لافروف يحذر من حرب أهلية في سوريا.. وفرنسا تتحدث عن «حل وسط» مع روسيا

باريس تتوقع انهيار النظام السوري ولكن ليس على المدى القصير

الطفل السوري حسن سعد الذي فرت عائلته من إدلب إلى مخيم على الحدود التركية بعد مقتل ابيه على ايدي قوات سورية يرفع شارة النصر أمس (رويترز)
TT

أعلنت فرنسا أمس عن إمكانية التوصل إلى حل وسط في مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة مع روسيا لإنهاء العنف في سوريا في المستقبل القريب، وأضافت مصادر رسمية أن باريس مستعدة للعمل على إعداد مشروع قرار جديد لتقديم المساعدات الإنسانية للسوريين.

وبعد اجتماع مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، قال وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه إن باريس لن تقبل استمرار الوضع السياسي الراهن على المدى الطويل. وقال جوبيه للصحافيين في فيينا بعد مؤتمر خاص بأفغانستان «من الممكن أن نصل إلى تسوية بشأن هدف على المدى القصير وهو إنهاء المذابح»، حسب «رويترز». وقال «علينا أن نفعل كل ما يمكن من أجل إنهاء العنف ومن أجل إعطاء الكثير من المساعدات الإنسانية إلى الشعب السوري». وأضاف «نحن مستعدون للعمل في نيويورك على مشروع قرار مستوحى من جهود الجامعة العربية لوقف العنف وتقديم المساعدات الإنسانية».

ومن جانبه، حذر سيرغي لافروف من مغبة احتمالات نشوب حرب أهلية في سوريا في حال إصرار بعض أعضاء المجتمع الدولي على المطالبة بتغيير النظام في سوريا كشرط مسبق للمفاوضات. وقال لافروف في ختام المباحثات مع نظيره النمساوي بضرورة التخلي عن كل الشروط المسبقة من أجل التوصل إلى وقف إراقة الدماء، وإقناع كل الأطراف المتحاربة في سوريا بوقف العنف والجلوس إلى مائدة المفاوضات بما يمكن معه التوصل إلى الاتفاق المنشود حول مختلف القضايا المتنازع حولها. وأشار الوزير الروسي إلى أن المعارضة ترفض ذلك، وهو ما يجعلها في وضع المسؤولية تجاه استمرار سقوط الضحايا بين الأبرياء والمدنيين. وأكد لافروف موقف بلاده المؤيد دوما لتبادل الرأي مع كل الأطراف المعنية في الأمم المتحدة حول سبل معالجة القضية السورية. وأعاد إلى الأذهان ما سبق أن فسر به موقف موسكو حين استخدمت حق الفيتو لإحباط إقرار مشروع القرار العربي – الغربي، مشيرا إلى أن ذلك «كان اعتراضا على مطالبة النظام السوري بالاستسلام وتسليم السلطة إلى المجموعات المسلحة». وقال إن نشر القوات الأممية الدولية في سوريا أمر يتطلب موافقة البلد المضيف، وكذلك موافقة كل أطراف النزاع.

ومن المقرر أن يلتقي لافروف مع عدد من نظرائه الغربيين في فيينا لمناقشة الموضوع السوري على هامش مؤتمر «ميثاق باريس» الذي بدأ أعماله في العاصمة النمساوية أمس. وكان وزير الخارجية الروسي أعلن في ختام مباحثاته مع نظيره الهولندي أوري روزنتال أول من أمس أن روسيا قد تؤيد في الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا بشأن سوريا، لكن بشروط معينة. وقال «إنه إذا كان الحديث يدور عن وقف إطلاق النار، فإن كل شيء ممكن»، مشيرا إلى أنه ناقش هذا الموضوع مع نظيره الهولندي من بين أمور أخرى. غير أن وكالة أنباء «إنترفاكس» عادت ونقلت أمس عن «مصادر روسية مطلعة» قولها إن «الجانب الروسي لا يمكنه الموافقة على مشروع القرار العربي المطروح حول سوريا في مجلس الأمن.

ونقلت مصادر فرنسية واسعة الاطلاع بعض تفاصيل ما حصل خلال اجتماع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بالرئيس بشار الأسد قبل أيام في دمشق التي زارها مباشرة بعد التصويت على مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي أجهضته موسكو باللجوء إلى الفيتو (مع الصين).

وقالت هذه المصادر، إن الأسد كان متشددا في جانب ومرنا في جانب آخر. وجاء تشدده عندما قال للوزير الروسي، إنه «لن يغير سياسته» الهادفة إلى سحق المعارضة باعتبارها «واجبا وطنيا وقوميا»، داعيا روسيا إلى «عدم التدخل في الشؤون الأمنية والسيادية» لسوريا. أما المرونة، فقد أبداها لجهة قبوله «تسريع الإصلاحات» وهي «النصيحة» التي نقلها إليه لافروف. وبحسب هذه المصادر، فإن إعلان الأسد عن إجراء استفتاء على الدستور الجديد في 26 من الشهر الحالي مرده لـ«نصيحة» روسية تهدف إلى تخفيف الضغط الدولي على دمشق وموسكو معا وإعطاء الجانب الروسي «حججا» يتخفى وراءها في دفاعه عن النظام السوري.

