القائد المقبل للصين يزور أميركا.. للتعارف

شي جين بينغ ليبرالي اقتصاديا.. لكنه سيبقى مقيدا لسنوات بسياسات سلفه هو جينتاو

شي جين بينغ
TT

عندما يصل نائب الرئيس الصيني، والرئيس المقبل المفترض شي جين بينغ، إلى البيت الأبيض يوم غد (الثلاثاء)، سيحاول القادة الأميركيون البحث مليا عن دلالات لمواقف مستقبلية للصين في قضايا محورية، بدءا من النوايا العسكرية الصينية إلى البرامج النووية لإيران وكوريا الشمالية. لكن لا توجد قضية أكثر أهمية، حتى الآن، وأكثر غموضا، من التساؤل حول الوجهة التي سيأخذ شي والجيل المقبل من القادة تجاهها الاقتصاد الصيني، الذي لا يزال يشهد نموا سريعا، لكنه يظهر إشارات دالة على القلق وعدم الاستقرار الهيكلي، على حد قول اقتصاديين.

وتأتي جولة شي عبر أنحاء الولايات المتحدة، بدءا من واشنطن مرورا بمدينة ريفية في ولاية أيوا، وانتهاء بلوس أنجليس، في لحظة مشحونة بالتوترات السياسية في العلاقات الأميركية - الصينية. وقد ظهرت منافسة الصين الاقتصادية مع الولايات المتحدة بالفعل على السطح كقضية مهمة تسيطر على الانتخابات الرئاسية التمهيدية التي يخوضها الجمهوريون هذا العام، وقد شدد الرئيس باراك أوباما لهجته بشأن التجارة الصينية وقضايا أخرى مالية.

ومن خلال مقابلات مع شي في البيت الأبيض يوم الثلاثاء، يبدو من المرجح أن تهيمن قائمة مفصلة بمطالب اقتصادية، ممثلة في أن تذلل الصين العقبات أمام الاستثمار الأميركي، وتبني اقتصادا موجها للمستهلكين من شأنه أن يكفل شراء مزيد من الواردات الأميركية ويسمح لقيمة عملة الرنمينبي بالارتفاع في مقابل الدولار بسرعة أكبر - على جانب أوباما من المحادثة، بحسب مسؤولين في واشنطن.

من جانبه، سيجسد شي، من خلال تعريف نفسه للجمهور الأميركي، شخصية بسيطة تلقائية مقارنة بشخصية الرئيس الحالي الرزين، هو جينتاو. وسوف يعلن عن بعض الصفقات مع شركات أميركية. وسيتعهد، على غرار كل زائر صيني، بإصلاح العلاقات الثنائية بين البلدين. ولكن نظرا للضغوط المحلية بشأن تحول القيادة في الصين هذا العام، الذي يحدث مرة واحدة كل عشر سنوات، تنعدم احتمالات أن يقبل شي مطالب أوباما بشكل معلن.

وعلى الرغم من ذلك، فإن ثمة جدالا أطول أجلا بشأن الإصلاحات التي تجري مجراها حتى الآن. ففي الأشهر الأخيرة، أجرى بعض النخب من الحزب الشيوعي نقاشا خاصا حول ضرورة إجراء تلك الإصلاحات بحماسة متجددة، وقد تسرب جانب من تلك المحادثات إلى الرأي العام، وثمة عدد متزايد من الانتقادات الموجهة من قبل مثقفين ومسؤولين سابقين لما يطلقون عليه «الحقوق المكتسبة»، التي تهدد بدفع الصين بصورة أكبر على طريق الرأسمالية.

إلا أن حساسية تحول القيادة والقيود الهيكلية المفروضة على سلطة شي، خاصة في أول مدة من توليه منصبه، التي ستستمر خمسة أعوام، من شأنها أن تعرقل محاولات من جانبه ومن جانب رفاقه لدفع إصلاحات، حتى مع رغبتهم في القيام بها.

ومن المقرر أن يرث هو وفريق قيادة جديدة، نهاية هذا العام، اقتصادا موجها في المقام الأول لتحقيق نمو اقتصادي سريع. والصناعات الحكومية التي تضخم حجمها والمقاطعات الساحلية التي زاد حجم صادراتها والحكومات المحلية التي حققت المليارات من بيع الأراضي وأنفقت المزيد من المليارات في إنشاء مدن براقة، جميعها لها مصالح من وراء تلك السياسة الاقتصادية.

