ساركوزي يدخل رسميا السباق الرئاسي.. لكن من موقع ضعيف

يريد طرح برنامج يركز على «القيم» لتفادي محاسبته

TT

أخيرا، أعلن الرئيس الفرنسي المنتهية ولايته نيكولا ساركوزي، ترشحه لولاية ثانية، الليلة الماضية، مطلقا بذلك البداية الفعلية لحملة رئاسية ينتظر أن تكون حامية الوطيس بسبب الانقسام العمودي بين اليمين واليسار، ورغبة ساركوزي في اللحاق بخصمه الاشتراكي فرنسوا هولاند الذي يحلق في استطلاعات الرأي. وأفاد آخر استطلاع للرأي أن ساركوزي سيهزم إذا ما جرت الانتخابات غدا؛ إذ يمكن أن يحصل على 24 في المائة في الدورة الأولى (مقابل 28 في المائة لهولاند) وعلى 43 في المائة في الدورة الثانية (مقابل 57 في المائة للمرشح الاشتراكي). وجديد الحملة الرئاسية الحالية أنها المرة الأولى التي يتنافس فيها الرئيس المنتهية ولايته من موقع ضعيف؛ فالرؤساء الأربعة الذين خاضوا الانتخابات لتجديد ولايتهم (ديغول وجيسكار ديستان وميتران وشيراك) كانوا متفوقين على خصومهم ونجحوا في الفوز بالانتخابات باستثناء فاليري جيسكار ديستان الذي هزم عام 1981 مقابل الاشتراكي فرنسوا ميتران.

ومشكلة ساركوزي أن كل استطلاعات الرأي التي أجريت منذ ستة أشهر، خصوصا منذ أن أصبح هولاند المرشح الرسمي للحزب الاشتراكي، تفيد بأنه سيمنى بهزيمة قاسية، وهو ما يثير مخاوف كبيرة في القصر الرئاسي وفي أوساط حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية (اليميني الحاكم). ويعول ساركوزي، ومعه اليمين، على إعلان الترشح رسميا لإيجاد دينامية جديدة من شأنها تقليص الفارق بين ساركوزي ومنافسه في الدورة الأولى التي ستجرى في 22 أبريل (نيسان) المقبل وتمكنه من التفوق عليه في الدورة الثانية التي ستجرى بعد أسبوعين من الأولى. كما يراهن اليمين على قدرات الرئيس الشخصية وعلى ديناميته وعلى البرنامج الانتخابي الذي سيطرحه على مواطنيه، الذي يبدو أنه يجنح إلى اليمين؛ بل إلى اليمين المتطرف، كما تبين ذلك من المقابلة المطولة التي نشرتها له مجلة «فيغارو ماغازين» اليمينية التي يمتلكها صديقه سيرج داسو، المساهم الأكبر في شركة «داسو» للصناعات الجوية التي تنتج طائرات «رافال» الحربية.

ومشكلة ساركوزي مزدوجة، وتتمثل من جهة في تموضعه السياسي، ومن جهة أخرى، في حصيلة ولايته الخمسية خصوصا على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، فضلا عن العامل النفسي الذي يلعب ضده في أوساط مواطنيه. ويريد مستشارو الرئيس أن يتيقنوا من أنه تغلب على الخطر الداهم الذي يتمثل في مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبين التي برزت في بعض المراحل وكأنها قادرة على أن تتقدم على ساركوزي في الدورة الأولى على غرار ما فعله والدها جان ماري لوبين في عام 2002 عندما أخرج من السباق المرشح الاشتراكي ليونيل جوسبان. والحال أن استطلاعات الرأي الأخيرة تفيد بأن ساركوزي نجح في الاقتراب من هولاند والابتعاد عن لوبين التي حازت في الاستطلاع الأخير 20 في المائة من الأصوات. وثمة حلم يدغدغ مخيلة اليمين الكلاسيكي؛ وهو أن لا تنجح لوبين في جمع التواقيع الـ500 من رؤساء البلديات والمنتخبين المحليين، الضرورية لترشحها للرئاسة. وفي هذه الحال، فإن ساركوزي سيكون المستفيد الأول من خروجها من السباق.

