سفير موسكو لدى السعودية لـ«الشرق الأوسط»: لا نتعامل بمعايير الحرب الباردة.. وقاعدتنا العسكرية في طرطوس صغيرة

طالب بتوضيح مضمون الدعم المادي والسياسي والمعنوي الذي اتفق على تقديمه للمعارضة السورية

TT

قال أوليغ أوزيروف، السفير الروسي بالرياض في حديث خاص مع «الشرق الأوسط»، إن موسكو تدرس حاليا البيان الختامي لاجتماع وزراء الخارجية العرب الأخير في القاهرة الذي تضمن وقف كافة أشكال التعامل الدبلوماسي مع ممثلي النظام السوري وتشديد العقوبات الاقتصادية، إلى جانب إنهاء بعثة المراقبين العرب، ودعوته مجلس الأمن لإصدار قرار لتشكيل قوات حفظ السلام عربية - أممية مشتركة لمراقبة والتحقق من تنفيذ وقف إطلاق النار.

وأكد السفير الروسي وجود سوء فهم لموقف روسيا من الملف السوري، مؤكدا عدم انطلاقهم من مفاهيم الحرب الباردة كما تصوره بعض وسائل الإعلام ورجال السياسة، مع حرصهم على عدم خلق مصدر آخر لعدم الاستقرار في حدودهم الجنوبية، والبحث عن السلام والازدهار.

وقال «يخطئ من يدخل روسيا في إطار الحرب الباردة، حيث إن العالم المعاصر بحسب تفسيره اختلف كثيرا عما كان عليه في عهد الاتحاد السوفياتي، والذي اعتمد حينها على التكتلات، حيث بات يعيش العالم ضمن تحديات مختلفة من ضمنها الاستقرار والإصلاح والتغيير الديمقراطي ومحاربة الإرهاب».

وشدد أوليغ على أن اندلاع الحرب الأهلية بسوريا سيتسبب في زعزعة الاستقرار بالمنطقة، سواء أكان ذلك في العراق أو الأردن ولبنان والخليج، منوها بأنه من العقلانية ومهما كانت المواقف تجاه الأزمة السورية تبقى رغبة الجميع وسعيهم نحو تجنب الكوارث والهزات السياسية التي حذر من احتمالية وقوعها.

وحول المصالح بين روسيا والنظام السوري أوضح أن المصالح الروسية الاقتصادية لا تقتصر على سوريا، فلدى موسكو مصالح اقتصادية في العالم بأسره، باعتبارها دولة كبرى، كما وصفها، ولديها صداقات مع العالم العربي طوال قرون، مذكرا بالدور الروسي في تأييد العرب بحروبهم مع إسرائيل، ومن ساعد على بناء سد الفرات، ومن بنى السد العالي، مؤكدا الفارق بين روسيا اليوم والاتحاد السوفياتي سابقا بعدم سعيها نحو تصدير آيديولوجية معينة أو بناء تحالفات عسكرية.

واستنكر أوليغ التضخيم الإعلامي للقاعدة الروسية في ميناء طرطوس، والتي اعتبرها نقطة صغيرة، مع وجود العشرات من القواعد الأميركية والبريطانية في المنطقة، مشيرا بشكل خاص إلى القاعدة الأميركية في قطر، مضيفا أن مصالح موسكو مع سوريا تتعلق بتطوير علاقات جيدة وسليمة، بالإضافة إلى وجود مصالح وعلاقات تقليدية قديمة. واعتبر أن تفسير موقف الروسي لأسباب حربية «جيو استراتيجية» إنما هو تفسير خاطئ وساذج ومرتبط بمعايير الحرب الباردة، والتي انتهت تماما، مضيفا أن تلك التقارير ما زالت تعيش العصر القديم، حيث إن العالم تغير وحتى أسلوب التعامل مع الأزمات وكيفية معالجة القضايا.

وأوضح أن موقف موسكو من التعامل مع الملف السوري إنما ينطلق من مبادئ محددة، أولها وقف العنف من قبل كافة الأطراف، والبدء بالحوار الوطني الشامل بمشاركة كافة الأطياف السورية، وحماية سيادة الدولة السورية، إلى جانب تفادي التدخل الخارجي للشؤون الداخلية السورية، منوها باهتمام روسيا بكافة مواقف الجامعة العربية.

وعلى الرغم من تنويه أوليغ باهتمام سوريا بكافة ما يخرج عن الجامعة العربية وماهية مواقفها، فإنه شدد على ضرورة الالتزام بالإطار الروسي المحدد للتعامل مع الملف السوري، والذي يتطلب وقف العنف أولا وبداية الحوار الوطني وموافقة سوريا على هذه المقترحات، مستنكرا عدم وجود أي نص في البيان الختامي يفسر بشكل واضح ماهية قوات حفظ السلام وصلاحياتها، ليشدد مرة أخرى قائلا «فكرة ما زلنا ندرسها وننظر ما وراءها».

