طرابلس: اشتعال التوترات الطائفية والجيش يفصل بين المتقاتلين

مخاوف من تجدد الاشتباكات في باب التبانة وجبل محسن

TT

تابع الجيش اللبناني انتشاره، أمس، في منطقتي باب التبانة وجبل محسن، في مدينة طرابلس اللبنانية، بعد يومين داميين حصدا 3 قتلى وأكثر من 25 جريحا بينهم عسكريون. وإذ شُيع أحد القتلى تحت زخات الرصاص، التي ظن أهل المدينة أن سببها عودة الاشتباكات، تبين أن المشيعين يطلقون النار حزنا على فقيدهم، لتبقى طرابلس أمس وكأنها في يوم اختباري لمعرفة إذا ما كانت الهدنة ستستمر أم أنها ستنهار عند تشييع الضحايا؛ إذ يتخوف السكان من عودة الاشتباكات في أي لحظة بسب الاحتقان الشديد في أوساط الأهالي.

وتقع منطقتا باب التبانة وجبل محسن عند المدخل الشمالي لمدينة طرابلس، على بعد نصف ساعة بالسيارة من الحدود السورية، وتعتبر المنطقتان من أفقر المناطق اللبنانية على الإطلاق، وأكثرها حرمانا. وبينما تقع باب التبانة ذات الغالبية السنية على تماس مع أحياء راقية في المدينة، تقع منطقة جبل محسن (ذات الغالبية العلوية) على تلة مرتفعة، تتداخل أزقتها بأزقة باب التبانة، كما أن ثمة تزاوجا وتصاهرا ومصالح مشتركة كبيرة بين المنطقتين. والعلويون في لبنان لا يزيد عددهم على 100 ألف نسمة، موزعين في أغلبهم بين طرابلس وعكار، ولا يزيد عددهم في طرابلس على 40 ألف نسمة، تعرضوا تاريخيا لاضطهاد كبير. ومع دخول السوريين إلى باب التبانة في الثمانينات من القرن الماضي، وجد العلويون في القوات السورية سندا لهم، بينما تعرض أهالي باب التبانة للقتل والتعذيب، وبدأت اشتباكات منذ ذلك الوقت بين الطرفين، لا تزال المدينة تعيش آثارها إلى اليوم.

ويتحدث سكان طرابلس اليوم عن ثأر تاريخي، لا تبدو له نهاية بين فقراء الطائفتين. ومنذ اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري عام 2005 عادت التوترات بين المنطقتين، وشهدت منذ ذلك الحين جولات مسلحة عدة بين الطرفين. وعام 2008 أفلحت مصالحة بين الأطراف لتخفيف حدة التوتر، لكن اندلاع الثورة السورية التي انطوت على أبعاد طائفية عميقة، لا سيما في حمص وتلكلخ المحاذيتين للحدود اللبنانية، وتمركز عدد من المعارضين السوريين في طرابلس، رفعا حدة الغضب لدى أهالي باب التبانة نصرةً لمن يسمونهم «أهل السنة في حمص وحماه».

وفي الأشهر الأخيرة بدا واضحا أن الغضب في باب التبانة يرتفع، ولعل حصار حمص، ومحاولة اقتحامها من قبل الجيش النظامي في الأسبوع الأخير، مع تصاعد عدد القتلى هناك.. ذلك كله زاد من حدة الاحتقان بين أهالي باب التبانة الذين صعدوا من عدد مظاهراتهم المنددة بالنظام السوري، وهي مظاهرات باتت شبه يومية. ويلاحظ أيضا تزايد عدد السلفيين، وسخط بين الأهالي. ويقول عامر: «علينا أن ننهي النظام السوري ونقطع رأسه من هنا (يقصد من جبل محسن)»، بينما يقول محمود، وهو شاب من باب التبانة: «حان أجلهم وسنلقنهم درسا لن ينسوه». أما أهل الجبل فيعتبرون أنهم ضحايا تطرف إسلامي يتزايد في باب التبانة ويعبر عن نفسه من خلال فئات مسلحة تزداد قوة.

وتبادل الطرفان أقسى أنواع العبارات الطائفية على صفحاتهم على «فيس بوك»، التي كانت خلال الأيام الثلاثة الأخيرة، تنقل أخبار المعارك كالتهديد والوعيد اللذين يتبادلان بين الطرفين.

وبينما يتحدث المتقاتلون بلهجة طائفية واضحة، يصر محللون على أن الأزمة سياسية أكثر من أي شيء آخر؛ فالخيارات السياسية للمنطقتين هي التي تزن ثقيلا على الأرض؛ فثمة من يؤيد النظام السوري بشدة، وهناك من يعتبره عدوا مبينا، وتباين المواقف على هذا النحو بين الجيران يتحول إلى برميل بارود معد دائما للانفجار.

وتعترف جميع الأطراف بأن هدوء المعارك لا يعني انتهاءها في أي حال من الأحوال، وإنما هي هدنة ستبقى عرضة للانهيار ما دامت الأزمة السورية مرشحة لمزيد من الدموية في الأسابيع والشهور المقبلة. ووصل الحال ببعض أبناء التبانة إلى أن أعلنوا عن رغبتهم بالعودة للانضمام إلى إخوانهم السنة في حمص، كتعبير عن وحدة الحال، على اعتبار أن طرابلس كانت جزءا من الشام في يوم من الأيام.

ووسط هذه الأجواء المحمومة اجتمع علماء طرابلس والشمال بدعوة من مفتي طرابلس مالك الشعار واستنكروا «قوة الحملة الوحشية الظالمة التي يتعرض لها الشعب السوري المسالم والأبي من أجل حريته وكرامته في ظل دولة القانون وحقوق الإنسان»، داعين الدولة إلى «الالتزام بالمواثيق الدولية المتعلقة بتوفير الحماية والرعاية للاجئين السوريين وتأمين ظروف العيش الكريم لهم إلى حين عودتهم إلى بلادهم».