الشرطة البريطانية: شبهات خطيرة وجنح قانونية وراء اعتقالات العاملين في «الصن»

رئيس تحرير «صنداي تايمز» السابق يعتقد أن الصحافيين يشعرون بخيانة مردوخ لهم ولن يرحبوا به في لندن

TT

قالت مصادر في الشرطة البريطانية إن الاعتقالات التي تمت يوم السبت الماضي وطالت عددا من الصحافيين العاملين في «الصن» الشعبية، التي يملكها قطب الإعلام روبرت مردوخ وأثارت حفيظة كبار المحررين في الصحيفة، لم تكن تخص بعض المخالفات البسيطة مثل دفع بعض المصاريف لرجال الشرطة مقابل ما يقدمونه من معلومات وإنما تمت بسبب الشبهات في اقتراف جنحات قانونية خطيرة تدخل ضمن المخالفات الإجرامية.

وتجرى هذه التحريات عن المتهمين في قضايا فساد تحت اسم «أوبريشن الفيدين» بالتوازي مع التحقيقات الخاصة بعمليات التنصت والتي أطلق عليها «أوبريشن ويتينغ».

وقال مصدر مطلع من داخل جهاز تحقيقات الشرطة في تصريحات لوكالة «رويترز»: «إن ما حدث يوم السبت الماضي لم يكن مجرد اعتقالات (كما حدث من اعتقالات سابقة) تخص تزويد العاملين في الصحيفة من قبل رجال الشرطة ومسؤولين في دوائر حكومية أخرى ببعض المصادر أو دفع بعض المصاريف مقابل هذه المعلومات. إنها تخص التحقيق في شبهات باقتراف جنح قانونية خطيرة وتعتبر إجرامية من الناحية القانونية». وقال المصدر الذي طلب من الوكالة عدم الإفصاح عن هويته إن القضية تتمحور حول «دفع مبالغ مالية تصل إلى عشرات الآلاف من الجنيهات الإسترلينية في السنة لعدد من السنين لمسؤولين حكوميين، بعضهم عملوا كموظفين يتلقون الأجور على خدماتهم، وهذه قدرت بمئات الآلاف من الجنيهات الإسترلينية».

وانتقد عدد من الصحافيين العاملين في الصحيفة وكذلك ممن عملوا فيها سابقا في تصريحات لوسائل الإعلام الطريقة «غير الإنسانية والقاسية» التي تمت بها الاعتقالات في الصباح الباكر، والتي «أرعبت» أطفال هؤلاء الذين كانوا لا يزالون في فراشهم. ومن هنا جاءت تصريحات الشرطة لوكالة «رويترز» لتبين خطورة الموضوع.

وبعد الاعتقالات صرح دومينيك موهان رئيس تحرير الصحيفة الأكثر انتشارا: «أنا مصدوم للغاية مثل أي شخص للاعتقالات التي جرت اليوم لكنني مصمم على قيادة الـ(صن) عبر هذه الظروف الصعبة. عندي طاقم رائع من العاملين ولدينا مهمة تتمثل في خدمة قرائنا وسنواصل القيام بها. تركيزنا الآن على إصدار عدد الاثنين من الصحيفة».

وفي اليوم الثاني شن رئيس التحرير المساعد للصحيفة هجوما ضد الشرطة والتحقيقات الجارية على خلفية الاعتقالات الأخيرة بحق مجموعة الصحافيين إضافة إلى شرطي وعسكري وموظف في وزارة الدفاع البريطانية وذلك في إطار التحقيق حول رشاوى دفعت إلى الشرطة ومسؤولين في الإدارة على هامش فضيحة التنصت على المكالمات الهاتفية.

ووصف تريفر كفانا في مقال في الصحيفة ما قامت به الشرطة من اعتقالات بأنه «حملة تصيد» ضد العاملين في الصحيفة، وهو ما يهدد «الأسس التي بني عليها مفهوم حرية الصحافة».

وقال الصحافي المخضرم كفانا: «وبدلا من استدعاء الصحافيين للمساءلة من قبل الشرطة فقد تمت مداهمة بيوتهم في الصباح الباكر وجرهم من فراشهم. وتم تفتيش بيوتهم خلال وجودهم في محطات الشرطة». وأضاف كفانا في عموده اليومي: «هذا التصيد جعل وضعنا أسوأ مما كان عليه الاتحاد السوفياتي بخصوص حرية الصحافة».

وقامت الشرطة التي تحقق في «مدفوعات غير مشروعة لرجال شرطة وموظفين في الإدارة» من قبل صحافيين مقابل الحصول على معلومات، بتفتيش منازل المعتقلين ومكاتبهم استنادا إلى معلومات قدمتها مجموعة «نيوز كوربوريشن».

ومن هنا يرى بعض المعلقين أن هجوم رئيس التحرير التنفيذي للصحيفة لم يكن موجها فقط ضد الشرطة والمؤسسة السياسية وإنما ضد بعض التنفيذيين الكبار العاملين في الصحيفة وربما ضد مردوخ نفسه، الذي من المتوقع أن يصل إلى بريطانيا هذا الأسبوع. وهناك تكهنات بأن السبب وراء قدومه هو التداعيات الأخيرة والتي قد تطول الشركة الأم «نيوز كوربوريشن» في الولايات المتحدة والمدرجة على بورصة نيويورك والتي قد تواجه تحقيقات مشابهة هناك من قبل وزارة العدل أو جهاز التحقيق الفيدرالي. الشرطة الأميركية قد تفتح تحقيقا في قضية الرشوة كون الصحيفة تملكها «نيوز كوربوريشن» من خلال ذراعها البريطانية «نيوز إنترناشيونال» التي تملك أيضا «ذي تايمز» و«صنداي تايمز». إلا أن «نيوز كوربوريشن» نفت أول من أمس أن قدوم مردوخ كان بسبب الاعتقالات الأخيرة، وأن رحلته إلى لندن كانت قد قررت سابقا.

