شباب لندن.. الفئة الأكثر تضررا من أزمة البطالة

واحد من كل 5 يفشل في دخول سوق العمل.. وخبراء يحملون الحكومة مسؤولية تفاقم المشكلة

جمعية «توموروز بيبل» تساعد شبانا مثل نيكي إدواردز (يمين) على دخول سوق العمل (نيويورك تايمز)
TT

ظلت نيكي إدواردز تبحث عن عمل، أي نوع من العمل، لمدة عامين تقريبا. ورغم أنها في الـ19 من العمر، عذبة الحديث وهادئة، فإنها لم تستطع مثل الكثير من أقرانها، مواصلة الدراسة الجامعية، مما جعل من الصعب عليها العثور على وظيفة. وقد أغلقت أعمال الشغب، التي قام بها شبان في لندن الصيف الماضي، الأبواب بشكل أكبر من ذلك أمام أمثالها. وقالت إدواردز: «إذا لم يكن المرء يعمل، أو يتدرب أو يدرس في إحدى الكليات، فلن يختلف الأمر كثيرا عن كونه لصا، حيث لن يأخذه أرباب العمل على محمل الجد. وسيقول لنفسه عند لحظة معينة: أنا لا أستطيع أن أجد مخرجا، ولن أعثر على وظيفة قط».

وربما كانت النتيجة الأكثر إنهاكا للركود الاقتصادي، وحملة التقشف، ارتفاع معدل البطالة بين الشباب، حيث يقترب معدل البطالة في إسبانيا، للشبان بين 16 و24 عاما، من 50 في المائة. ويصل هذا المعدل إلى 48 في المائة في اليونان، و30 في المائة في البرتغال وإيطاليا. ويبلغ معدل البطالة 22.3 في المائة في بريطانيا، وهو أعلى مستوى له منذ بدأ جمع مثل هذه البيانات في عام 1992.

ويغذي عدم وجود فرصة عمل، الإحساس المتصاعد بالاغتراب والغضب بين الشباب في جميع أنحاء أوروبا، مما يشكل نوعا من العداء الذي يهدد بتسميم طموحات جيل. ولا تفعل البيانات الاقتصادية الجديدة التي أعلن عنها الأربعاء، والتي تبين وقوع جزء كبير من أوروبا في حالة ركود، شيئا، سوى القليل، لتعزيز الآمال في تحسن أوضاع العمل في القريب.

ويقول خبراء إن غالبية أولئك الذين خرجوا إلى الشوارع في لندن الصيف الماضي كانوا من الشباب العاطلين عن العمل، والمنقطعين عن الدراسة، وغير المشاركين في برامج التدريب المهني. ويبلغ عدد أولئك الشباب، المصنفين من قبل الإحصائيين على أنهم من «غير العاملين أو المتعلمين أو المتدربين»، نحو 1.3 مليون شاب، أو بنسبة واحد من كل 5 من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و24 عاما في البلاد. ورغم أن البطالة بين صفوف الشباب تعد قضية مزمنة منذ فترة طويلة، فإن الخبراء يقولون إن التزام الحكومة البريطانية بتخفيض الديون لكبح جماح الإنفاق الاجتماعي يبدو أنه يجعل المشكلة أسوأ، حيث إنهم يحتجون بأن عدم كفاية التدريب المهني، يساهم في زيادة عدد الشباب العاطلين عن العمل بشكل دائم في بريطانيا. وقالت هيلاري ستيدمان، وهي خبيرة اقتصادية في كلية لندن للاقتصاد: «من الخطأ أن يبدأ الشباب مثل هذه البداية السيئة في الحياة، خاصة عندما يكون بإمكاننا القيام بما هو أكثر من ذلك بكثير لمساعدتهم. ولا يعني مجرد عدم ذهابهم للجامعة أنهم لا يريدون أن يعملوا».

