زيارة داعية مصري لتونس تثير جدلا واسعا بين اليمين واليسار

بعض التونسيين اعتبروها إلهاء للشعب عن عجز الحكومة

TT

لم تمر زيارة الداعية المصري وجدي غنيم إلى تونس من دون أن تخلف ضجة إعلامية وسياسية بين اليمين واليسار، ومن دون أن تؤجج الصراع التقليدي بين الطرفين في ظل مرابطة القوات الأمنية منذ الساعات الأولى من صباح أول من أمس، قرب الجامع الكبير بسوسة، الذي قدم فيه غنيم محاضرة دينية.

وبدأت التساؤلات والانتقادات منذ الإعلان عن نيته المجيء إلى تونس، وتقديم محاضرات دينية، كما وجهت الاتهامات منذ البداية إلى الحكومة التونسية، ووقوفها وراء دعوة غنيم مقابل 20 ألف دولار دون احتساب مصاريف الإقامة، في حين ردت أطراف مساندة للزيارة بأنها تمت عن طريق جمع الأموال من مريدي غنيم ومن أهل البر.

وعبرت مجموعة من النساء التونسيات عن معارضتهن لأفكار غنيم، خاصة في ما يتعلق بختان النساء. وانتقل الصراع بين الطرفين إلى أكثر من منبر، ورأى بعض التونسيين أن الزيارة تروم إلى «تلهية التونسيين عن عجز الحكومة بشأن تجاوز صعوباتها المتنوعة».

ورفع بعض المنتسبين إلى اليسار شعار «ارحل» الشهير في وجه وجدي غنيم، ووصفته بعض اللافتات بـ«طهار النساء» (كلمة «طهار» بالعامية التونسية تعني من يقوم بعملية ختان الأطفال)، ورفعت لافتات في سوسة كتب عليها «مجلة الأحوال الشخصية هي دستور المرأة التونسية» و«لن نفرط في مكتسبات المرأة التونسية».

وعارضت حركة «كلنا تونس» الزيارة، وقالت: «يطالب هذا الرجل بختان البنات، مدعيا أنها سنة، في ظل انعدام أي قاعدة شرعية لهذه العادة التي تعرف جذورها في مصر الفرعونية». وقالت آمنة المنيف، عضو الحركة، لـ«الشرق الأوسط»: «إن غنيم يجرم الرياضيات، ويدعو إلى التطرف والتقوقع، ويحرم الديمقراطية، وهي كلها مواقف تهدد الحريات وحقوق المرأة وقيم المواطنة والجمهورية ومؤسسات الدولة».

ونددت المنيف، من ناحية أخرى، بتوظيف المساجد لترويج مثل خطاب غنيم، وطالبت الرؤساء الثلاثة (الجمهورية، والحكومة، والمجلس التأسيسي) ومفتي الجمهورية، بالتصريح بموقفهم بكل وضوح من أقوال الداعية المصري وادعاءاته. وقال محمد الشملي، المنسق العام لحركة النهضة في سوسة: إن الحركة مع مبدأ التعدد والتنوع الفكري بقطع النظر عن صاحب الدعوة. وأضاف: «نسعى إلى ألا تكون مثل تلك الزيارات عامل تفرقة بين التونسيين ووسيلة لتوتر الساحة السياسية والفكرية».

من ناحية أخرى، أدت نساء تونسيات الصلاة خارج الجامع الكبير في سوسة أمام المارة تحت إمامة الداعية غنيم، وذلك وسط انتقادات من يساريين بأن المرأة يمكنها عدم الصلاة في المسجد فكيف الحال في الشارع؟ وخطب غنيم بطريقة طريفة؛ حيث قال في بداية محاضرته: «ربما يؤول العلمانيون مجيئي بأننا قمنا بتقديم خطبة الجمعة إلى يوم الاثنين».

وتباينت المواقف من الزيارة بين مؤيدين بشدة ورافضين بحماس، وقال أحد الرافضين للزيارة: إن منظمي تلك الزيارة اختاروا «وجوها استهلكتها الفضائيات الدينية بشكل كبير حتى صنعت منها نجوما مثل نجوم الغناء». وساند آخرون الزيارة بطريقة مختلفة، وقالوا إن مجيء علماء من خارج تونس يؤكد أن لهؤلاء دراية أوسع بالدين الإسلامي، وانتقدوا بالمناسبة علماء تونس قائلين «إنهم كانوا مقموعين ومضطهدين ولم تُتَح لهم الفرصة طوال أكثر من 50 سنة ليكون لهم رأي أو دور فعال في إصلاح المجتمع».

وشبَّه غنيم تطبيق الشريعة الإسلامية بالمنزل الكبير وحدود الشريعة بالسور الذي يحيط بسور ذاك المنزل، وقال في خطبة له بالجامع الكبير بسوسة (140 كم وسط شرق تونس): «تجب تعلية السور في مرحلة أولى، ثم إحاطته بسلك شائك ثم كهربة السلك، وأخيرا وضع كاميرا لمزيد من حماية هذا المنزل، وهنا سيغضب السارقون لا غيرهم».

وغنيم من مواليد محافظة الإسكندرية في مصر سنة 1951، وينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، وكان من أشد المعارضين للرئيس المصري السابق حسني مبارك. وسبق له أن طُرد من إنجلترا بتهمة التحريض على الإرهاب، ورحل إلى اليمن ثم إلى ماليزيا. ويرى الشباب الديني المتحمس أن غنيم يمثل أحد أقطاب «الصدوع بالحقيقة»، وهو صاحب تسجيلات صوتية يعلق فيها على الأحداث بكل جرأة وشجاعة، ومعروف عنه الوفرة في المعلومات وحفظه المتقن للقرآن.

وسبق لغنيم أن عمل إماما وداعية في الولايات المتحدة لمدة 4 سنوات من 2001 إلى 2004، وصدر ضده حكم بالسجن مدته 5 سنوات.