غداة دعوات لإحالته إلى لاهاي.. نظام الأسد يفتح جبهات عدة ويمطر حمص بقذيفتين في الدقيقة

ناشط لـ«الشرق الأوسط»: 100 ألف سوري محاصرون داخل المدينة.. والنظام رفض الهدنة

سوريون يتدربون على حمل السلاح قرب إدلب أمس (أ.ب)
TT

أعلنت السلطات السورية أمس رفضها التام لتصريحات المفوضة السامية لحقوق الإنسان نافي بيلاي مساء أول من أمس، والتي اتهمت خلالها النظام السوري بارتكاب المجازر خصوصا في مدينة حمص وقصفها عشوائيا. ولم يكتف النظام السوري بالرفض، بل شن حملة تعتبر الأشرس على حمص منذ أن بدأت قوات الأسد عملياتها العسكرية واستهدافها بالقصف المدفعي الذي انطلق قبل 10 أيام، وأسقط نحو 300 قتيل حتى أمس. وقال ناشطون إن القذائف كانت تنهمر بمعدل قذيفتين في الدقيقة الواحدة. كما فتح النظام جبهات أخرى لمواجهة معارضيه، حيث تجدد القتال في بلدة رنكوس قرب دمشق، كما فر عشرات العوائل من مدينة إدلب مع وصول قوات النظام إليها. وبينما كان من الصعب تحديد عدد الضحايا الذين سقطوا جراء القصف والعمليات العسكرية، وردت حصيلة أولية بسقوط 35 قتيلا أغلبهم في حمص وبعض منهم في إدلب.

واتهمت الخارجية السورية نافي بيلاي بـ«الانحياز»، ووصفتها بأنها «أداة في يد بعض الدول التي تستهدف سوريا»، حسب ما أوردته وكالة الأنباء السورية (سانا). وقال بيان رسمي إن وزارة الخارجية السورية وجهت رسالة إلى المفوضية السامية لحقوق الإنسان «ردا على الادعاءات التي أطلقتها المفوضة السامية لحقوق الإنسان نافي بيلاي بتاريخ 2012/2/8»، وتضمنت الرسالة «رفضا قاطعا» لكل ما ورد في بيان المفوضة السامية لحقوق الإنسان باعتباره «ادعاءات جديدة حول سوريا تضاف إلى تاريخ المفوضة في التعامل مع سوريا منذ بداية الأحداث فيها وتجاهل قتل المواطنين الأبرياء على يد المجموعات الإرهابية المسلحة».

ولليوم العاشر على التوالي لا تزال مدينة حمص وأحياؤها لا سيما حي بابا عمرو في مرمى القصف العشوائي الذي يشنه الجيش النظامي السوري، والذي ذهب ضحيته يوم أمس كحصيلة أولية بحسب الهيئة العامة للثورة السورية 35 قتيلا، معظمهم في حمص وإدلب، وقد عثر على جثث لـ9 مدنيين في إدلب.

وقد ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن حي بابا عمرو تعرض يوم أمس للقصف الأعنف منذ خمسة أيام، أي بمعدل قذيفتين في الدقيقة. وقد نشرت صفحة الثورة السورية في حمص، تنسيقية بابا عمرو، معلومات قالت إنها من داخل جهاز الاستخبارات، بأسماء قادة الحملة العسكرية الأعنف التي تشن على حي بابا عمرو والإنشاءات، لافتة إلى أنه يتولى قيادة هذه العملية الأمنية رئيس أركان الجيش السوري فهد الجاسم الفريج، ويتخذ من مبنى كلية الشؤون الفنية داخل الكلية الحربية في حمص مقرا لقيادة العمليات.

وأكد الناطق باسم الهيئة العامة للثورة السورية هادي العبد الله في تصريحات أن «القصف على حي بابا عمرو في حمص مستمر لليوم العاشر على التوالي، وقد تجدد فجر أمس»، مؤكدا أن «الحي في مرمى نيران الجيش بصواريخ وقذائف الهاون والمدفعية».

وأشار العبد الله إلى أنه «من المستحيل الوصول إلى تلك المنازل لإنقاذ من يمكن إنقاذه، نظرا لتمركز القناصة على الأسطح»، لافتا إلى أن القصف على المدينة ليس على وتيرة واحدة، بل بشكل متقطع، لكنه عنيف ويستمر لمدة نصف ساعة أو ساعة». وتحدث الناطق عن «كارثة إنسانية يعيشها حي بابا عمرو حيث يوجد 1100 جريح سقطوا خلال الأيام الـ10 الماضية، ولا يمكن تقديم أي مساعدة لهم بسبب عدم توافر المواد الطبية اللازمة، إضافة إلى وجود أمراض مزمنة لدى بعض السكان»، موضحا أن «الدخول والخروج إلى ومن حي باب عمرو ممنوع تماما».

وقال العبد الله «هناك نساء حوامل وأشخاص يعانون من أمراض قلبية ومن السكر وجرحى لا نتمكن من نقلهم». وشدد الناشط على ضرورة «نقل الجرحى قبل كل شيء»، مشيرا إلى أنه «لا يمكن تركهم يموتون بدم بارد». وروى هذا الناشط الميداني أن «قذيفة أصابت سيارة يقلها ثلاثة ناشطين مساء الاثنين كانوا ينقلون الخبز وحليبا للأطفال، مما أسفر عن مقتلهم». وأضاف «حذرناهم من خطورة الموقف إلا أنهم أصروا على المجيء قائلين إنهم إن لم يساعدوا بأنفسهم فلا أحد سيقدر على ذلك». وأضاف «إننا نقوم بدفن الموتى في الحدائق منذ أسبوع لأن المقابر مستهدفة»، معتبرا ذلك الاستهداف «انتقاما خالصا». كما لفت الناشط إلى أن «الملاجئ مزدحمة جدا».