ويقضي الكثير من الشباب هنا شهورا عدة في التقدم للوظائف الفنية التي لم يحصلوا على التدريب الكافي للقيام بها. وفي كثير من الحالات، تتحول هذه الشهور إلى سنوات، مع استمرار عيش الناس على إعانات البطالة الحكومية لأجل غير مسمى. وقد دفعت الحكومة في السنة المالية الأخيرة 4.2 مليار جنيه إسترليني (6.6 مليار دولار) في شكل إعانات لهذه الفئة العمرية، والتي ربما كان من الأفضل إنفاق بعضها، على الأقل، على برامج التدريب المهني، كما يقول بعض الخبراء.

وقالت ستيدمان، وهى متخصصة في مجال التدريب المهني، إن بريطانيا متخلفة كثيرا عن دول مثل ألمانيا والنمسا وهولندا في استخدامها لبرامج التدريب لمساعدة الشباب في الحصول على عمل دائم. وقد عرض أقل من واحد من 10 من أرباب العمل في بريطانيا تقديم برامج للتدريب المهني في عام 2010، مقارنة بأرباب العمل في ألمانيا والنمسا وسويسرا الذين قاموا بذلك، والذين بلغ عددهم الربع تقريبا. وعلى الرغم من أن التمويل الحكومي لمثل هذه البرامج قد ازداد في السنوات القليلة الماضية، فإن ستيدمان قالت إن جزءا كبيرا من الأموال ذهب إلى تدريب العاملين الحاليين، الذين تبلغ أعمارهم 25 عاما أو أكثر، بدلا من استخدامها في بناء مهارات الشباب، الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و20 عاما. وقالت، مشيرة إلى أن 40 في المائة من برامج التدريب المهني، التي يبلغ عددها نحو 500 ألف برنامج تقريبا، تذهب إلى من هم في سن الـ25 فما فوق: «إنه أمر فاسد تماما، حيث تقوم الشركات بدعم الشباب الذين تبلغ أعمارهم 25 عاما، والذين يعملون بالفعل».

وقد أكملت إدواردز، من ناحيتها، سنتين في كلية «غرين فورد» في لندن، قبل أن تترك الدراسة في مارس (آذار) الماضي، لأنها لم تعد قادرة على تحمل تكاليف الدراسة. وكانت تأمل في امتهان مهنة في مجال الصحة النفسية، ولكن طموحاتها قد تقلصت الآن إلى رعاية الأطفال أو المسنين. وعلى الرغم من عدم قدرتها على العثور على وظيفة، فإنها ما زالت تحاول بشكل شبه يومي، من خلال ملء استمارات السيرة الذاتية على الإنترنت، وتوزيع سيرتها الذاتية باليد والتغلب على إحساسها بالعار لاضطرارها قبول الإعانة الحكومية. وقالت إدواردز، التي تعيش في غرب لندن: «أنا لا أريد أن أحصل على إعانة من الحكومة، ولكن ماذا أستطيع أن أفعل؟ الناس لا يستطيعون الحصول على وظائف».

ويبحث جيمس لوسون (18 عاما) باستماتة أيضا عن وظيفة. وهو يعيش في أحد بيوت الشباب ذات الإيجار المدعوم في منطقة هامرسميث في غرب لندن، ويعيش بالكاد على إعانة البطالة التي يتلقاها كل أسبوعين، والتي تبلغ قيمتها 103 جنيهات إسترلينية (163 دولارا). ويرى لوسون، الذي حصل على قسط محدود من التعليم والخبرة، أن أمله الوحيد يكمن في التدريب المهني. وقد أنهى مؤخرا دورة تدريبية في إحدى الأكاديميات المحلية حول تكنولوجيا المعلومات. ولكن هذا التدريب فشل تمكينه من الحصول على أي وظيفة، ولذلك يضع آماله حاليا على نجاحه في تأمين الالتحاق بأحد برامج التدريب المهني التي تقدمها شركة «بي آي إي سيستمز» المتعاقدة مع الجيش البريطاني، والتي قد توفر له - إذا نجح في الحصول على وظيفة من الوظائف القليلة المتاحة - إمكانية التدريب كمهندس كهربائي. وأضاف قائلا «على الرغم من أنني أقول لنفسي عندما أستيقظ كل صباح (ليس لدي وظيفة)، فإنني لا بد أن أظل إيجابيا، حتى لو كان ذلك يعني تحمل الإجابة بالرفض ألف مرة من أجل الحصول على إجابة واحدة بالموافقة».

