كريم غلاب: المغاربة لديهم انطباعات سلبية بشأن غياب النواب.. والحضور لوحده لا يكفي

رئيس مجلس النواب المغربي الجديد في حوار مع «الشرق الأوسط»: تغير الدستور وتغيرت الحكومة.. ويجب على حزب الاستقلال أن يتغير بشكل عميق

TT

قال المهندس كريم غلاب، رئيس مجلس النواب المغربي الجديد (الغرفة الأولى في البرلمان)، ووزير النقل والتجهيز في حكومتي إدريس جطو وعباس الفاسي، إنه يرى في انتخابه على رأس مجلس النواب رسالة تروم بعث حيوية جديدة في المشهد السياسي في البلاد، مشيرا إلى أنها بقدر كونها موجهة إلى الشباب المغربي والعربي، فإنها أيضا رسالة تروم تفعيل مجلس النواب، وبلورة أجندة تتضمن عددا من الإجراءات التي تجعله يقوم بالدور المنوط به أحسن قيام. لكن غلاب شدد في حوار مع «الشرق الأوسط» جرى في مكتبه في الرباط، على القول إن التصور القائم على وجود شاب مهندس عملي على رأس مجلس النواب، منتظر منه أن يحدث تغييرا على رأس هذه المؤسسة بمعية باقي المتدخلين في المجلس من رؤساء فرق ومجموعات وأعضاء المكتب.

وقال غلاب، وهو عضو في اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، الذي هو من النواة الصلبة في حكومة عبد الإله ابن كيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، ذي المرجعية الإسلامية، إن الرأي العام المغربي لديه انطباعات سلبية إزاء غياب النواب عن الجلسات، مشيرا إلى أن هناك مادتين في النظام الداخلي الجديد للمجلس تقولان إنه يمكن أن يتغيب النائب عن جلسة عامة أو اجتماع لجنة نيابية لكنه يجب أن يعتذر، وأن يكون العذر مقبولا. فإذا تغيب بدون عذر أو عذر مقبول ففي الجلسة المقبلة يتم الإعلان علنيا عن غياب النائب، وعندما يتعلق الأمر بالجلسة العامة يتم نشر خبر تغيب النائب أو النائبة في الجريدة الرسمية، كما أن النظام الداخلي، يضيف غلاب، يؤكد على ضرورة المرور إلى اقتطاعات بالنسبة لتعويضات النواب المتغيبين. بيد أن غلاب قال إن الحضور لوحده لا يكفي، وأن المنتظر من النائب البرلماني هو المشاركة الفعالة. وفيما يلي نص الحوار:

* لأول مرة في تاريخ المغرب السياسي يرأس مجلس النواب مهندس شاب إذا قورن بمن سبقه. فهل يتعلق الأمر بتطور سياسي في المغرب أم أن الضرورة لعبت دورا في انتخابكم؟

- الدستور الجديد وتجربة الانتخابات التشريعية الأخيرة حملا معهما توجها خاصا بالنسبة لأولوية إشراك الشباب في المؤسسات وتسيير الشأن العام. وأظن أن الغالبية الجديدة عندما تكونت، وعندما اتفقت على الحزب الذي سيتولى رئاسة مجلس النواب، زكت ترشيح شخصي المتواضع. وبصفتي شابا يمكن أن نقف عند صفة «شاب» وصفة «مهندس» أيضا باعتباري كنت سابقا في وزارة التجهيز والنقل، أي إنني كنت مسؤولا على قطاع له أهمية قصوى في حياة المواطنين، وقطاع عملي بامتياز. ومن هنا أرى في انتخابي على رأس مجلس النواب رسالة تروم بعث حيوية جديدة في المشهد السياسي في بلادنا، وهي بقدر كونها رسالة موجهة إلى الشباب المغربي والعربي، فإنها أيضا رسالة تروم تفعيل مجلس النواب، وبلورة أجندة تتضمن عددا من الإجراءات التي تجعل المجلس يقوم بالدور المنوط به أحسن قيام. لكن تبقى ضرورة الإشارة إلى أنه في حياة المواطنين يبقى الانطباع السائد لدى الناخبين والشباب والمجتمع المدني حول مجلس النواب ليس هو المطلوب. إذن، فهذا التصور القائم على وجود شاب مهندس عملي على رأس مجلس النواب، منتظر منه إحداث تغيير على رأس هذه المؤسسة بمعية باقي المتدخلين في المجلس من رؤساء فرق ومجموعات وأعضاء المكتب.