ويجمع الاقتصاديون على الحاجة لإجراء إصلاحات في قوانين ملكية الأراضي ونظام الخدمات الاجتماعية والقطاع المالي، وعلى ضرورة أن تدخل الصين إصلاحات على نموذج نموها المدفوع بالاستثمارات، ولكن كل ذلك سيعمل ضد تلك المجموعات من أصحاب المصالح.

واكتسبت الشركات الحكومية الكبرى، على وجه الخصوص، نفوذا سياسيا، إلى جانب ثروتها الطائلة. واحتكرت معظم القطاعات المهمة (الصرافة والنفط والطيران والبناء والاتصالات عن بعد)، وتربطها علاقات وثيقة بمسؤولين حزبيين رفيعي المستوى. وهناك مسؤولان تنفيذيان سابقان بشركات النفط والماكينات العملاقة ضمن أعضاء مجلس إدارة اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للحزب الشيوعي، الهيئة المؤلفة من تسعة أعضاء، التي تدير الصين بالإجماع.

ويربط المسؤولون المتوقع أن يشغلوا مناصب في اللجنة الدائمة في شهر أكتوبر (تشرين الأول) من العام الحالي، نوعا ما من العلاقات ببعض من رؤساء المؤسسات الحكومية؛ فعلى سبيل المثال، كان وانغ تشي شان، الذي ينظر إليه باعتباره ليبراليا فيما يتعلق بالسياسة الاقتصادية، مسؤولا تنفيذيا رفيعا بأحد البنوك الحكومية. وعادة ما يتنقل المسؤولون التنفيذيون بالشركات بين المناصب الرفيعة على مستوى المقاطعات، كما أن كثيرا منهم من بين أعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي.

وقال تشينغ لي، الباحث في السياسات الصينية بمعهد «بروكينغز» في واشنطن، في مقابلة أجريت معه: «إذا كان بإمكان القيادة الجديدة فرض قوانين صارمة على تلك الشركات أو عرقلة عملها، فسوف يصبح لها رصيد جيد لدى العامة. غير أن تلك المجموعات من أصحاب المصالح تتمتع بنفوذ كبير. الخطر السياسي ضخم».

وبالمثل، على حد قول البعض، يبدو خطر عدم اتخاذ أي إجراء. وازدادت المخاوف في بعض أوساط الحزب (وأيضا موجة الغضب بين المواطنين) من ظهور نخبة تتمتع بسلطة وامتيازات. وابتكر المنتقدون مصطلح «الياقة السوداء» لوصف العظماء والنخب من الحكومة الذين يرتدون حلات سوداء باهظة الثمن ويقودون سيارات فاخرة سوداء، وعادة ما يخالفون قوانين المرور والسرعة.

ومن الملاحظ أنه لم تتم مناقشة الإصلاحات الاقتصادية الجديدة في مؤتمر العمل الاقتصادي السنوي للحزب في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، الذي ركز فقط على الحديث عن الاستقرار، بحسب محرر في صحيفة تابعة للحزب، غير أنه في خمسة منتديات خاصة على الأقل نظمها أبناء نخب الثورة الشيوعية العام الماضي في بكين، نوقشت الحاجة لإجراء إصلاحات، بحسب أفراد مطلعين على وقائع الاجتماعات.

وهؤلاء الذين يشار إليهم باسم «الأمراء الشباب» يمكن أن يستحوذوا على السلطة من خلال علاقات شخصية ربما تؤثر على المدى الطويل على المجموعة التالية من القادة، على الرغم من أن مطالبهم بالتغيير ليس لها تأثير مباشر.

وتشير كثير من جوانب شخصية شي إلى شخص سيكون، وفقا لمعايير القادة الحاليين، تقدميا نوعا ما. وعلى عكس هو ضيّق الأفق، جاب شي (58 عاما) مختلف بقاع العالم، وتربطه علاقات ودودة بالغرب. وتدرس ابنته بجامعة هارفارد، ويقال إنه يستمتع بمشاهدة أفلام هوليوود عن الحرب العالمية.