وعلى الرغم من أن لوسون وإدواردز لم يشاركا في أعمال الشغب التي وقعت الصيف الماضي. فإن كلا منهما يقول، مع ذلك، إنه يتفهم مشاعر الإحباط التي دفعت الكثير من أقرانهم للخروج على القانون. ويقول شاب عمره 19 عاما، ويعترف بأنه قام بعمليات نهب خلال الاضطرابات التي وقعت في يوليو (تموز) أنه انضم الآن إلى إحدى عصابات السطو الصغيرة لكي يحصل على المال اللازم لتغطية نفقاته. وأضاف، رافضا الكشف عن هويته: «لم أعد أبالي، فقد سئمت من العيش ككم مهمل».

وحتى أولئك الذين لم ينقطعوا عن الدراسة ما زالوا يكافحون من أجل العثور على عمل. فقد تخرجت تام شودري (25 عاما) من جامعة ساوث بانك في لندن عام 2010 بعد حصولها على درجة علمية في علم الجريمة والقانون. لكنها لم تحصل من بين الـ105 وظائف التي تقدمت لها سوى على فرصة لإجراء مقابلتين شخصيتين، كما تقول. وأضافت شودري، التي تعمل في جمعية «توموروز بيبل» (ناس الغد)، وهي جمعية خيرية مقرها لندن، وتقوم بتوفير التدريب للشباب غير المؤهلين الطامحين في دخول سوق العمل: «حتى لو كان لدى المرء مؤهلات، فإن الأمر قد يكون صعبا للغاية حقا».

ورغم أنه بات من الواضح أن الركود الاقتصادي يجعل من الصعب على الشباب في بريطانيا، ومختلف أنحاء أوروبا، العثور على عمل، فإن خبراء الاقتصاد يقولون إنه من دون شراكة استراتيجية بين الحكومة والقطاع الخاص، يتم بموجبها تدريب أولئك الذين يريدون أن يتم تدريبهم، ستظل البطالة بين الشباب في كثير من البلدان في ارتفاع، حتى بعد أن يتعافى الاقتصاد. وقال جون مارتن، الخبير الاقتصادي في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في باريس، إن الدول الأوروبية التي دعمت برامج التدريب المهني - ألمانيا والنمسا وهولندا - تمكنت أيضا من الحفاظ الصناعات التصديرية وعلى بقاء التصنيع قويا. ولكن التعاون ليس بمثل هذه القوة، في الاقتصادات الأخرى، بين أرباب العمل والحكومة والنقابات. ويضيف مارتن: «يفضل الكثير من أرباب العمل، في إنجلترا مثلا، تعيين العمالة الماهرة».

ولا يمثل كل هذا خبرا جديدا بالنسبة لستيفان رادونوفك (19 عاما) الذي يقول إنه تقدم بطلب للحصول على مئات الوظائف، في مجال خدمة العملاء أو المبيعات. وفي حين أنه يبحث عن وظيفة في مجال صناعة الموسيقى، فإنه على استعداد لفعل أي شيء يساعده على إعالة نفسه ووالدته، التي يعيش معها في منطقة إيلينغ بغرب لندن. ويعطى رادونوفك إحساسا بالثقة والتهذيب، وكل ما يريده، كما يقول، هو فرصة عمل، على الرغم من أنه لا يفهم لماذا لم يحصل على واحدة بعد. وقال معلقا على العدد الذي لا يحصى من أرباب العمل الذين تجاهلوا سيرته الذاتية: «أنا لا ألومهم، فهم ببساطة لا يرغبون في تدريب أحد».

* خدمة «نيويورك تايمز»