* رفعتم شعار الصرامة والجدية لإعادة المصداقية إلى المؤسسة التشريعية. هل تقدرون حجم الصعوبات التي تنتظركم، وهل أعددتم العدة لذلك؟

- لا أقول الصرامة بقدر ما أقول الجدية لأن مجلس النواب مؤسسة لها أهمية قصوى في التشريع وإخراج مشاريع أو مقترحات قوانين، وأيضا في مناقشة القوانين التي تأتي عن طريق الحكومة، وكذلك في مراقبة العمل الحكومي، إلى جانب الدبلوماسية البرلمانية. فكل هذه العمليات تحتاج إلى الجدية والانضباط والكفاءة، والقدرات والالتزام. فهذه هي العبارات التي نتشبث بها، وبالتالي نحن نبحث رفقة رؤساء الفرق النيابية الرفع من ثقافة مجلس النواب في هذا الاتجاه. وبالفعل أدخلنا بعض الإجراءات العملية في النظام الداخلي الجديد للمجلس، ولا أريد أن أشير هنا إلى السرعة والنجاعة التي اتسم بها مجلس النواب في إخراج هذا النظام الداخلي إلى حيز الوجود، ذلك أنه تمكن من إنجازه في ظرف أقل من شهر، وتم التصويت عليه بالإجماع، في ظرف أقل من شهر، وهو نظام تضمن بعض الإجراءات بشأن بعض الاختلالات التي يعيشها المجلس مثل غياب النواب، فتم إدخال بعض الإصلاحات التي تجبرهم على الحضور في اللجان والجلسات العامة.

* في سياق الغياب الملحوظ لأعضاء مجلس النواب، أريد أن أسألكم بما أنكم سيرتم إلى جانب قطاع التجهيز قطاعا صعبا آخر هو قطاع النقل في حكومتين، وواجهتم صعوبات كثيرة، وحاربتم حتى تفرضون قانونا من أجل الحد من حوادث السير المتزايدة، وتغير المشهد في الشارع والطرقات، فهناك ردارات ومراقبة صارمة في محاولة للحد من نزيف حوادث السير. فمن خلال النظام الداخلي لمجلس النواب هل وضعتم مدونة لضبط سلوك السير داخل المجلس وخاصة فيما يخص حضور النواب.هل ستضعون ردارات لضبط حضورهم؟

- هذا سؤال يتردد بكثرة، خاصة أن الرأي العام المغربي لديه انطباعات سلبية إزاء غياب النواب، وبالتالي نحن نتفهم هذا السؤال، ولدي جوابان بخصوصه. الأول، قانوني وإداري اعتمدناه منذ البداية وبسرعة كبيرة في النظام الداخلي، كيف؟ هذا ما سأجيب عنه.