وحول إرسال قوات حفظ السلام الأممية والعربية قال السفير الروسي بالرياض إنه قبل إرسال قوات حفظ السلام لا بد أن يكون هناك سلام على أرض الواقع في سوريا، الأمر الذي يعيد الجهود الدولية إلى نقطة الانطلاق، بحسبه، وهي إيقاف العنف أولا وبدء الحوار الوطني، والذي من خلاله فقط يمكن إيجاد صيغة محددة. وطالب أوليغ بأهمية توضيح وتفسير مضمون الدعم المادي والسياسي والمعنوي الذي اتفق على تقديمه وزراء الخارجية الخليجيون لأطراف المعارضة، في الوقت الذي تدور فيه تساؤلات كثيرة أيضا بحسب السفير حول ماهية الأطراف المعارضة.

وقال أوليغ إنه كما أن هناك حديثا من قبل المعارضة عن وجود تدخل خارجي، فإن مؤيدي النظام يقولون نفس الشيء حول وجود تدخلات من دول خارجية أخرى، موضحا أن انطلاق روسيا من مبدأ ضرورة تفادي التدخل في الشؤون الداخلية السورية، وضرورة موافقة النظام السوري على دخول قوات حفظ السلام، نافيا أن يكون ذلك شرطا روسيا، وإنما هو ميثاق للأمم المتحدة، والذي يشدد على أهمية موافقة الدولة ذاتها، كما كان الأمر قائما عند تدخل الأمم المتحدة في لبنان بناء على طلب من الحكومة.

وأكد حرص روسيا دوما على الانطلاق من ميثاق الأمم المتحدة، وذلك ليس في سبيل الدفاع عن الأنظمة وإنما عن الحق الدولي، معربا عن أسفه لما يشن على روسيا من حرب إعلامية من خلال الصحف والادعاء بدعمها للعنف الذي اعتبره غير صائب على الإطلاق ولا أساس له، حيث إنها طالما أيدت السلام والاستقرار بمنطقة الخليج والشرق الأوسط، كما كان ذلك خلال التعامل مع المبادرة اليمنية وللوضع في البحرين.

وبرر السفير الروسي بالرياض لجوء موسكو والصين لاستخدام حق النقض (الفيتو) مؤخرا في التصويت بشأن قرار حول الأزمة السورية بأن روسيا والصين لم تمنحا الوقت الكافي لاستكمال المشروع الذي قامتا به والذي وصفه بالإيجابي، لتقوما بطرح على حد وصفه مشروع غير جاهز، أو ناضج، أو حتى متزن، مما اضطر الروس إلى استخدام الفيتو، منوها بأن ذلك لا يعني عدم استمرار روسيا بإيجاد صيغة لوقف إطلاق النار.

ورفض اعتبار الفيتو الروسي - الصيني السبب في تأجيج حالة العنف بسوريا، مضيفا أن روسيا كانت قد طالبت فقط بمنحها المزيد من الوقت لاستكمال البحث والنقاش للتشاور مع القيادة السورية لإدخال بعض النقاط المهمة جدا، والتي من بينها إضافة وقف العنف من طرف المعارضة على غرار الشروط التي وضعتها بحق النظام والمفصلة لإيقاف العنف من قبلها، معتبرا أن حق السوريين بالإصلاح والديمقراطية لا يأتي من خلال الحرب الأهلية أو التدخل الخارجي وتدمير الدولة، فطريق المواجهة على الأرض عسكريا ومضاعفة العنف بسوريا لا يعد سوى كونه طريقا مسدودا بحسب ما وصفه أوليغ.

وبحسب السفير الروسي بالرياض فقد طالبت موسكو الأمم المتحدة بضرورة بذل أطراف محددة ممن تلقى استحسانا من قبل المعارضة، لم يشأ بتسميتها، على أهمية القيام بدورها بخصوص تشجيعهم على وقف العنف، والذي اعتبره شرط العقل ولا مفر منه، إلى جانب مطالبتهم بإعادة إرسال المراقبين العرب، وهو على خلاف ما جرى من إيقاف البعثة العربية وتبديله بمبادرة أخرى.

وقال أوليغ إنه يجب عدم استقاء أو استخلاص القرارات على أساس ما قالته قناة «الجزيرة»، مضيفا أن القرارات السياسية الجدية لا بد ألا تكون من خلال تقارير دعائية، وإنما من خلال الانطلاق من الوثائق والعمل الجدي.

من جهة أخرى، وصف أوليغ اتصالات روسيا مؤخرا بالخليجيين واللقاءات الأخيرة لكل من رئيس مجلس الوزراء البحريني ووزير الخارجية الإماراتي بالمهمة، والتي تدل على وجود مجال للحوار المشترك، مع ضرورة تجاهل ما تثيره الصحف ووسائل الإعلام بحسبه، مؤكدا أن لكل من الخليج وروسيا مصالح مشتركة إلى جانب ما تبديه موسكو من حسن النيات لإيجاد الحل الصحيح رغم وجود تقييم متباين للوضع بسوريا، والذي لن يزول سوى عبر الحوار وبذل الجهود المشتركة بسوريا.