نقص الخبز في مصر يعكس الضعف الاقتصادي

من سلة خبز البحر المتوسط إلى مستورد خالص للحبوب

TT

لا يوجد رمز أكثر قوة على هشاشة الاقتصاد المصري أكثر من الخبز الذي يعتبر العنصر الرئيسي للحياة هنا.

في صباح كل يوم تخصص الحكومة المصرية أجولة الدقيق المدعوم، يزن الواحد منها 25 رطلا، إلى المخابز المخصصة لإنتاج أرغفة الخبز، التي تشتريها طبقة الفقراء والعمال مقابل ثمانية سنتات (50 قرشا مصريا) لكل عشرة أرغفة، لكن في بعض الأحيان لا يوجد ما يكفي الجميع.

وعلى الرغم من وفرة الأراضي الخصبة في مصر، وخصوصا على طول نهر النيل، فإن مصر تعتمد على المنتجين الأجانب في الحصول على كل احتياجاتها الزراعية تقريبا، بما في ذلك القمح. وعلى الرغم من تحديد الدولة أسعار السلع الأساسية مثل الخبز ووقود التدفئة، عندما ارتفعت تكلفة استيراد السلع، ازدهر معها اقتصاد السوق السوداء، حيث تعمل بعض المخابز على بيع مخصصاتها من الطحين في السوق السوداء بدلا من صنع الخبز، مما زاد النقص، وطول الطوابير، وأحيانا جماهير غاضبة.

تحول مصر من سلة خبز البحر الأبيض المتوسط إلى مستورد خالص للحبوب هو أحد العناصر الجوهرية في الأزمة الاقتصادية التي تهدد بإشاعة عدم الاستقرار في البلاد. ووفقا لخبراء الاقتصاد والزراعة، كانت الحكومة المصرية متواطئة في ذلك، فقد رفضت على مدى سنوات بناء البنية التحتية اللازمة لإنتاج القمح بصورة اقتصادية، وحملة الخصخصة التي نهبت الزراعة المصرية عبر صفقات تصفية غير حكيمة وفاسدة في كثير من الأحيان، والمزارعون الذين باعوا حقولهم لمطوري العقارات أو تحولوا إلى إنتاج المحاصيل الأكثر ربحية الموجهة للتصدير على حساب القمح، إضافة إلى حكومة الولايات المتحدة التي شجعت مبيعات القمح الأميركي في مصر بدلا من تشجيعها على زيادة الاعتماد على الذات.

اليوم تستورد مصر نحو 80% من منتجاتها الزراعية، ومع الانخفاض المتوقع في قيمة العملة في وقت ما من العام الحالي، يسعى المستهلكون إلى اقتناء السلع الأجنبية الأكثر كلفة في جميع المجالات. وتعيش العمالة المصرية في ظل توازن عجز مدفوعات مزمن ومعدلات تضخم وصلت بالفعل في الساعة إلى 9%، يتوقع أن ترتفع خلال الأشهر المقبلة، إضافة إلى تكاليف الاقتراض.

بالفعل هناك طوابير من سائقي السيارات المتلهفين بشأن إمدادات الوقود، التي تعتبر إحدى السلع الأساسية الأخرى المدعومة.

وفي بلد يعيش 40% من سكانه على أقل من دولارين يوميا، يعتبر الخبز المدعوم استحقاقا إنسانيا أساسيا. وقد أثارت جهود رفع الدعم أعمال شغب واسعة النطاق في عام 1977، ما أجبر الرئيس السادات، الرئيس المصري آنذاك، على التراجع عنها، وكان الخبز الرخيص والحرية والعدالة الاجتماعية أهم مطالب الثورة التي أطاحت بالرئيس المصري السابق حسني مبارك قبل عام. لكن الأزمة الاقتصادية تضاعفت حدتها منذ الإطاحة بمبارك، وهو ما أثار إمكانية إثارة المزيد من الاضطراب الاجتماعي والعنف.

ويقول محمود برغش، رئيس مجلس إدارة جمعية السلام للتنمية: «كل شيء يبدأ من المزرعة. إذا لم تتمكن دولة من إنتاج لقمة عيشها، فهي لا تستحق لقب دولة».

ليس مستغربا أن تلقى غالبية اللوم في انعدام الأمن الغذائي في مصر على عاتق مبارك، فاثنان من بين آخر ثلاثة وزراء زراعة في عهده يقبعان في السجن بتهم، من بينها التصريح ببيع مبيدات ملوثة في البلاد، وبيع الأراضي الزراعية لأعوان النظام بأقل من قيمتها السوقية بكثير. فيقول الخبير الاقتصادي محمد جودة، الذي تربى بين مزارعي القطن: «حسني مبارك قتل الزراعة المصرية، ولم يكن ذلك نتيجة إهمال غير متعمد، بل تم عن فساد وسوء نية».

وطوال حكم مبارك، ووفقا للمزارعين المصريين، فشلت الحكومة في توفير شبكات الري والكهرباء الحيوية اللازمة لإنتاج المحاصيل كثيفة الاستخدام للمياه، لا سيما في بلد صحراوي ذي معدل نمو سكاني. ويقول مزارع يمتلك بضعة آلاف من الأفدنة شمال شرقي القاهرة إن عائلته تمكنت من ربط مزرعته بشبكة الكهرباء قبل عامين فقط بعد عقود من الاعتماد على المولدات الكهربائية المكلفة، ولم تسهم وزارة الزراعة في ذلك بأكثر من مجرد إصدار التصاريح اللازمة. وقال الفلاح الذي طلب عدم الكشف عن اسمه خشية أن لا يحصل على تصاريح أخرى: «لقد فعلنا كل شيء تقريبا، بما في ذلك تمويل أنفسنا، لم يكن هناك خطة للحكومة».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»