هناك مادتان في النظام الداخلي الجديد للمجلس تقولان إنه يمكن أن يتغيب النائب عن جلسة عامة أو اجتماع لجنة نيابية لكنه يجب أن يعتذر، وأن يكون العذر مقبولا. فإذا تغيب دون عذر أو عذر مقبول ففي الجلسة المقبلة يتم الإعلان علنيا عن غياب النائب، وعندما يتعلق الأمر بالجلسة العامة يتم نشر خبر تغيب النائب أو النائبة في الجريدة الرسمي، ثم يؤكد النظام الداخلي على ضرورة المرور إلى اقتطاعات بالنسبة لتعويضات النواب المتغيبين. إذن، أبعد ما يمكن أن نذهب في هذه الصرامة سجلناه في النظام الداخلي، لكن الجواب الثاني بالنسبة للغياب يكمن في أن الحضور لوحده لا يكفي. إذ إن المنتظر من النائب البرلماني هو المشاركة الفعالة، وتقديم مقترحات قوانين، ومراقبة الحكومة، والمشاركة البناءة في الدبلوماسية البرلمانية، والاستمرارية في متابعة الملفات، وغير ذلك. إذن، في هذا المجال، يجب أن يكون مجلس النواب منبعا للحدث السياسي، بمعنى أن النائب البرلماني يجب ألا ننتظر منه المجيء إلى مجلس النواب خوفا من اقتطاع تعويضاته بل يجب أن يأتي إليه لأنه يعلم أن المعركة السياسية الحقيقية تخاض فيه، وأن الخلافات السياسية تناقش فيه، وكذلك مراقبة الحكومة. إن المكتب المسير لمجلس النواب ورئيسه ورؤساء الفرق وأعضاء المجلس عليهم جميعا أن يخلقوا الحدث. إن العقاب الكبير الذي يجب أن يطال النائب البرلماني المتغيب، والذي لا يشارك في إغناء العمل السياسي، ليس هو الاقتطاع من التعويضات، ولو أن ذلك يجب تطبيقه، بل هو غيابه عن الساحة السياسية. وبما أن مجلس النواب هو الساحة السياسية الحقيقية للنائب فإنه سيحضر بسرعة. وأخيرا، لا بد من الإشارة إلى أن هناك صعوبات عملية تعترض بعض النواب، يجب ألا ننكرها، من قبيل إقامتهم في مناطق نائية من البلاد نظرا لأن المغرب بلد كبير وشاسع الأطراف، فمنهم من يأتي من الداخلة والسمارة والراشيدية ووجدة إلى آخره، وبالتالي تصادفهم صعوبات عملية في التنقل والإقامة على مستوى الرباط حتى يتمكنوا من المشاركة في أعمال مجلس النواب، فالتنقل ووسائل الإقامة ليست متوفرة بتاتا، وهذا يخلق صعوبات لديهم، وبالتالي يجب توفيرها لأولئك النواب حتى يقوموا بما هو منتظر ومطلوب منهم.

* يستعد المغرب لإقرار الجهوية (المناطق) حيث ستكون هناك برلمانات جهوية. هل تعتقدون أن الظرف مناسب لذلك، وكيف يمكن تنزيل هذا الورش الدستوري، وكيف تتصورون العلاقة المستقبلية بين السلطات التشريعية الوطنية والمحلية؟

- هذا موضوع مهم لم يتم الحسم فيه بعد. ويمكنني القول إن الوقت ملائم جدا لإقرار الجهوية، وأذكر أن جلالة الملك محمد السادس أعلن في بداية 2010 عن تشكيل اللجنة التي انكبت على دراسة الجهوية الموسعة، وأفرزت تقريرا مهما حولها، وبعد ذلك جاء خطاب 9 مارس (آذار) 2011، وتم التنصيص عليها في الدستور الجديد، ونحن الآن في مرحلة تنزيل هذا الدستور، وإعداد القوانين التنظيمية، ضمنها القانون الذي سيحدد اختصاصات الجهات (المناطق)، وهذا موضوع أساسي جدا ومهم بالنسبة للمرحلة التي نعيشها اليوم في المغرب، بحيث نحدث مغربا جديدا من ناحية المؤسسات التي هي طبعا قائمة على احترام الثوابت والبناء على تراكمات المؤسسات السابقة لكي نمر إلى مرحلة جديدة بدستور جديد وبرلمان له اختصاصات جديدة، وبحكومة جديدة أيضا تمارس السلطة التنفيذية كاملة بمنظور جديد إزاء الجهوية واللاتمركز على مستوى الإدارة. فكل هذه الأمور سيتم بحثها وتنزيلها وضبطها في هذه الشهور وفي بعض السنوات المقبلة.

