عشائر في الأنبار يهبون للدفاع عن الثوار السوريين ويمدونهم بالسلاح للقتال ضد الأسد

تاجر عراقي: اشتريت نفس الأسلحة التي كنت أجلبها من سوريا لأعيدها هناك ثانية

ضابط سوري أعلن انشقاقه عن النظام وانضمامه إلى الجيش الحر يتوسط متظاهرين قرب حلب (رويترز)
TT

منذ وقت ليس بالبعيد عمل السوريون على إرسال الأسلحة والمقاتلين إلى العراق لمساعدة المقاتلين السنّة في خوض الصراع الطائفي، وعلى حين غرة تبدلت الأوضاع إلى الاتجاه المقابل.

خلال الاحتفال الذي أقيم مؤخرا للاحتفاء بالمولد النبوي الشريف على ضواحي هذه المدينة الواقعة غرب العراق يوم السبت سرعان ما تحول الاحتفال إلى مسيرة لتأييد ثوار سوريا، حيث رفع الأطفال العلم السوري، الذي تميزه ألوان الأخضر والأسود والأبيض، الذي كان شعارا للجمهورية في الثلاثينات عقب إعلان الاستقلال عن الاحتلال الفرنسي، وقام آخرون بجمع التبرعات لإرسال المساعدات والأسلحة إلى المقاتلين المعارضين لنظام الرئيس بشار الأسد عبر الحدود.

يقول الشيخ حميد الهايس، الزعيم القبلي الذي التقيناه في مسكنه بالرمادي، عاصمة محافظة الأنبار: «أتمنى لو أستطيع الذهاب إلى هناك بسلاحي كي أقاتل».

وبات من الواضح جليا أن الحرب الطائفية في سوريا بدأت تتحول إلى النزاع الإقليمي الذي طالما كان يخشاه المحللون السياسيون، فتسارع وتيرة الأحداث الأخيرة - بما في ذلك عمليات القصف والاغتيالات التي شهدتها مدن دمشق وحلب وتصاعد وتيرة العنف في شمال لبنان والتي تشكل نتيجة مباشرة للعنف الطائفي في سوريا - يشير إلى أن حكومة الأسد تواجه في الوقت الراهن أيضا خصوما على حدودها.

وعبر المحللون عن توقعاتهم بأن تتحول سوريا إلى ساحة تدريب للحقبة الجديدة من الصراع الدولي، والتي بدأ الجهاديون في التقاطر عليها بالفعل كما هو الحال مع العراق وأفغانستان. فدعت قيادة الآيديولوجية والفرع الأردني من تنظيم الإخوان المسلمين، الأكثر إثارة للقلق، الجهاديين حول العالم لقتال حكومة الأسد.

وتعتبر صحراء العراق الغربية المكان الذي تتضح فيه طبيعة العداء الطائفي أكثر من أي مكان آخر على الحدود، حيث بدأ السنّة في القيام بمسيرات لنصرة المعارضة السورية، وهو ما قد يعزز بمرور الوقت من قوتهم في التعامل مع الحكومة الشرسة التي يقودها الشيعة في بغداد.

ويقول تاجر السلاح، الذي يعمل في الأنبار والذي يلقب نفسه بأحمد المصري: «قبل خمس شهور قيل لي إن الأشقاء في سوريا بحاجة إلى الأسلحة، فقمت بشراء الأسلحة من نفس الأشخاص الذين بعتها لهم من قبل - وهم مقاتلون في الأنبار والموصل - والتي كنت أجلبها من سوريا، وها هي الآن تعود في الاتجاه في المقابل».

أشار الرجل إلى أنه يبيع قذائف المورتر والقنابل اليدوية والبنادق، وأن وسيطه في سوريا عراقي أيضا. وأوضح أن بعض العراقيين يتخلون عن أسلحتهم لإرسالها إلى سوريا، وفي هذه الحالة لم يكن عليه سوى دفع المال من أجل نقلها عبر الحدود.

يضيف المصري: «إنها تجارة جيدة، لكنها ليست سهلة. إنها محفوفة بالمخاطر، لكن هذه هي الحياة».

يتحدث زعماء القبائل والمسؤولون الأمنيون عن تدفق محدود لكنه متزايد للأسلحة إلى سوريا من محافظة الأنبار والمناطق المحيطة بالموصل، المدينة الشمالية التي تشكل مقر جماعة القاعدة في العراق. وقد ارتفعت أسعار السلاح أمام المهربين بصورة كبيرة، فارتفع سعر البندقية الآلية من 300 دولار إلى 2000 دولار، بحسب روايات أحد التجار.

ويشير عبد الرحيم الشمري، رئيس اللجنة الأمنية بالمجلس المحلي، إلى أن المتفجرات والأسلحة كانت تهرب عبر قرية الربيعة الحدودية. ووصف أحد تجار الأسلحة في هذه القرية، وقد طلب عدم ذكر اسمع بسبب طبيعة عمله، عملية تهريب قطع الأسلحة في صناديق السجائر، وأوضح أنه حقق أرباحا بلغت 4000 دولار من بيع بنادق بي كيه سي الرشاشة. وقال إن السوريين عبر الحدود يقايضون الأغنام والأبقار مقابل الأسلحة.