وبثت مواقع لناشطين أشرطة مصورة لمنازل وسيارات وهي تحترق في حي بابا عمرو نتيجة القصف العشوائي الذي تقوم به القوات السورية، سمع خلالها أصوات إطلاق القذائف والانفجارات، كما شوهدت أعمدة الدخان الأسود وهي تتصاعد من الأبنية المحترقة.

وبدوره، قال الناشط السوري رامي جراح إن أكثر من 100 ألف سوري محاصرون داخل مدينة حمص السورية في ظروف معيشية بالغة السوء. وأوضح جراح أن الجيش السوري يحاصر حمص من أربع جهات، وأن عناصره أقامت 11 نقطة أمنية حول المدينة، مانعة دخول أي مساعدات إنسانية من أكل وشرب إليها، بالإضافة لمنعها دخول المساعدات الطبية، حيث يحتاج مئات الجرحى لإسعافات طبية عاجلة، وفقا لجراح.

ووصف جراح الوضع في المدينة بالكارثة الإنسانية، خاصة مع انقطاع إمدادات المياه والتيار الكهربائي، كذا خدمات الاتصالات عن المدينة التي قال إن الجيش السوري سوى معظم مبانيها بالأرض. وقال جراح «يفعلون بحمص ما فعلوه بدرعا.. يقطعون كل الخدمات ومن ثم يبدأون المذبحة بعيدا عن أعين العالم».

وكشف جراح عن أن الجيش السوري رفض طلبا للهدنة تقدم به الأهالي المحاصرون داخل حمص يقضي بوقف تبادل إطلاق النار والسماح للنساء والأطفال بالخروج من المدينة وإدخال مساعدات إنسانية للمحاصرين داخلها، لكنه أكد أن السلطات السورية رفضت طلب الهدنة جملة وتفصيلا.

وأفصح جراح عن أن الذخيرة المتوافرة لدى عناصر المقاومة السورية بحمص أصبحت غير كافية لمواصلة القتال، كما أن عددهم قليل للغاية وغير قادر على مواجهة الجيش السوري، كاشفا عن محاصرة عدد كبير من المقاتلين من دون ذخيرة في عدة أحياء بالمدينة.

وهذا القصف المستمر يبدو أنه بدأ ينتقل بحسب ما أفاد بعض الناشطين إلى منطقة إدلب، وتحديدا منطقة جبل الزاوية التي كانت أيضا يوم أمس في مرمى القصف بالقذائف التي استهدفت إحداها أحد المنازل وأصابت أفراد العائلة بجراح خطيرة، مع العلم بأنه كان قد سُجّل ومنذ أيام عدة انتشار للآليات العسكرية في محيط المدينة، الأمر الذي جعل أبناء المنطقة يتخوفون من قيام الجيش النظامي بمهاجمة المنطقة واستهدافها على غرار ما يحصل في حمص. وأفاد ناشطون بفرار عشرات العوائل خوفا من وقوع مجازر في المدينة. وفي هذا الإطار ذكر ناشطون أن بلدة «احسم» بجبل الزاوية في منطقة إدلب تتعرض منذ ستة أيام لحملة مداهمات واعتقالات.

في المقابل، فقد أعلنت تنسيقية السويداء في الثورة السورية أن «قوات الأمن السورية تقوم في اليومين الأخيرين بعمليات مداهمة واختطاف للناشطين والأحرار من الشوارع في محافظة السويداء، كما لوحظ تشديد أمني خانق في دليل واضح على تخوف النظام من التصعيد الناجح للحراك في المحافظة سواء على صعيد التظاهر أو على صعيد حملات التوعية بالمناشير وحملات نزع الصور والتماثيل».

إلى ذلك، أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان عن سقوط 11 قتيلا من الجيش النظامي السوري بينهم ضابط برتبة نقيب، وذلك إثر اشتباكات وكمين في محافظات حمص ودرعا وإدلب، وكانت اشتباكات ضارية قد دارت صباح أمس بين مجموعات منشقة والجيش النظامي السوري في المنطقة الواقعة بين بلدتي عربين وزملكا.

وفي محافظة درعا، أعلن المرصد السوري أن قوات عسكرية قد اقتحمت أمس بلدة الطيبة وسط إطلاق رصاص كثيف وسماع صوت انفجار في الحي الشمالي، وترافق ذلك مع حملة مداهمات واعتقالات في الحي الجنوبي. وقد تم الإعلان عن قيام عدد من عناصر الجيش المنشقين في منطقة اللجاة باعتقال ضابط برتبة ملازم أول، ووجهوا رسالة عبر شريط فيديو مسجل للسلطات السورية بالإفراج عنه مقابل الإفراج عن المعتقلين. وسمعت أصوات انفجارات من مزارع بلدة رنكوس، تبعها إطلاق رصاص كثيف، كما وقعت اشتباكات بين مجموعة منشقة والجيش النظامي قرب بلدة عربين أوقعت قتيلا وعددا من الجرحى من الجهتين.