اتهمت المحكمة العليا الباكستانية أمس رئيس الوزراء الباكستاني يوسف رضا جيلاني بمخالفة قراراتها لرفضه تحريك دعوى قضائية في سويسرا ضد الرئيس آصف علي زرداري بتهمة اختلاس أموال، مما يعزز الضغوط على واحد من رؤساء باكستان الأقل شعبية.
وتتهم وسائل الإعلام والرأي العام باستمرار السلطة المدنية وممثليها بالفساد وسوء الإدارة. وتواجه هذه السلطة عداء متزايدا من قبل الجيش، وكل ذلك وسط أزمة اقتصادية حادة، حسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية.
وجيلاني ليس ضالعا في قضية «الحسابات السويسرية» لزرداري التي تعود إلى التسعينات! لكنه قد يكون أول ضحاياها، كما يرى محللون. وستؤدي إدانته بمخالفة قرارات المحكمة إلى سجنه لمدة قد تصل إلى ستة أشهر وإقالته من منصبه فورا. ويمكن أن يؤدي سيناريو من هذا النوع إلى زعزعة سلطة زرداري المهتزة أصلا إن لم يسفر عن استقالته أو على الأقل تنظيم انتخابات تشريعية مبكرة.
وتتابع الدول الغربية التقلبات في باكستان بدقة لأنها القوة النووية الوحيدة في العالم الإسلامي وتشهد سلسلة هجمات من الإسلاميين المتطرفين، بينما تشكل المناطق القبلية في شمال غربي البلاد معقلا لتنظيم القاعدة وحركة طالبان الأفغانية.
وأبلغت المحكمة جيلاني رسميا بالاتهامات الموجهة إليه بمخالفة قراراتها. ودفع رئيس الوزراء الباكستاني ببراءته، بينما أكدت المحكمة أنها ستحدد في نهاية فبراير (شباط) موعد المحاكمة.
وللدفاع عن نفسه، شدد جيلاني على الحصانة القضائية التي يتمتع بها بصفته رئيس وزراء على رأس عمله. لكن المحكمة رفضت هذه الحجة في جلسات البداية والاستئناف.
ويرى جيلاني أن المحاكمة التي تقيمها المحكمة العليا «سياسية» تستهدف من خلاله الرئيس.
وكانت المحكمة العليا ألغت في 2009 مرسوما بالعفو العام صدر في 2007 ويحمي زرداري من الملاحقات خصوصا في قضية اختلاس مفترض لأموال عامة في التسعينات تم تحويلها إلى حسابات في مصارف سويسرية. وبعد ذلك أصدرت أمرا للحكومة بالطلب من القضاء السويسري إعادة فتح الملاحقات القانونية، لكن الحكومة لم تنفذ طلبها.
ويشتبه في هذه القضية بأن زرداري وزوجته رئيسة الوزراء الراحلة بي نظير بوتو استخدما حسابات مصرفية سويسرية لتبييض نحو 12 مليون دولار تم الحصول عليها بوصفها رشى دفعتها شركات تسعى وراء عقود في باكستان منذ التسعينات.
وكان مدعي عام جنيف اعتبر في 2010 أنه لا يمكنه إعادة فتح الملف ما دام أن زرداري في الرئاسة بسبب حصانته القضائية.
وفي 2007 كان الرئيس السابق برويز مشرف يواجه صعوبات جمة وتوصل إلى تحالف سري مع رئيسة الوزراء السابقة الراحلة بي نظير بوتو زعيمة المعارضة حينها لتقاسم السلطة بعد الانتخابات التشريعية لعام 2008. وفي هذا الإطار أصدر عفوا عاما شمل أكثر من ثمانية آلاف شخص بينهم بي نظير وزوجها زرداري، أسقط ملاحقتهما في تهم فساد.
وكان الزوجان محل تحقيقات بشأن تحويل أموال يعود إلى فترتي تولي بي نظير رئاسة الحكومة (1988 - 1990 و1993 - 1996) التي كان زرداري وزيرا فيها. وبعد اغتيال زوجته في اعتداء في ديسمبر (كانون الأول) 2007 والفوز الكبير لحزبه في الانتخابات التشريعية في فبراير 2008، انتخب زرداري رئيسا من قبل البرلمان. لكن في ديسمبر 2009 ألغت المحكمة العليا مرسوم العفو الصادر في 2007، مما فتح المجال أمام استئناف الملاحقات بحق زرداري في إطار ما يعرف بـ«قضية الحسابات السويسرية».
وكان ينظر لجيلاني باعتباره سياسيا محنكا قادرا على تحقيق الاستقرار في باكستان. خاض رئيس الوزراء حقول ألغام سياسية وفي أحيان أخرى كانت مهمته حل المشكلات، وكان يدعو زعماء المعارضة لاحتساء الشاي أو تناول الطعام للحد من الانتقادات الموجهة لحزب الشعب الباكستاني الحاكم. لكن ما يفتقر إليه هو جاذبيته الشعبية، وعوض ذلك من خلال الإبقاء على علاقة حميمة مع الشعب الباكستاني من خلال الظهور كثيرا في المناسبات العامة وإلقاء الخطب.
غير أن رئيس الوزراء الذي بقي أطول مدة في المنصب في تاريخ باكستان المضطرب ربما يكون قد وصل لنهاية الخط بسبب تحديه للمحكمة العليا التي هي بدورها راغبة في ممارسة سلطاتها في السنوات القليلة الماضية، حسب رويترز.
وقال رسول بخش، أستاذ علوم الإدارة في جامعة لاهور، إن أدب جيلاني الجم وعدم اتسامه بالعجرفة كحال ساسة باكستانيين آخرين مكنه من التواصل مع كثير من الناس حتى من المعارضة. لكن دعمه لزرداري الذي يرأس حزب الشعب الباكستاني أوقعه في المشكلات. وأضاف: «منذ البداية، كان لديه خيار؛ إما أن يكون رئيس وزراء لنفسه، أو أن يظل أسيرا للمشكلات السياسية لزرداري.. وهو قام بالاختيار الخطأ. في النهاية، فإنه دفع ثمن ولائه الأعمى لزرداري وحزبه». لكن مع رحيل من يقوم بحل المشكلات لحزب الشعب الباكستاني، ستواجه باكستان المزيد من الفوضى السياسية التي ستشتت انتباه الحكومة بعيدا عن التحديات الأكبر؛ من ضعف الاقتصاد، إلى التمرد الذي تمثله حركة طالبان. وقد لا تسقط الحكومة، لكن فقد رئيس الوزراء سيكون إحراجا كبيرا للحزب الحاكم.
وتخرج جيلاني، 59 عاما، الذي ينحدر من عائلة بارزة من إقليم البنجاب، في جامعة البنجاب التي درس بها الصحافة. وألف كتابا عندما كان يقضي عقوبة السجن دعا فيه إلى وجود جيش قوي، لكنه رفض ضلوعه في أي دور في السياسة. وهاجر أسلاف جيلاني من بغداد ليستقروا في باكستان الحالية. وأصبح البرلمان يضم أحد أفراد الأسرة منذ عام 1921 عندما كانت باكستان جزءا من الهند التي كانت تحت الاحتلال البريطاني.