وجاءت اعتقالات السبت نتيجة معلومات من لجنة الإدارة والمعايير التابعة لـ«نيوزكورب» وهي مجموعة لتقصي الحقائق أنشأتها الشركة في محاولة لإنقاذ سمعتها المتضررة. وقد يؤدي عمل اللجنة إلى الكشف عن المزيد من معلومات عن صحافيين قدموا رشى للشرطة. وكانت قد ذكرت تقارير أن مردوخ قد يتخلص من صحيفة «الصن» مثلما عمل مع صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد» التي أغلقت أبوابها وتوقفت عن الصدور بعد 168 سنة من النشر على خلفية فضيحة التنصت المتهم بها بعض العاملين.

كما أثرت فضيحة التنصت سلبا على إمبراطورية مردوخ الإعلامية، وإضافة إلى إغلاق «نيوز أوف ذي وورلد»، فقد خسر مردوخ صفقة تلفزيون «بي سكاي بي». وكان يحاول الاستحواذ على باقي أسهم الشركة. وكان يملك 61 في المائة من أسهمها وأراد شراء 31 في المائة، لكن اندلاع الفضيحة أجبره على التخلي عن الصفقة.

واستنادا إلى الشرطة فإن «نيوز أوف ذي وورلد» تنصتت على مكالمات آلاف من الناس في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين بينهم شخصيات بارزة وأفراد في العائلة المالكة أو أشخاص في قلب الحدث. كما أن اللجنة التي شكلتها الحكومة للنظر بأخلاقيات الصحافة ما زالت تقوم باستجواب من له علاقة بالموضوع من صحافيين وسياسيين ورجال شرطة وضحايا التنصت أنفسهم وقد تزيد من متاعب إمبراطورية مردوخ والمؤسسة السياسية البريطانية التي انتقدت على تواطؤها من صحافة التابلويد لأسباب انتهازية انتخابية.

وأوضحت المجموعة في بيان أن «نيوز كوربوريشن» عازمة على الحيلولة دون تكرار الممارسات غير المقبولة التي جرت في السابق من قبل بعض الأفراد للحصول على معلومات. ومن هنا يتساءل بعض المراقبين عما سيقوله روبرت مردوخ مع العاملين في الصحيفة حين يجتمع بهم خلال وجوده في لندن، وهل سيتخذ قرارا ببيع الصحيفة أو إغلاقها كما حصل مع «نيوز أوف ذي وورلد». إلا أن الاعتقالات الأخيرة لم تثر الاحتجاجات من قبل القراء، وكذلك لم تثن المعلنين كما حدث سابقا مع صحيفة «نيوز اوف ذي وورلد». كما أنه ليس من السهل إغلاق أو التخلص عن طريق البيع لصحيفة تعتبر الأكثر انتشارا في بريطانيا. كما أن هناك اعتقادا بأن اللجنة الداخلية التي شكلها روبرت مردوخ للتعاون مع الشرطة أصبحت تستخدم «للتصيد» ضد العاملين في الصحيفة، ومن هنا فإن الصحيفة أصبحت مثقلة بالمشاكل ولهذا فإنه من الصعب التخلص منها أو بيعها حتى يتم البت في جميع الأمور والتحقيقات الجارية، وأن البنوك تعتقد أنه لن تقدم أي شركة على شراء أي من صحف مردوخ طالما التحقيقات ما زالت مستمرة.

وقال الصحافي المخضرم اندرو نيل الذي عمل رئيس تحرير «صنداي تايمز» لمدة 11 عاما: «لقد خلق مردوخ شيئا لا يمكنه السيطرة عليه. الـ(صن) كانت أقرب الصحف إلى قلب مردوخ وأكثرها ولاء له، والآن يعتقد العاملون أن مردوخ هو السبب وراء التصيد وذلك من أجل أن يحمي نفسه.. لن يرحب به العاملون عندما يجتمع بهم في لندن، ولن يصدقوا أيا من وعوده، إنهم يشعرون بالخيانة»، قال نيل.

وكانت قد أعلنت مجموعة «نيوز كورب» مؤخرا زيادة أرباحها في الربع الثاني من العام المالي الحالي بنسبة 65 في المائة عن الفترة نفسها من العام السابق بفضل الأداء القوي لقنواتها التلفزيونية وأفلامها السينمائية. واضافت ان إيراداتها خلال الربع الثاني من العام المالي الحالي زادت بنسبة 2 في المائة إلى 98.‏8 مليار دولار. وقال مردوخ: «النمو القوي للأرباح في الربع الثاني وبخاصة في قطاعات البرامج التلفزيونية وإنتاج الأفلام يؤكد بوضوح نجاح الاستراتيجية الراهنة لإنتاج وتوزيع محتوى عالي المستوى وشديد التنوع».