أبو النجا تستفز القاهرة وواشنطن عبر تحقيقات المنظمات الأهلية

«العسكري» طالب الوزيرة المصرية بانتهاج لهجة معتدلة.. لكنها شددت من حدتها

TT

هي الوزيرة المستمرة منذ عهد مبارك، وصديقة للسيدة الأولى السابقة، والقوة الدافعة وراء لائحة الاتهام الموجهة لـ16 أميركيا في التحقيق الجنائي الذي يهدد بتقويض التحالف المستمر منذ عقود بين مصر والولايات المتحدة.. إنها فايزة أبو النجا (61 عاما) التي تتحدى الآن حتى الحكام العسكريين في مصر.

ومع وجود 1.5 مليار دولار من المساعدات السنوية الأميركية في كفة الميزان، طلب قائد الجيش المصري (والذي يعد الرئيس التنفيذي للبلاد حاليا)، انتهاج لهجة معتدلة مع واشنطن.. لكن أبو النجا شددت لهجتها، وأصدرت عدة تحذيرات لواشنطن.. قائلة إن أميركا لو تركت الحذر فإنها قد تدفع مصر في اتجاه إيران.. «كل بلد لديه أوراق ضغط في المجال السياسي، ومصر ليست استثناء»، هكذا عبرت أبو النجا عن رأيها قبل أيام، وفقا لصحيفة «الأهرام» الحكومية.

وعندما طلبت السيدة أبو النجا، وزيرة التخطيط والتعاون الدولي في مصر، التحقيق في مصادر التمويل الأجنبي للمنظمات غير الربحية هنا، كان ينظر إليها على أنها تتصرف كوكيل للجنرالات الحاكمين (المجلس العسكري في مصر). وكان اثنان من الجنرالات على الأقل قد لمحا إلى أن التحقيق قد يكشف عن «أياد أجنبية» وراء العنف في الشوارع.. ولكن عندما تصاعدت أصداء القضية التي تثيرها أبو النجا، قال مسؤولون في القاهرة وواشنطن إن الوزيرة كانت تتصرف بشكل مستقل وتستغل فراغ السلطة الناشئ نتيجة تآكل قوة المجلس العسكري.

ولكن يبدو الآن أن الجنرالات الأقوياء يخشون من رد الفعل العكسي؛ إذا ما تدخلوا في حملتها التي تداعب مخزونا هائلا من المشاعر المعادية للأميركيين.

وقبل أيام دعا المشير محمد حسين طنطاوي، حاكم مصر العسكري، «بصورة علنية» لتعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة (وفقا لتقارير وكالة الأنباء)، فيما حث السيدة أبو النجا ومسؤولين آخرين بمجلس الوزراء «سرا» على تخفيف حدة لهجتهم.. لكن هذا الأسبوع شهد تصعيدا غير مسبوق من السيدة أبو النجا.

وذكرت وسائل الإعلام الرسمية يوم الثلاثاء الماضي أن أبو النجا قالت إنها أبلغت النيابة العامة في جلسة مغلقة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بأن الولايات المتحدة ضخت أموالا إلى المنظمات غير الهادفة للربح، الممولة من الحكومة الفيدرالية، والتي تعزز التنظيم السياسي (وهي المعهد الديمقراطي الوطني والمعهد الجمهوري الدولي ومؤسسة فريدوم هاوس) في مسعى لنشر الفوضى، وإحباط نمو مصر كدولة قوية وديمقراطية، وتحويل الثورة لمصالح الولايات المتحدة وإسرائيل. واتهمت المعهد الجمهوري بخدمة جدول الأعمال اليميني للحزب الجمهوري، فيما قالت إن فريدوم هاوس ليست سوى أداة تابعة لـ«اللوبي اليهودي».

وبفضل صوتها المسموع، اكتسبت القضية زخما. وبالإضافة إلى لوائح الاتهام، أصدر المحققون في القضية قرارا بحظر السفر لمحاصرة أكثر من نصف دستة من الأميركيين في مصر. وسعى ثلاثة، بينهم نجل وزير النقل، للبحث عن ملاذ آمن في السفارة الأميركية خوفا من الاعتقال.

وعلى الرغم من أن تصريحات السيدة أبو النجا قد أدت إلى تفاقم التوتر بين الولايات المتحدة ومصر هذا الأسبوع فقط، فإنه لم يتضح من الذي قد يتدخل.

ومع انتقال «موعود» للسلطة إلى رئيس مدني في غضون أربعة أشهر فقط، يبدو الجميع تقريبا في دوائر السلطة المصرية، بما في ذلك 19 عضوا من المجلس العسكري الحاكم، منشغلا بمصير حياته الشخصية بعد ترك الجنرالات للسلطة.. وهو أمر يقوله مسؤولون من الجانبين الأميركي والمصري.

البعض لديهم سبب للخوف من أنهم قد يواجهون المحاكمة بتهمة الفساد أو اتهامات تتعلق بسوء الإدارة، وهي اتهامات مشابهة لما يواجهه الرئيس السابق حسني مبارك والعديد من مساعديه بالفعل.. ولكن آخرين حريصون على الحفاظ على مناصبهم، أو بدعم مواقعهم في الحكومة المنتخبة الجديدة.

ورغم الطلبات المتكررة، رفضت السيدة أبو النجا مرارا التعليق على الأمر.

«مصر الآن عبارة عن جزر منفصلة»، هكذا قال محمد أنور السادات، ابن شقيق الرئيس السابق أنور السادات وعضو البرلمان المنتخب حديثا، والذي دعا مؤخرا السيدة أبو النجا للشهادة أمام لجنة برلمانية.. «وزارة الخارجية ووزارة العدل، والبرلمان، وجنرالات المجلس العسكري.. لكل جزيرته الخاصة».