شق هو، اختصاصي الطاقة الكهرومائية، طريقه عاملا في وظائف بالأجزاء الداخلية القاحلة من الصين. أما شي، فهو ابن رجل أرستقراطي من الحزب الشيوعي (شي زهونغكسون)، الذي كان حيا وقت بداية تحول الصين إلى النظام الرأسمالي وساعد في تطوير منطقة شنتشن الاقتصادية الخاصة. وترقى شي عبر وظائف تابعة للحزب في مراكز ساحلية للمشاريع التجارية.

ويرى بعض الخبراء أن خلفية وتاريخ القادة الجدد الآخرين في الصين تبشر بإصلاح اقتصادي كبير. ويقول لي داوكوي، وهو اقتصادي ومستشار بالبنك المركزي الصيني: «تلقى هؤلاء القادة تعليمهم الجامعي في سنوات الإصلاح والانفتاح السعيدة، في عامي 1977 و1978، عندما كانت الدولة في بداية مرحلة التحول». ويضيف: «هؤلاء الذين كانوا في أشد حالات الابتهاج هم طلاب الكليات. إنهم مؤمنون بالفطرة بالإصلاح والانفتاح».

ويبدو أن صوت شي سيكون مؤثرا، إلا أنه سيكون صوتا واحدا وسط الكثير من الأصوات الأخرى في القيادة الجماعية للصين. وربما تلقى مسؤولية إدارة الاقتصاد على عاتق عضوين آخرين بارزين من أعضاء اللجنة: لي كيكيانغ، الشخصية المرجح أن تخلف وين جياباو، كرئيس للوزراء، ووانغ، الذي رأس مصرفا حكوميا لمرة واحدة ويعتبر من أقوى المرشحين ليكون أول نائب لرئيس الوزراء.

وتربط وانغ علاقات قوية بالقطاعات المالية والصناعية في الصين، كما لعب دورا محوريا في المحادثات الاقتصادية مع وزير الخزانة الأميركي، تيموثي غايتنر. ويدعم تاريخه (كان خاضعا لوصاية زهو رونغجي، الإصلاحي الاقتصادي الذي تولى منصب رئيس الوزراء في الفترة من 1998 إلى 2003) اعتقاد عام بأنه يؤيد السياسات الاقتصادية الموجهة للسوق. وتعد رؤى لي غير واضحة، لكنه عمل في وقت سابق حاكما لمقاطعة هينان المركزية، إحدى أكثر المقاطعات فقرا في الصين. وتشير أجندة عمله الحالية، التي تضم إدخال تغييرات على قطاعي الإسكان والرعاية الصحية في الصين، إلى اتجاه نحو تحسين متوسط نصيب المواطنين من الدخل.

غير أن بعض النخب الحزبية قد وجهت انتقادات إلى لي بوصفه لا يلعب دورا فعالا ولا يبدي موقفا حاسما في الاعتراض على المصالح المكتسبة في تلك القطاعات. وأيا كانت آراء تلك النخب، فإن التغييرات السياسية الرئيسية ستخضع لتدقيق - وربما تقابل بمعارضة محتملة - من جانب المكتب السياسي الجديد ورموز الحزب الشيوعي الأخرى، من بينهم هو، الذي يتوقع، على غرار سابقيه، أن يلعب دورا مؤثرا.

وليس من المحتمل أن تكون التغييرات سريعة. فقد تم وضع الكثير من السياسات الاقتصادية قصيرة الأجل في آخر خطة خمسية للحزب، التي أميط اللثام عنها العام الماضي. وإلى أن يتمكن شي من شغل الوظائف المهمة من قبل أفراد من حلفائه، فسيظل المخطط الاقتصادي لهو بمثابة عامل استرشادي على مدى أعوام.

لعدة سنوات مقبلة، سيكون هو «حاكما مطلقا»، حسبما ذكر اقتصادي قدم استشارات لقادة سياسيين، في مقابلة أجريت معه نهاية العام الماضي. وأضاف: «إذا كان لشي أي أمل، فإن من الممكن أن يتحقق على أرض الواقع في فترة رئاسته الثانية»، أي في آخر خمسة أعوام من مجمل مدة رئاسته التي يتوقع أن تمتد لعشر سنوات.

* أسهم في إعداد التقرير مايكل واينز من بكين وإدوارد وونغ من واشنطن

* خدمة «نيويورك تايمز»