* أصبح لمجلس النواب سلطات وصلاحيات واسعة بمقتضى الدستور الجديد. ماذا أعددتم لتصبح المؤسسة التشريعية محترمة وأكثر قبولا لدى الرأي العام. وكيف سيتعامل البرلمان مع حراك الشارع؟

- أولا من الناحية العملية هناك بعض الإجراءات التي تم اعتمادها، وأخرى ما زالت في طور البحث والتمحيص والتفكير. فالإجراءات التي تم اعتمادها والمنبثقة عن الدستور الجديد تتجلى في إجبارية حضور رئيس الحكومة والحكومة إلى مجلس النواب بصفة أكثر مهنية، تسمح بمراقبة ناجعة من طرف البرلمان. فرئيس الحكومة يجب أن يحضر إلى البرلمان مرة في الشهر. وتجدر الإشارة هنا إلى أنه في الحكومات السابقة ناذرا ما كان رئيس الحكومة يأتي إلى المجلس. لقد كان الوزراء يأتون إليه بيد أن رئيس الحكومة يأتي مرة واحدة في منتصف ولايته الحكومية أي مرة كل سنتين ونصف السنة، بينما الآن سيأتي رئيس الحكومة مرة في الشهر، في جلسة أسئلة علنية تنقل بالبث التلفزيوني المباشر. إذن، هذه اللحظة الشهرية التي يأتي فيها رئيس الحكومة ليرد على موضوع يهم الرأي العام ستكون ملتقى مهما. فالنواب يمثلون الشعب ورئيس الحكومة يمثل الجهاز التنفيذي. فهذه مسألة اعتمدت، وستطبق في الأسابيع القليلة المقبلة. أما المسألة الثانية، فتكمن في الدور التشريعي للبرلمان. فالملاحظ أنه في الولاية السابقة التي دامت أربع سنوات صادق مجلس النواب على ما يقرب من 150 قانونا، في حين أن عدد مشاريع القوانين المنبثقة مباشرة عن مجلس النواب صودق على 14 قانونا منها فقط، إذن النسبة قليلة جدا. فكل مقترح قانون (البرلمان) يوازيه أكثر من 10 مشاريع قوانين (الحكومة). ومن هنا يجب على مجلس النواب أن يلعب دورا أكثر طموحا بإخراج مقترحات قوانين بطريقة مباشرة، بمعنى ليست الحكومة هي من يجب عليها أن تتخذ المبادرة في مجال القوانين إذ يجب على الأقل أن يكون هناك نوع من التوازن. وفي هذا السياق كذلك، ثمة إجراء عملي تم اعتماده مفاده أنه في كل شهر تعقد جلسة إجبارية عامة لمناقشة مقترحات القوانين التي تأتي بمبادرة من الفرق البرلمانية. فهذان الإجراءان يمكن أن ننتظر منهما تطورا لا بأس به للعمل النيابي. هناك أيضا الجلسات المتعلقة بالأسئلة الشفوية التي انطلقت الآن لكن مع إعطاء الأولوية للأسئلة المحورية، وهي أسئلة تليها مناقشة. إننا منكبون كذلك على مراجعة هذه الأسئلة في شكلها. فهذه بعض الأفكار التي اعتمدناها، والتي لم نعتمدها بعد، لكن ما هو أساسي هو أننا نشعر في آن واحد أن مجلس النواب بقدر ما هو مجلس للشعب يبدو وكأنه مجلس منغلق على ذاته، وبالتالي سنعمل إن شاء الله على بحث إمكانات تقريب المجلس من المواطنين وجعلهم يهتمون به، وأيضا فتح المجلس على المجتمع المدني والشباب والجامعات وكل الفضاءات بطريقة تلقائية، وسنحدد الإجراءات الضرورية لذلك.