وأوضح السادات أن الإجراءات ضد الجماعات الأميركية كانت «مفاجئة» بالنسبة للمجلس العسكري.. مشيرا إلى محادثات تمت مع كبار المسؤولين العسكريين، قائلا: «لم يكونوا على علم بذلك، وهم على قناعة بأن التوقيت كان خاطئا».. «لكنها (أبو النجا) تعلم تماما أن مسؤولية طنطاوي تقتصر على فترة وجود المجلس العسكري في السلطة.. وحين ينتهي زمنه، فإن زمنها قد انتهى».

وازدادت مؤخرا العلامات الدالة على تلاشي سلطة «العسكري» سريعا، حيث تمكن القضاة المدنيون للمرة الأولى من العمل على غير هوى المجلس العسكري.. وتتردد الشرطة في استخدام القوة أو حتى اتخاذ إجراء خوفا من الانتقام، وأسهمت عدم الثقة بالنفس (من جانب الشرطة) في وقت سابق من هذا الشهر في وفاة أكثر من 70 مشجعا لكرة القدم في حادث الشغب في بورسعيد، بحسب ما قالت لجنة برلمانية للتحقيق.

القانونيون، في المقابل، يتحركون لإقالة وزير الداخلية.. ولكن لا أحد يعرف بعد ما إذا كان البرلمان أو الجيش يمكن أن يمتلك السلطة لذلك. بينما تخلت جماعة الإخوان المسلمين، التي يهيمن حزبها على البرلمان، عن سياستها في تجنب المواجهة مع القوات المسلحة، بالدعوة إلى حل مجلس الوزراء المعين كله من قبل المجلس العسكري - بما في ذلك السيدة أبو النجا - لإفساح المجال لها لتشكيل حكومة ائتلافية.. لكن من غير الواضح ما إذا كان حتى تشكيل حكومة جديدة يمكن أن يستمر لأكثر من أربعة أشهر، أي لما بعد الانتخابات الموعودة لمنصب الرئيس.

«السلطة في حالة غير متماسكة للغاية في الوقت الحالي»، هكذا قال أحد الدبلوماسيين الأميركيين، طالبا عدم نشر اسمه.. «الضغوط الأميركية تخيفهم بصورة أقل من مطالبات الشارع بإعدام طنطاوي». وأضاف الدبلوماسي: «وهذا يعني أن المجتمع يتمزق».

بالفعل العديد هنا يقولون إن حملة السيدة أبو النجا ضد الأميركيين جعلت منها شخصية غير قابلة للمساس، بل ومرشحة محتملة في المرحلة المقبلة من تحول مصر.. وعلق السيد أنور السادات بتهكم قائلا: «إنها بطلة».

دور السيدة أبو النجا القيادي في حملة القمع يثير الدهشة، بحسب قول بعض الأصدقاء القدامى، كونها قضت سنوات كثيرة سعيدة في الغرب. فهي تتحدث باعتزاز عن حياتها في نيويورك، كواحدة من أقرب مساعدي بطرس بطرس غالي، الذي صار أمينا عاما للأمم المتحدة (آنذاك)، والذي أحضرها من الخدمة في الخارجية المصرية. وعملت لاحقا لسنوات في جنيف، كممثل لمصر لدى مكتب الأمم المتحدة هناك، ولدى مجلس حقوق الإنسان.

كانت تدرك أيضا حتى وقت قريب، في 2010 حيث تعهدت مصر لمجلس حقوق الإنسان بتحرير اللوائح الصارمة التي تدير المنظمات غير الربحية، والتي تستخدم الآن لمقاضاة الأميركيين، وهو التزام يقول مسؤولون أميركيون إنه أدى إلى اعتقادهم بأن النظام قد انتهى على نحو فعال بعد خلع مبارك.

وكان مبارك دائما ما يعتبر أن اعتماد مصر على المعونة الأميركية «إهانة»، كما كتب الدبلوماسيون الأميركيون في برقية كشف عنها «ويكيليكس».. وكانت السيدة أبو النجا رئيس المفاوضين له في سنوات من المعارك من أجل التمدد والسيطرة على أموال المساعدات الأميركية.

ولكونها متزوجة من دبلوماسي يعمل الآن سفيرا لمصر لدى اليابان، فإن السيدة أبو النجا كثيرا ما تقضي أوقاتا مع دائرة من الصديقات، اللواتي كن صديقات مشتركات مع سوزان زوجة الرئيس السابق، كما يقول عدد من المسؤولين السابقين.

وبعد الإطاحة بنظام مبارك، كانت السيدة أبو النجا من القليلين من أعضاء الحكومة الذين حافظوا على مناصبهم.. بل إن قوتها تنامت، بإضافة التخطيط الاقتصادي كذلك. دورها المزدوج يعني أن السيدة أبو النجا - التي تقف وراء حملة التمويل الأجنبي للمنظمات غير الربحية في مصر - هي أيضا المسؤولة عن مخاطبة الغرب من أجل الحصول على مليارات الدولارات من المساعدات المالية لتحقيق الاستقرار للاقتصاد المصري.. وهي أحيانا مع تفعل الشقين في ذات المؤتمر الصحافي.

ويقول السيد أنور السادات، عضو المجلس التشريعي، إن ذلك يذكره بالمثل الشعبي المصري القديم: «سلفني وأنا سيدك!!».

* خدمة «نيويورك تايمز»

* أسهمت في كتابة التقرير مي الشيخ