذ أحكام الإعدام. وأضاف الهادفي «لا يمكن للقانون الوضعي أن يغير الأحكام الشرعية». وانتقد تغيير حكم الإعدام بعقوبة السجن مدى الحياة، معتبرا أن القرار كان متجاوزا للنص الشرعي. ولا يتفق الهادفي مع من يرون أن حكم الإعدام يحد من الجريمة، بل يرى أن وجود هذا الإعدام من شأنه أن يحد من قتل الظالم.
يذكر أن نظام الحبيب بورقيبة، الرئيس التونسي الأسبق، قد نفذ أكثر من 90 حكم إعدام ضد خصومه السياسيين، خاصة من المنتمين إلى الحركة اليوسفية (نسبة إلى صالح بن يوسف الذي عارض بورقيبة مباشرة بعد استقلال تونس عن فرنسا سنة 1956).
وفي المغرب، دعا مشاركون في لقاء صحافي نظمه «الائتلاف المغربي لإلغاء عقوبة الإعدام»، الذي يضم عدة جمعيات ونشطاء حقوقيين، إلى الإلغاء الفوري للعقوبة على مستوى التشريع والقضاء، والنص على ذلك في الدستور. وعلى الرغم من أن القضاء المغربي يصدر أحيانا عقوبات بالإعدام لكنها لا تنفذ، وكانت آخر مرة طبق فيها حكم الإعدام على متهم في سبتمبر (أيلول) عام 1993عندما نفذ حكم الإعدام في ضابط شرطة يعمل في جهاز المباحث يدعى محمد ثابت بعد أن أدين باغتصاب وابتزاز عدد كبير من الفتيات والنساء.
وقال المشاركون في اللقاء إنه لا بد من الإلغاء الفوري والصريح لعقوبة الإعدام، وذلك تماشيا مع القانون الدولي لحقوق الإنسان في حماية الحق في الحياة، وتجاوبا مع الدينامية التي يعرفها العالم لإلغاء هذه العقوبة، وإصلاح النظام الجنائي المغربي لضمان الحق في الحياة.
وقال عبد الرحيم الجامعي المنسق الوطني للائتلاف المغربي، بضرورة عقد لقاءات للمساهمة في استمرار النقاش حول إلغاء عقوبة الإعدام، وعبر عن اعتقاده بأن ذلك سيوفر مناخا يؤدي إلى إلغاء عقوبة الإعدام على مستوى التشريع والقضاء. وقال في هدا الصدد «على الجميع قول كلمة واحدة: لا لعقوبة الإعدام وستلغى ليس فقط من التشريعات ولكن حتى من الدستور».
وفي السياق نفسه، قال عبد القادر أزريع عن «المجلس الوطني لحقوق الإنسان» (مؤسسة تتمتع باستقلالية) في إطار تنفيذ توصيات «هيئة الإنصاف والمصالحة» بفتح نقاش حول عقوبة الإعدام بإشراك جميع شرائح المجتمع المغربي. ولاحظ أزريع أن الدستور الجديد «أكد التزام المغرب بمبادئ وقيم حقوق الإنسان وسمو الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب وعلى التشريعات الوطنية، ومنع جميع أشكال التمييز وحظر التعذيب وجميع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان».