تحقيقات التمويل الأجنبي: واشنطن اقتطعت من أموال المساعدات للقاهرة لتمويل المنظمات الأهلية

وزيرة التعاون الدولي: أميركا عملت على احتواء الثورة.. والجنرال ديمبسي: لا نفرض تأثيرنا على مصر

جندي مصري يجلس فوق مدرعة بأحد شوارع القاهرة وسط هدوء نسبي للأوضاع أمس (أ.ب)
TT

كشفت التحقيقات القضائية في قضية التمويل الأجنبي غير المشروع لعدد من منظمات المجتمع المدني المصرية والأجنبية، عن أن الولايات المتحدة الأميركية قامت بتقديم حجم هائل من التمويل لمنظمات مصرية وأميركية تعمل على أرض مصر في أعقاب ثورة 25 يناير (كانون الثاني)، على نحو يفوق عدة مرات ما كانت تقدمه لتلك المنظمات قبل الثورة. بينما قال رئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال مارتن ديمبسي، بعد عودته من القاهرة، إنه عبر عن قلق واشنطن من تراجع العلاقات بين البلدين في لقاءاته مع نظيره المصري، اللواء سامي عنان، والمشير حسين طنطاوي، وغيرهما من المسؤولين في وزارة الدفاع المصرية.

وقال ديمبسي إن المحادثات تناولت العلاقة طويلة الأمد بين الولايات المتحدة ومصر، وناقش تدريبات «النجم الساطع» وإشراك عدد من الدول في تلك التدريبات العسكرية التي تهدف إلى تعزيز القدرات العسكرية للجيش المصري، والعمل المشترك بين الولايات المتحدة ومصر. وتطرقت المحادثات إلى التحقيق المصري في قضية التمويل الأجنبي غير الشرعي للمنظمات غير الحكومية المؤيدة للديمقراطية، واعتقال أكثر من 40 من الناشطين المصريين والأميركيين. وأعرب ديمبسي عن التزام وزارة الدفاع الأميركية بالمصالح المشتركة مع الجانب المصري، وأنه أوضح لهم الخيارات والعواقب.

وأشار ديمبسي إلى أنه تم تأجيل تدريبات «النجم الساطع» التي كان من المفترض إجراؤها في عام 2011، لأن الجيش المصري كان مشغولا، وأكد أن كلا الجانبين حريص على تدريبات «النجم الساطع» التي تجري في عام 2013، مضيفا أن «هناك بعض القضايا التي يتعين حلها في وقت قريب من أجل تحقيق ذلك».

وقال ديمبسي في تصريحات للصحافيين على متن طائرته أثناء عودته إلى واشنطن: «قلت لقادة الدفاع المصري ما الإشارات التي يجب أن أفهمهما من هذا الموقف (قضية المنظمات) في ما يتعلق بمستقبل مصر، هل ستصبح مصر معزولة، هل ستحافظون على الحريات الفردية أم ستضعون قيودا على الحريات؟»، وأضاف ديمبسي أن القادة المصريين لم يكن لديهم أجوبة في الوقت الراهن.

وأضاف ديمبسي: «رغم أن كافة رؤساء مصر كانوا عسكريين، فإن مصر لم تكن أبدا دولة ديمقراطية بالشكل الذي يحاولون تطويره الآن، وبصراحة إنهم يكافحون.. وهي معادلة صعبة لتحقيق كل ذلك من متابعة جدول زمني للانتخابات المختلفة وصياغة الدستور والانتخابات الرئاسية في يونيو (حزيران) المقبل وهم يسعون إلى تعزيز الديمقراطية». وأضاف ديمبسي أنه وجد أن الجيش المصري حريص جدا على الخروج من السلطة وتسليمها للمدنيين، وقد مرت مصر بعام مليء بالتغييرات الضخمة وأصبح تركيز الجيش منصبا على مسؤوليات جديدة مثل الأمن الداخلي. وأشار ديمبسي إلى وجود ما بين 200 إلى 300 ضابط مصري يتلقون التدريب في المدارس العسكرية الأميركية، مؤكدا أن الجيش الأميركي سيستمر في البقاء على اتصال مع القادة المصريين وهم يقومون بالتغييرات التي يبغون تنفيذها. وقال: «أعتقد أنهم يقومون بكل الأمور، ويضعونها في نصابها الصحيح والاختبار الحقيقي هو صياغة الدستور وإجراء الانتخابات الرئاسية، وهذا هو السبب في أننا نريد البقاء على اتصال معهم، ليس لفرض أي تأثير؛ ولكن ببساطة لنكون شريكا لهم ولمساعدتهم على فهم مسؤولياتهم الجديدة وهم يتوقعون هذا النوع من الشراكة معنا، لكن علينا أن نتجاوز هذه القضية المتعلقة بالمنظمات غير الحكومية».