وتبدو باريس متشائمة إزاء المسار الذي تسلكه الأحداث في سوريا رغم تصريحات وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه عقب لقائه نظيره الروسي سيرغي لافروف أمس في فيينا حول إمكانية التوصل إلى «تفاهم» مع موسكو حول مسألتين: وقف القمع والمجازر من جهة، وإيصال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المنكوبة من جهة أخرى.

وفي لقاءين منفصلين، أعربت مصادر فرنسية على صلة وثيقة بالملف السوري عن «تشكيكها» بانهيار النظام السوري على المدى القريب وبقدرات الجيش السوري الحر على مواجهة أجهزة النظام الأمنية وقواه العسكرية المختلفة في حالته الراهنة، كما عبرت عن «بعض الخيبة» من عجز المعارضة السورية عن توحيد صفوفها وضم ممثلين عن كل مكونات المجتمع السوري، وخصوصا الأقليات المسيحية والعلوية والكردية.

وبخصوص النقطة الأخيرة، أعربت هذه المصادر عن «أملها» في أن تصل المعارضة السورية إلى تونس في أول اجتماع لـ«مجموعة أصدقاء الشعب السوري» وهي «تحمل برنامجا سياسيا لسوريا الغد». ورغم هذه التحفظات، فإن باريس تعتقد أن ثمة بلدانا عربية ستقدم على خطوات إضافية لصالح المجلس الوطني السوري في إشارة إلى اعتراف محتمل من دخول مجلس التعاون الخليجي. غير أنها استبعدت «اعترافا جماعيا» من الجامعة العربية بسبب الانقسامات الظاهرة والخفية التي تعاني منها الجامعة إزاء هذا الملف.

وحول مصير النظام ورغم التصريحات الرسمية التي تؤكد أنه زائل، فإن باريس ترى أنه «لن ينهار في المدى القريب» باعتبار أنه ما زال «يمتلك عناصر القوة» لجهة ولاء الأجهزة الأمنية والقوات الخاصة والحرس الجمهوري والوحدات النظامية وغياب «حركات الانشقاق الكبرى» التي من شأنها هد بنية الجيش والنظام والآلة القمعية على السواء. وتقدر هذه المصادر نسبة الانشقاقات عن الجيش ما بين 5 و10 في المائة بحسب المناطق. لكنها تلاحظ ندرة الكوادر العسكرية العليا بين المنشقين. وفي رأيها، فإن الجيش السوري الحر «ليس اختراعا» أو »توهما»، ولكنه «ليس جيشا بالمعنى المتداول للكلمة، إذ إنه أقرب إلى فرانشايز»، يضم تحت أجنحته منشقين ومدنيين، بينما التنسيق غائب عن مكوناته ومناطقه الجغرافية. وترى هذه المصادر أن الهدف الأول للسلطة التي «اختارت العمل العسكري من غير تحفظ»، يكمن في عادة السيطرة على المناطق التي خرجت عن سيطرتها هنا وهناك في محيط دمشق ودرعا وحمص وحماه وإدلب وجبل الزيتون وغيرها وأنها آخذة في تحقيق هدفها.

غير أن هذا التشخيص لا يعني في نظر المصادر الفرنسية أن النظام سيفرض هيبته من جديد وسيعود إلى الإمساك بالبلاد، إذ إنها تعتبر أن سوريا «يمكن أن تتجه إلى حرب داخلية طويلة الأمد» وربما سقطت في الحرب الأهلية بسبب تراجع المظاهرات السلمية لصالح المعارضة المسلحة ردا على وحشية القمع وسعي السلطة إلى استغلال العوامل الطائفية والمذهبية لتأجيج الصراع. وتتوقع باريس استقواء التيارات المتطرفة وربما الأصولية بسبب عنف القمع وغياب الأفق السياسي.

وتراهن باريس إلى جانب العمل الدبلوماسي الهادف إلى عزل النظام بشكل تام والضغط على مسانديه في الخارج على العقوبات الاقتصادية. وقالت المصادر الفرنسية إن النظام «يمكن أن يصل إلى مرحلة يكون عاجزا فيها على المدى المتوسط عن تمويل الحرب والقمع»، رغم المساعدات التي تصله من الخارج ومن إيران تحديدا. وتبدو صعوبات سوريا في عجزها عن تسويق النفط والغاز بعد العقوبات الأوروبية والأميركية مما يكبدها خسائر كبيرة. وكانت دمشق تحصل على 500 إلى مليار دولار في الشهر من النفط والغاز. أما الآن فإن إنتاجها تراجع والكميات التي تنتجها لا تصرف كليا.

وترى باريس أن الموقف الروسي يمكن أن «يتطور» بعض الشيء، لكن لا أمل في تغيير حقيقي قبل الرابع من مارس (آذار)، أي موعد الانتخابات الرئاسية الروسية التي سيعود رئيس الوزراء فلاديمير بوتين بفضلها إلى الكرملين.