* سن المغرب تقليد الدبلوماسية البرلمانية ولكن التجارب السابقة يبدو أنها لم تعط نتائج إيجابية. فهل لديكم تصور ومقاربة محددة لذلك، وهل ترون مجلس النواب الحالي بتركيبته الجديدة قادرا على الاضطلاع بالمهمة؟

- الدبلوماسية البرلمانية ستتعزز في المستقبل القريب، بحيث يصبح دورها ضروريا وليس تكميليا، فنحن لم نعد في مرحلة الدبلوماسية الرسمية أو الدبلوماسية التكميلية أو الموازية، هذه العبارات اعتبرها متجاوزة اليوم، وأحسن مثال يمكن به تبيان ما أقوله هو رفض البرلمان الأوروبي مؤخرا لاتفاقية الصيد البحري مع المغرب، التي وقعت بين اللجنة الأوروبية والحكومة المغربية. وهنا نتساءل من يحكم ومن يقرر؟ وتجدر الإشارة هنا إلى أن اتفاقية لشبونة تحتم على عدد من الاتفاقيات التي يبرمها الاتحاد الأوروبي المرور عبر البرلمان الأوروبي، وهذا يبرز أهمية الدور المنوط بالدبلوماسية البرلمانية. وما يمكنني قوله في هذا السياق أيضا هو أن هذا الدور يبقى أساسيا ومهما، ذلك أن القضايا الدولية والجهوية وكل ما له ارتباط بمصالح البلاد ينبغي أن يمر عبر قنوات برلمانية لأنها قنوات تبقى مغايرة للشكل الدبلوماسي الرسمي، وتتميز بتلقائية ووضوح كبيرين، وبالتالي علينا على مستوى مجلس النواب أن نعيد النظر في طريقة عملنا على مستوى اختيار النواب الذين سيشاركون في هذه المهام أي يجب أن يكون لهم إلمام بالمواضيع التي سيتطرقون إليها، إلى جانب التجربة والكفاءة والتمكن من اللغات وغيرها من المقومات التي تخول لهم القيام بمهامهم خير قيام. ولله الحمد الكفاءات متوفرة لدى نساء ورجال وشباب مجلس النواب للقيام بهذه الأدوار لكن بأجندة ودفتر تحملات مضبوطين، وليس الاكتفاء فقط بزيارات خارجية عشوائية تفتقر لجدول أعمال منظم وأجندة مضبوطة.

* المغرب يواجه مشكلة الفساد التي أصبحت على كل لسان، وهذا يفترض دورا رقابيا متميزا للمؤسسة التشريعية. ماذا أعددتم في هذا الإطار، وكيف سيتم التنسيق بين سلطة العدالة وسلطة الرقابة البرلمانية، التي هي رقابة شعبية في الأصل؟

- الدور الرقابي الذي سيقوم به مجلس النواب نص عليه الدستور وكذلك النظام الداخلي للمجلس، فالأمر يتعلق برقابة مبنية على الأسئلة الشفوية الأسبوعية، وعلى جلسات اللجان البرلمانية، فأنا لدي ثقة كبيرة في أهمية اللجان البرلمانية أي اللجان الدائمة التي يمكن أن تستدعي وزيرا ما في موضوع ما، وتطلب منه جميع الإيضاحات والتفسيرات في واقعة أو موضوع ما. وإذا تبين وجود شيء يدعو إلى تعميق البحث فهناك مسطرة (إجراء) لجان تقصي الحقائق، التي ينص الدستور على تركيبتها، وعلى طريقة تشكيلها، كما أن رئيس مجلس النواب عندما تنتهي مهام لجنة تقصي الحقائق يرفع تقاريرها إلى العدالة التي تقوم بمتابعة الموضوع. تلكم هي الإجراءات المنوطة بمجلس النواب على صعيد الرقابة.

* الملاحظ انك ثابرت من أجل الظفر بالمقعد البرلماني في دائرة مديونة في الدار البيضاء عن طريق الانتخاب المباشر، وخوض الحملة الانتخابية، ذلك أن حتى خصومكم يصفونكم بأنكم «سياسي القرب» بامتياز. فهل الأمر يعود إلى تربية حزب الاستقلال أم إلى أخلاق الأسرة التي تربيتم عليها أم لتشبعكم بقيم الديمقراطية الغربية أثناء دراستكم في أوروبا؟

