مسجد البرلمان المصري ضاق بنوابه الجدد

استمرار الجدل حول أداء الصلاة أثناء الجلسات.. والرجال جاروا على مساحة النساء

مسجد البرلمان المصري (تصوير: عبد الله السويسي)
TT

استولى المصلون الرجال على المساحة المخصصة للمصليات النساء في مسجد مجلس الشعب (البرلمان) المصري، حيث أصبحت قضية أداء الصلاة أثناء جلسات البرلمان من أولويات النواب الإسلاميين. ويقع مسجد المجلس على مسافة قريبة من القاعة الرئيسية للبرلمان، وهو مسجد مربع الشكل ذو قبة مستديرة صغيرة ومئذنة متوسطة الارتفاع. ولا يتسع هذا المسجد، الذي يبلغ طوله نحو خمسة أمتار وعرضه نحو ثمانية أمتار، لأكثر من سبعة صفوف بمجموع لا يتجاوز 150 مصليا كحد أقصى.

ويبلغ عدد أعضاء مجلس الشعب 508 أعضاء، بينهم سبع سيدات كان مخصصا لهن جانب من مسجد المجلس لأداء الصلاة، إلا أنه بعد فوز التيار الإسلامي تم الاستيلاء على ركن السيدات لصالح المصلين الرجال. وأصبح موضوع أداء الصلاة في مواعيدها قضية لنواب البرلمان بعد أن فاز التيار الإسلامي بالأغلبية.. قضية، على بساطتها، تبدو - بسبب صخب بعض النواب - أكبر من قدرة البرلمان على الحل. وقام أحد النواب الإسلاميين برفع أذان العصر داخل قاعة مجلس الشعب أثناء انعقاد إحدى الجلسات قبل نحو أسبوع. ورغم الظروف الصعبة التي تمر بها مصر، يتجادل النواب الإسلاميون حتى الآن حول الطريقة التي ينبغي بها أداء الصلوات في مواقيتها، رغم تعارض ذلك أحيانا مع جدول أعمال المجلس.

في البرلمان السابق (2005 - 2010)، الذي كان يسيطر على الأغلبية فيه نواب الحزب الوطني الحاكم المنحل، مع تمثيل يبلغ نحو 20 في المائة من نواب جماعة الإخوان، كان عدد من نواب الحزب الوطني وعدد آخر من نواب الجماعة يخرجون من قاعة المجلس أثناء المناقشات، لأداء صلاة الظهر أو العصر في المسجد الصغير الملحق بمبنى البرلمان، والعودة للقاعة مجددا، ولم يحدث جدل يذكر حول هذه القضية، بل إن نواب «الإخوان» الذين ينظر إليهم البعض باعتبارهم أكثر تدينا من الآخرين، كانوا يلزمون مقاعدهم ويؤخرون أداء الصلاة إلى حين انتهاء التصويت على مشروع قانون أو قرار من قرارات البرلمان.

وأفرزت انتخابات البرلمان بعد سقوط نظام الرئيس السابق حسني مبارك، فوزا لنواب التيار الإسلامي، ما بين «إخوان» وسلفيين وآخرين، تبلغ نسبتهم نحو 74 في المائة من المقاعد. وبادر هؤلاء النواب بالجدل حول الموضوع، حين دعا نواب سلفيون لرفع جلسات مجلس الشعب في وقت صلاتي الظهر والعصر. ومن المعتاد أن يبدأ المجلس جلساته في الساعة الحادية عشرة صباحا، أي قبل صلاة الظهر. وبعد ساعتين أو ثلاث من المناقشات الساخنة يرفع المجلس جلساته لمدة نصف ساعة أو نحو ذلك، لتنعقد باقي جلساته المسائية قبيل صلاة العصر.

هذا التقليد أصبح يتعارض مع متطلبات بعض النواب السلفيين ممن يريدون رفع الجلسات في مواعيد الصلوات. ويقول النائب ممدوح إسماعيل، الذي رفع الأذان أثناء جلسة أخيرا «طلبت من رئيس البرلمان الدكتور سعد الكتاتني رفع الجلسات في وقت الصلاة، عدة مرات، لكنه لم يستجب، فقمت برفع الأذان في القاعة».

لكن الكتاتني يرى أن من يريد أن يؤذن أو يصلي فليذهب إلى المسجد القريب من قاعة الجلسات، حيث يعطي الفقه الإسلامي رخصة لجمع أكثر من صلاة أو قصر صلوات أخرى، في حال وجود ضرورات، كالسفر أو غيره، وهو ما فسره الشيخ سيد عسكر رئيس لجنة الشؤون الدينية في البرلمان، لكن إسماعيل يقول إن عسكر إخواني يفسر الأمور لصالح الأكثرية الإخوانية في البرلمان. ويرى إسماعيل أن قصر الصلاة ينطبق على النواب القادمين من المحافظات البعيدة، ولا ينطبق على نواب محافظة القاهرة. ويقول مسؤول في البرلمان إن عدد نواب العاصمة لا يزيد على سبعين نائبا، يمكنهم أن يخرجوا من الجلسة لأداء الصلاة في موعدها والعودة لاستكمالها. ويوضح هذه المسؤول أنه في السابق لم يكن يوجد إمام أو مؤذن خاص بالمسجد، وأن موظفين تابعين للجنة الشؤون الدينية بالبرلمان كانوا في السابق يتبادلون الأذان أو إمامة المصلين، لكن في الوقت الحالي تغير الوضع خاصة مع وجود نواب سلفيين متمرسين في الأمر.

وفي خضم «الثورة» والارتباك السياسي الذي مرت به مصر طيلة عام، لم يتم تجديد مسجد البرلمان مع بدء انعقاد جلسات الدورة النيابية الجديدة، لكن حالة المسجد الداخلية تبدو جيدة، خاصة السجاد الداخلي بلونه الزيتي الداكن الذي يغطي الأرضية الرخامية. وتحيط بصحن المسجد أعمدة بيضاء اللون. كما يحتوي على مكتبة زجاجية صغيرة بثلاثة أرفف تضم مصاحف وكتيبات لأدعية نبوية.

وعلى الجانب الأيسر من المسجد كانت توجد مساحة صغيرة للنساء المصليات مفصولة بستارة، إلا أن السيطرة الذكورية على مقاعد البرلمان ألقت بظلالها، وتمت إزاحة الستار، ليصبح كامل المسجد - وحديقته الخارجية الصغيرة - مخصصا لصلاة النواب الرجال. وقال مسؤول بالأمانة العامة للمجلس إنه لا يوجد أي مخطط حاليا لتوسيع مساحة المسجد أو بناء ملحق له، خاصة أن موقعه لا يسمح بذلك. لكنه أشار إلى أن الوضع الجديد للمجلس قد يطرح الأمر للنقاش، وهو ما علق عليه نائب سلفي بالقول «المسجد يسعنا والحمد لله.. وفي فقه الأولويات الموضوع ليس مطروحا للنقاش».