إلى ذلك، دعا السيناتور ليندسي غراهام (وهو جمهوري - ولاية ساوث كارولينا) الرئيس الأميركي باراك أوباما لمساعدة المعارضة علنا، وربط بين نظامي إيران وسوريا، وقال إن التحالف بينهما يجب أن يكسر. وجاءت هذه الدعوة وسط أخبار بأن الاستخبارات الأميركية فعلا ترسل أسلحة ومساعدات تكنولوجية واستخباراتية إلى المعارضة داخل سوريا عن طريق لبنان والعراق والأردن وتركيا، وأن جنودا أميركيين وجنودا تابعين لحلف الناتو يدربون معارضين سوريين مسلحين في تركيا، قرب الحدود مع سوريا.

وقال غراهام لقناة «سي إن إن»: «من مصلحة الأمن الوطني الأميركي تكسير التحالف السوري الإيراني، ووضع بديل محل الأسد. صار واضحا أن البلدين تشكلان تهديدا خطيرا، ليس فقط لنا، ولكن أيضا لبقية العالم». وأضاف «مصالحنا الاستراتيجية في سوريا أكبر بكثير مما كانت عليه في ليبيا، وذلك لأن نظام الأسد هو أكبر حليف لعدوتنا إيران التي تهدد العالم أكثر حتى من نظام الأسد. من دون شك، مصلحتنا الأمنية الوطنية تستوجب التخلص من الرئيس السوري، وتكسير هذا التحالف السوري الإيراني».

وعن تحالف روسيا والصين في مجلس الأمن لمنع إجازة قرار حول سوريا، قال غراهام «ينبغي أن نضغط على الروس والصينيين لإجازة قرار هذا الأسبوع. ينبغي إقناعهم بأنهم يقفون في الجانب الخطأ من التاريخ».

وعن اتهامات روسية بأن وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) بدأت فعلا في إرسال أسلحة خفيفة وتكنولوجيا ومعلومات استخباراتية إلى المعارضة، قال غراهام «لا بد من مساعدة هؤلاء الناس مساعدات إنسانية، وربما توفير الأسلحة لهم. نحن في حاجة إلى مسار مزدوج». وأضاف «الروس يقدمون أسلحة إلى نظام الأسد. فلماذا لا نسلح نحن المعارضة؟».

وقال إن الحديث عن تسليح المعارضة كان في الماضي غير وارد، لأن كل المحاولات كانت تركز على الجانب السلمي، خاصة لأن المعارضة بدأت في صورة مظاهرات سلمية. وأضاف «الآن، أعتقد أن فكرة تسليح هذه الجماعات شيء يجب وضع اعتبار له». لكنه طلب من المعارضة السورية تحديد خطتها لما بعد الأسد. وسأل المعارضة السورية «هل ستؤسسون حكومة شمولية؟ هل ستعزلون الأقلية العلوية، مما لا يساعدنا نحن؟».

وفي إجابة عن سؤال عن سبب وقوف روسيا مع الأسد، قال غراهام إن السبب داخلي بحت، وله صلة بحملة رئيس الوزراء بوتين ليصبح رئيسا للجمهورية مرة أخرى، وإن بوتين يريد أن يبرهن للشعب الروسي أنه يقدر على تحدي الغرب، خاصة أميركا. وقال غراهام «أعتقد أن روسيا على الجانب الخطأ من التاريخ. والأمر الغريب هو أن روسيا تتخذ موقفا لأسباب داخلية شخصية. بوتين لا يتمتع بمكانة كبيرة وسط شعبه. لهذا، يريد أن يظهر في صورة الزعيم البلطجي الذي يقهر الأعداء. وهو زعيم بلطجي. لهذا، يجب أن نكون صريحين معه، ونضغط عليه بوضوح».

وقالت مصادر إخبارية أميركية إن السيناتور غراهام صار ثالث عضو مهم في مجلس الشيوخ يدعو علنا لتسليح المعارضة. وكان السيناتور جوزيف ليبرمان (مستقل من ولاية كونيتيكت)، والسيناتور جون ماكين (جمهوري من ولاية أريزونا) دعوا إلى ذلك في خطاب مشترك في الأسبوع الماضي إلى الرئيس باراك أوباما. وكان ماكين قال «ينبغي أن نبدأ في النظر في جميع الخيارات، بما في ذلك تسليح المعارضة. لا بد من وقف سفك الدماء»؟

وأيضا، دعا إلى تسليح المعارضة السورية عدد كبير من الخبراء والمسؤولين السابقين، ومنهم إليوت إبراهامز، مستشار الرئيس السابق بوش الابن للشرق الأوسط، الذي قال إن المعارضة تحتاج إلى دعم «ملموس» لوضع نهاية للصراع مع نظام الأسد. وأضاف «سوف أعطيهم مالا، وسوف أعطيهم أسلحة».

وقالت سيبيل إدموندز، وهي محققة سابقة في مكتب التحقيق الفيدرالي (إف بي آي) إن هناك تقارير تفيد بان عسكريين أميركيين وتابعين لحلف الناتو، ، يدربون معارضين سوريين مسلحين في تركيا، بالقرب مع الحدود السورية.