- منذ انطلاقة مساري السياسي كنت دائما أدافع عن مسألة أساسية مفادها أنه عندما يكون لنا دور سياسي ونؤثر في الشأن العام من خلال اتخاذ قرارات، علينا أن تكون لدينا شرعية سياسية. لا يمكن أن يكون لشخص من حيث المبدأ مسؤولية سياسية دون أن يكون قد حصل عليها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. فالبحث عن المشروعية الشعبية وعلى صوت المواطن كان دائما هاجسا موجودا لدي على الرغم من خطورته، والنزول إلى الشارع لخوض الحملة الانتخابية اعتبرته دائما امتحانا صارما وصعبا خاصة وأن قواعد اللعبة الانتخابية لم تكن دائما واضحة بامتياز، لكن علينا تقبلها كما هي، ذلك أنني أنتظر من هذا الامتحان جوابا بمعنى هل استمر أم أتوقف؟ فهذه هي القاعدة الانتخابية، وأظن أنه يجب أن تتوسع دائرة النخب السياسية الذين يسيرون أعمالهم بناء على مشروعية ميدانية وشعبية أي أن يكونوا منتخبين.

* كيف هي الآن علاقتك مع حزب العدالة والتنمية هل ما زالت التحفظات القديمة من جانبك ومن جانبهم قائمة أم محاها العناق الحار والطويل الذي خصكم به عبد الإله ابن كيران، رئيس الحكومة، حينما أعلن عن فوزكم برئاسة مجلس النواب؟

- عقب ظهور نتائج الانتخابات التشريعية كانت هناك وجهات نظر متعددة حول ما سنفعله في المراحل المقبلة، وهذا كان طبيعيا لأن حزب الاستقلال كان في الأغلبية وحزب العدالة والتنمية كان في المعارضة، وبرامج الحزبين لم تكن في نفس المستوى من الالتقائية، وكانت هناك اختلافات مهمة في البرامج الانتخابية. فبخصوص نسبة النمو مثلا، أكد حزب الاستقلال على نسبة نمو قدرها خمسة في المائة، بينما حدد حزب العدالة والتنمية هذه النسبة في 7 في المائة. إذن، كان من الضروري أن نفكر داخل دواليب كل الأحزاب حول ما ستكون عليه الأغلبية الجديدة، وكيف سيتم بناؤها؟ لقد أشرت إلى أنني كنت وزيرا في حكومتين لم تتغير الأغلبية فيهما بشكل كبير، بينما ظلت النواة الصلبة للحكومتين هي نفسها، في حين أن المرحلة الراهنة عرفت تغييرا كبيرا نظرا لأن الحزب الذي كان أكبر معارض للحكومة السابقة أصبح هو القائد للحكومة الجديدة، فكان من الطبيعي أن يتم التفكير بشكل معمق على مستوى كل الأحزاب ما دامت الأمور ليست من المسلمات أو البديهيات ولا تدخل ضمن القرارات التلقائية، فحصل اتفاق بشأن تكوين الأغلبية، وتم تقريب برامج الأحزاب، وهذه بادرة جديدة لأنه لم يسبق تكوين أغلبية بعد دراسة إمكانية تقريب تصور مختلف الأحزاب بشأن البرنامج الحكومي. فالأساسي لم يكن عدد المقاعد التي حصلت عليها الغالبية وإنما قابلية الأطراف في تفعيل برنامج حكومي موحد منبثق عن أربعة برامج انتخابية لأحزاب الغالبية الجديدة، وهذا ما جعل، فيما يخص نسبة النمو، الفرق بين 5 في المائة إلى 7 في المائة، أصبح 5.5 في المائة في البرنامج الحكومي الذي صادق عليه البرلمان مؤخرا، كما أسسنا لوثيقة مهمة جدا، وهي أيضا بادرة فيها نوع من الابتكار، وتضمنها البرنامج الانتخابي لحزب الاستقلال، وتتعلق بميثاق الأغلبية الذي يبرز الأخلاقيات التي ينبغي احترامها للحفاظ على تماسك الأغلبية، وهذا شيء مهم لأن فيه تأثيرات على مستوى البرلمان، وعلى مستوى الوزراء والحكومة ككل، إلى غير ذلك.