التعاطف مع الثوار السوريين هنا في الأنبار يعود إلى الروابط القبلية التي تعود إلى مئات السنين، وكمنطقة يهيمن عليها السنّة العرب. وقال الشيخ على حاتم السليمان، الذي التقيناه مؤخرا في منزله في بغداد، حيث يربي أسدا ربطه أمام ساحة المنزل: «لدينا قبائل وحدود مشتركة». وقد وصف حاتم الأسد بالجزار وقال إن الرجال في الأنبار، موطن أجداده، كانوا يحاولون بالفعل مساعدة المعارضة. وأضاف مشيرا إلى أن زعماء القبائل في الأنبار سيلتقون هذا الأسبوع لمناقشة سبل دعم الثوار، وقال: «نعم، إنهم يقدمون الأسلحة. يجب عليهم ذلك».

في غضون ذلك يحاول تنظيم القاعدة في العراق، الذي تراجع عدد أفراده بصورة ملحوظة خلال السنوات الأخيرة، الاستفادة من العنف في سوريا. ونقل التقرير الذي صدر مؤخرا عن وكالة أنباء «ماك كلاتشي» عن مسؤولين أميركيين لم يسمِّهم أن «القاعدة» في العراق تقف خلف التفجيرين الانتحاريين في دمشق، وربما التفجيرات التي وقعت يوم الجمعة في حلب. وأوضح المسؤولون في المقابلات التي أجريت معهم في بغداد أنهم يعتقدون أن ذلك أمر متوقع لكن لا توجد أدلة تؤكد ذلك.

وكان أيمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة، قد أصدر بيانا يوم السبت حث فيه المسلمين في المنطقة - وذكر العراق على وجه التحديد - لدعم الانتفاضة، بحسب موقع «سايت» الاستخباري، الذي يراقب المواقع الجهادية.

وفي الأردن أطلقت جماعة الإخوان المسلمين، التي تحظى بنفوذ كبير على الساحة الأردنية، دعوة لحمل السلاح، لما وصفته بالواجب على المسلمين في كل مكان للوقوف في وجه حكومة الأسد في سوريا في حرب مقدسة، باستخدام أي وسيلة ضرورية. وقالت الجماعة على موقعها: «دعم الشعب السوري والجيش السوري الحر واجب، لأنهم يواجهون ظلم وقمع النظام».

من ناحية أخرى قالت منظمة القاعدة في العراق، التي يشار إليها بدولة العراق الإسلامية على موقعها على الإنترنت: «حارب الكثير من السوريين إلى جانب دولة العراق الإسلامية، وقد سعدنا عندما علمنا بوصول مقاتلين عراقيين يقاتلون إلى جوار إخوانهم في سوريا». وقد نصحت الجماعة الثوار السوريين باستخدام قنابل على جانب الطريق التي أثبتت فعاليتها في حرب العراق». وأصر بعض زعماء القبائل في الأنبار، حيث تحظى «القاعدة» بدعم محدود، على أن المساعدة التي تقدمها منطقتهم لسوريا هي مساعدات إنسانية فقط، فقال مسؤولون في الفلوجة إنهم سيقيمون معسكرا توقعا لنزوح لاجئين إلى الأراضي العراقية.

يقول فيصل العيساوي، عضو المجلس المحلي لمحافظة الأنبار: «الناس هنا يرغبون في مساعدة الناس في سوريا، لا بالأسلحة، بل ما يمكنهم تقديمه لهم».

وفي إشارة إلى فتح سوريا لحدودها أمام مئات الآلاف من اللاجئين العراقيين خلال الحرب في العراق، قال: «نشعر بالتزامنا بالوقوف إلى جانب الشعب السوري، تماما كما وقفوا إلى جوارنا».

وكانت الحكومة العراقية التي تهيمن عليها أغلبية شيعية قد انتهجت خطا متوازنا تجاه سوريا، حيث قدمت دعما مباشرا، لا للحكومة السورية أو المعارضة. وقال هوشيار زيباري، وزير الخارجية العراقي: «نحن جيران دائمون، فهي أشبه بالمكسيك بالنسبة للولايات المتحدة، مع فارق في سوريا وهو أن الجميع يخشى من تداعياته». وأضاف زيباري: «هذا لا يعني أننا ندعم نظام الأسد، وفي الوقت ذاته لا يمكن أن نعارض الشعب السوري».

يتمثل تأثير إيران في كيفية حساب العراق للسياسة السورية، فالحكومة الإيرانية قد تكون الصديق الأقرب لحكومة الأسد، والعراق لا يرغب في التفريط في إيران، التي تمارس قدرا من التأثير النفوذ على القادة العراقيين، وتدعم الميليشيات هناك. وهناك خشية أيضا من أنه إذا ما سقطت سوريا فسوف تعوض إيران خسارة حليف في سوريا عبر بسط نفوذها على الشؤون العراقية.

وفي الأنبار يتضح مدى الغضب تجاه الحكومة المركزية السورية، فقبل ساعات من الحشد الذي تجمع يوم السبت في الفلوجة أقيم حشد مشابه في استاد لكرة القدم في الرمادي، رفع فيه المحتفلون بالمولد النبوي العلم السوري الذي كان مستخدما قبل وصول عائلة الأسد إلى السلطة. فيقول الشيخ محمد أبو ريشة: «نحن هنا لدعم سوريا ونرغب في وقف نزيف الدماء. نحن نريد من الحكومة العراقية دعم الشعب، لا القتلة. إنهم يساعدون الحكومة السورية التي تقتل هؤلاء المسلمين».

* خدمة «نيويورك تايمز»