وفي أي حال، فإن تحول الخطاب الرئاسي وانتهاجه خطا يمينيا محافظا وتشدده في شؤون الهجرة والإسلام والبطالة وزواج المثليين والتشديد على القيم التقليدية مثل العائلة والعمل، مقصود منه إغراء الشريحة التقليدية والمحافظة في فرنسا وسحب البساط من تحت أقدام مارين لوبين على غرار ما فعله عام 2007. ومنذ ما يزيد على العام، كلف ساركوزي وزير داخليته كلود غيان، في «تجسيد» لهذا الخط المتشدد. وآخر ما استنبطه غيان حديثه عن الحضارات التي «لا تتوازى» في ما بينها من حيث دفاعها عن القيم والحياة والحرية والديمقراطية والمساواة بين الرجل والمرأة. ورغم أن غيان لم يذكر الإسلام صراحة، فإن الجميع فهم من هي الحضارة المقصودة حين أشار إلى النقاب والصلاة في الشوارع.

لكن استنساخ الخطاب المتطرف ليس مضمون العواقب بالنسبة للرئيس ساركوزي، لأن ذلك سيبعد عنه ناخبي الوسط الذين يجمعهم المرشح فرنسوا بايرو. ويحظى الأخير بنسبة 13 في المائة من أصوات الناخبين الذين سيذهبون في غالبيتهم إلى المرشح الاشتراكي في حال استمر الخطاب الرئاسي في مغالاته يمينا. ويريد ساركوزي التركيز في برنامجه على «القيم» لتفادي محاسبته على نتائج إدارته لفرنسا بشكل مطلق طيلة خمس سنوات. والحال أن هذه النتائج كارثية.. ففرنسا خسرت تصنيفها الائتماني المتميز، بينما حافظت عليه ألمانيا. والبطالة في فرنسا ضربت أرقاما قياسية لم تعرفها منذ 12 عاما، بينما المديونية زادت أضعافا، والتجارة الخارجية إلى تراجع. كذلك، فإن وعود ساركوزي الانتخابية السابقة مثل توفير فرص العمل وزيادة الدخل الفردي تبخرت، والأزمات الاجتماعية تفاقمت. وكل ذلك، لا يدفع إلى الوجهة التي يريدها ساركوزي، خصوصا أنه لن يستطيع تحميل خصومه الاشتراكيين مسؤولية الحالة الاقتصادية. كذلك، فإن الوعود التي سيطلقها ساركوزي ستجعل خصومه يتساءلون عن الأسباب التي منعته من تحقيقها خلال خمس سنوات من رئاسته أو خلال السنوات العشر من حكم اليمين غير المنازع. ولذا، فإن ما قاله وزير الخارجية ألان جوبيه صباح أمس من أن دخول ساركوزي الميدان «سيمكن من المقارنة بين مشروعه لفرنسا ومشروع منافسه الاشتراكي»، لن يكون حجة مقبولة لدى الكثير من الفرنسيين.

وهكذا، فإن فرنسا دخلت كليا في الحملة الرئاسية التي هي الاستحقاق السياسي الأول في ظل الجمهورية الخامسة. وبعد الانتخابات الرئاسية، ستأتي مباشرة الانتخابات التشريعية. ومن المتعارف عليه أن الفائز في الانتخابات الرئاسية يستطيع التعويل، آليا، على أكثرية نيابية توفر له الغطاء التشريعي اللازم الذي يمكنه من حكم البلاد. ولذا، فإن ما سيحدث في الشهرين المقبلين سيرسم صورة فرنسا للسنوات الخمس المقبلة.. وربما لما بعدها.