* الأمازيغية أصبحت لغة رسمية بمقتضى الدستور، فماذا أعددتم لتنزيلها في مجلس النواب حتى لا تفاجأون في يوم من الأيام ببعض النواب وقد أصروا على الحديث فقط باللغة الأمازيغية، وآنذاك ستكونون محتاجين إلى مترجمين؟

- الدستور الجديد كرس المرتبة الرسمية للغة الأمازيغية بحيث أصبح للمغرب اليوم لغتان رسميتان: العربية والأمازيغية، وفي نفس الوقت حدد قانونا تنظيميا، سيتم التصويت عليه، إذ سيحدد المراحل التي سنعتمدها بطريقة جماعية. ففي هذا الموضوع، أنا أحبذ التصور الجماعي وليس المزايدات الشكلية بشأنه. فالأمازيغية هي مسألة تتعلق بجميع المغاربة، وعلى المجتمع المغربي أن يذهب بطريقة جماعية في بحثها. وخارطة طريق هذا التطور هي القانون التنظيمي الذي سننكب على دراسته حكومة وبرلمانا.

* النقاش الدائر في حزب الاستقلال يشير إلى أن معركة خلافة عباس الفاسي قد انطلقت. فكيف ستسير الأمور في نظركم: توافق أم صراع، وأين أنت من هذه المعادلة؟

- الأستاذ عباس الفاسي سبق له أن أعلن عن رغبته في إنهاء مهامه على رأس الأمانة العامة لحزب الاستقلال. أظن أن المرحلة المقبلة التي سيعيشها الحزب مرحلة مهمة، ذلك أنه عادة ما يتم اختيار وانتخاب أمين عام جديد للحزب بناء على توافقات. وعلى ما يبدو الآن، ما هو مقرر نسبيا هو تاريخ المؤتمر العام في نهاية الربيع المقبل، والذي سينعقد قبل موعد الانتخابات البلدية، وهذا أمر ينبغي أن تؤكده اللجنة التحضيرية للمؤتمر التي تم انتخابها أخيرا خلال اجتماع المجلس الوطني للحزب لأنها هي من سيحدد المراحل. فحتى تاريخ هذا المؤتمر سيتم تأكيده من طرف هذه اللجنة، ويبدو أنه سيكون شيئا من التجديد اختيار وانتخاب أمين عام جديد خاصة أن هناك عددا من المرشحين للأمانة العامة.

* هل أنت من بينهم؟

- أنظر إلى هذه المرحلة التي يعيشها حزب الاستقلال باهتمام كبير لأن حزب الاستقلال مثل باقي الهيئات السياسية الأخرى يحتاج إلى برنامج جديد، وتنظيم جديد، ونفس جديد، ورؤية جديدة تتماشى مع الوقت الذي نعيشه. فقد تغير الدستور، وتغيرت الحكومة، وتغيرت الأغلبية، وبالتالي يجب على حزب الاستقلال أن يتغير بشكل عميق، وتصبح لديه خارطة طريق دقيقة وواضحة. وسننظر أن شاء الله إلى التطورات، وسنشارك طبعا عن قرب في هذه المرحلة المهمة من حياة الحزب.

* العام المقبل ستكون قد مرت 50 سنة على إقامة النظام البرلماني في المغرب الذي كان أبطاله زعماء مثل عبد الخالق الطريس وعلال الفاسي والمهدي بن بركة. هل فكرتم في الاحتفاء بهذه المناسبة، وماذا أعددتم لها؟

- فكرة الاحتفال بهذه الخمسينية شيء وارد بيد أننا لم نحدد بعد نوعية هذا الاحتفال. طبعا 50 سنة من عمر البرلمان المغربي هو شيء مهم جدا.علينا أن ننظم لقاءات وندوات التي ستبرز الدور الذي لعبه البرلمان في حياة المواطنين، وتكريم رموز الديمقراطية في بلادنا، وكبار المناضلين الذين مروا من هذه المؤسسة الموقرة. لكن الاحتفال دائما لن يكون احتفالا ينظر إلى الماضي بقدر ما عليه أن يستخلص العبر والرسائل التاريخية، والنظر إلى المستقبل خصوصا في هذه الفترة.