وكانت زيارة ديمبسي قد تم ترتيبها منذ فترة قبل أن تتدهور العلاقات بين القاهرة وواشنطن حول قضية المنظمات غير الحكومية، لكن تطور الأحداث وضع القضية في أولوية أجندة المناقشات العسكرية، كما تصادف موعد الزيارة مع ذكرى تنحي الرئيس السابق، حسني مبارك، عن السلطة في 11 فبراير (شباط) العام الماضي. ويرتبط ديمبسي بعلاقة صداقة تمتد لـ5 سنوات مع كل من طنطاوي وعنان، حينما تعامل معهما ديمبسي في عام 2007 عندما تولى منصب نائب قائد القيادة المركزية الأميركية، واستمرت العلاقات بعد توليه منصب قائد القيادة المركزية عام 2008، وأشار ديمبسي إلى أنه اعتمد على هذه العلاقة الطويلة أثناء مناقشاته، ورغم أن اللقاء كان صعبا، فإنه كان قادرا على أن يكون صريحا.

ويذكر أنه بعد سقوط نظام الرئيس مبارك تزايدت أعمال الجماعات المؤيدة للديمقراطية في مصر وقامت الولايات المتحدة بزيادة التمويل المخصص للمعهد الديمقراطي الوطني من مئات الآلاف من الدولارات إلى 7 ملايين دولار في العام، وارتفع عدد موظفي المعهد في القاهرة من مكتب صغير يضم اثنين من العاملين الدوليين إلى 3 مكاتب يعمل بها 12 من النشطاء الدوليين، إضافة إلى 50 مصريا.

يأتي ذلك في الوقت الذي قالت فيه التحقيقات المصرية، التي أحيل فيها 43 متهما إلى محكمة جنايات القاهرة من بينهم 19 أميركيا، وغيرهم من جنسيات أجنبية أخرى، إن الأموال التي كانت تقدم للمنظمات سواء المصرية أو الأميركية العاملة على الأراضي المصرية كان يتم اقتطاعها من المبالغ المخصصة للأعمال التنموية المتفق عليها سلفا بين مصر والولايات المتحدة في مجالات التعليم والصحة والبنية التحتية، على ضوء برنامج المساعدات الاقتصادية الأميركية، حيث كان يجري تحويل جانب كبير من أموال البرنامج لصالح تلك المنظمات، على الرغم من كونها تضطلع بأعمال سياسية بحتة.

ونشرت وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية الرسمية (أ.ش.أ)، أمس، أن وزيرة الدولة للتعاون الدولي، الدكتورة فايزة أبو النجا، قالت في معرض شهادتها التي أدلت بها في شهر أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي في تلك القضية عقب بدء التحقيقات؛ إن أحداث ثورة 25 يناير جاءت مفاجئة للولايات المتحدة، لذا قررت في حينه العمل بكل ما لديها من إمكانيات وأدوات لاحتواء الموقف وتوجيهه في الاتجاه الذي يحقق المصلحة الأميركية والإسرائيلية أيضا.

وأشارت أبو النجا إلى أن كل الشواهد كانت تدل على رغبة واضحة وإصرار على إجهاض أي فرصة لكي تنهض مصر كدولة حديثة ديمقراطية ذات اقتصاد قوي، حيث سيمثل ذلك أكبر تهديد للمصالح الإسرائيلية والأميركية، ليس في مصر وحدها، بل وفي المنطقة ككل. وقالت أبو النجا إن الهدف الأميركي للتمويل المباشر للمنظمات خلال الفترة من عام 2005 وحتى 2010 كان يقتصر على مضايقة النظام الحاكم السابق في مصر، والضغط عليه بدرجة محسوبة لا تصل إلى حد إسقاطه، حيث إن الوضع في النظام السابق على ثورة يناير، كان وضعا مثاليا لكل من الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، وبالتالي لم تكن أي منهما ترغب في إسقاطه.

وأشارت إلى أن جملة مبالغ التمويل الأميركي المباشر للمنظمات بلغت 175 مليون دولار خلال الفترة من عام 2005 وحتى عام 2011، منها نحو 105 ملايين دولار تم تقديمها من الجانب الأميركي خلال فترة 7 أشهر فقط، وهي الفترة من فبراير (منذ رحيل مبارك) وحتى سبتمبر (أيلول) 2011، الذي تزامن مع إدلاء الوزيرة فايزة أبو النجا بأقوالها أمام مستشاري التحقيق.