أبو الفتوح : لمصلحة مصر والدين ما زلت أرى أن يظل الإخوان بعيدين عن العمل الحزبي

مرشح الرئاسة المصرية لـ «الشرق الأوسط» يحذر من إطالة الفترة الانتقالية

عبد المنعم أبو الفتوح
TT

تختلف أو تتفق معه، لكن لا تملك في كل الأحوال إلا أن تحترم تجربته السياسية الثرية كواحد من أعمدة الحركة الإسلامية في مصر، ورغم تخطيه العام الستين من عمره قبل شهور فإنه ربما يكون المرشح الأصغر عمرا وسط محتملين للترشح لهذا المنصب، يقف بينهم مستندا على شعبية راسخة في ميدان التحرير، رشحته أكثر من مرة لرئاسة حكومة إنقاذ وطني لم تخرج للنور لأسباب غير محددة.

يرفض الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، الأمين العام لاتحاد الأطباء العرب وصفه بالمرشح الإسلامي، كما يرفض موقف جماعته، جماعة الإخوان المسلمين، التي فصلته من عضويتها وأعلنت عدم مساندتها له على لسان مرشدها العام، بدعوى عدم رغبتها في استفزاز الغرب، ويعتبر أن حديثها لا محل له من الإعراب بعد الثورة، مؤكدا أن الذي يقرر من سيكون رئيس مصر هو الشعب المصري.

يرى أبو الفتوح أن ملامح مصر في الجمهورية الثانية ستتشكل على أسس الحرية والعدل والمواطنة الحقيقية، ويؤكد أنه رغم الارتباك الذي شاب إدارة المجلس العسكري للفترة الانتقالية فإنه يرفض تجريحه أو الإساءة إليه.

ويحذر القيادي الإخواني السابق من إطالة الوضع الانتقالي؛ لأن هذا سيدخل مصر في انهيار اقتصادي وثورة جياع ويعرض البلاد لخلل أمني كبير، ويؤكد أبو الفتوح أن استفتاء 19 مارس (آذار) 2011 يجعل انتخاب رئيس الجمهورية سابقا على وضع الدستور، ذلك بعكس ما تردده بعض القوى السياسية المطالبة بألا تجرى انتخابات الرئاسة إلا بعد وضع دستور جديد يحدد اختصاصات واضحة ومحددة لرئيس الجمهورية، وهو ما يرفضه المرشح الرئاسي المحتمل لأنه سيؤدي إلى «سلق» الدستور، بحسب تعبيره.

ويقول عبد المنعم أبو الفتوح إنه لم يفاجأ بحصول الإسلاميين على أكثر من 70 في المائة من مقاعد البرلمان المصري، مؤكدا أن هذه النسبة ستقل في الانتخابات التالية حتى تصل إلى حجمها الطبيعي، وتعليقا على بزوغ نجم السلفيين في فضاء العمل العام، يرى أبو الفتوح أن دخولهم العملية السياسية مكسب لمصر لأن هذا سيجعلهم أكثر اعتدالا وبرغماتية واحتراما للواقع، ولكن إذا تم إقصاؤهم سيزداد تطرفهم.

وإلى نص الحوار..

* كنت شاهدا على الحياة السياسية في مصر على مدى يزيد على أربعين عاما بدأت في أعقاب نكسة يونيو (حزيران) عام 1967 وحتى خروج حسني مبارك من الحكم قبل عام، وعايشت فيها النهايات والبدايات لحكم ثلاثة رؤساء، كيف ترى ملامح مصر على أعتاب الجمهورية الثانية من هذا المنظور التاريخي؟

- بعد الثورة والتضحيات التي قدمها الشباب من أجل مصر، قال الشباب شعارا تلقائيا يعبر عن مكنون الشعب المصري ومعاناته ورغبته في التخلص من معاناة 60 سنة من الاستبداد، وتركز معه الفساد في آخر 35 سنة، هذا الشعار الفطري البديع الذي أطلقه الشباب.. عيش حرية وعدالة اجتماعية وكرامة إنسانية، الشعب المصري لن يرضى في مستقبله ببديل عن هذه الأهداف الواضحة.

مصر ستنتقل، سواء رضي أعداء مصر أو أعداء الثورة أم لم يرضوا، إلى دولة ديمقراطية حديثة، تبني نهضتها التعليمية والاقتصادية في ظل مناخ ديمقراطي حر يتمتع فيه كل المصريين بالحقوق والحريات، فالكرامة الإنسانية لن تتحقق دون مواطنة حقيقية، المواطنة تعني التساوي في الحقوق والواجبات.. المساواة في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وهو ما يجب أن تنتقل إليه مصر.

* إذا توقفنا أمام اللحظة السياسية الراهنة، كيف تحلل وتقيم منظومة الحكم في مصر بأضلاعها الثلاثة، المجلس العسكري والحكومة والبرلمان؟.. وكيف ترى مستقبل هذه الأضلاع الثلاثة بعد انتهاء الفترة الانتقالية مع نهاية شهر يونيو المقبل؟

- هذه ليست أضلاعا ثلاثة، ولكنها ثلاثة مكونات للسلطة لأن هناك سلطة القضاء أيضا.. بداية أداء المجلس العسكري خلال هذا العام يتسم بالبطء والارتباك وسوء الإدارة والأدلة كثيرة، ولكن أنا ضد من يحاولون أن يسيئوا ويجرحوا المجلس العسكري وأن يحولوا الارتباك والبطء وسوء الإدارة إلى اتهام بالخيانة وخيانة الثورة وهذا ليس معناه أن يستمر؛ وهنا تأتي أهمية إنهاء الفترة الانتقالية بالنسبة للسلطة التنفيذية والمجلس العسكري سواء بانتخاب البرلمان الذي تم، ثم انتخاب الرئيس في أسرع وقت، فهي قضية أمن قومي وقضية اقتصاد لمصر، فاستمرار الوضع الانتقالي فترة أطول يعرضنا لتحد اقتصادي يدخلنا في انهيار اقتصادي وثورة جياع ويعرضنا لخلل أمني كبير، وأقصد بالأمن هنا على مستوى الأمن القومي فكمية السلاح التي دخلت مصر نتيجة غياب الجيش على الحدود والمخدرات وتهريب البنزين والسولار هذا سببه أن الحدود غير مؤمنة لأن الجيش منشغل بالأمن الداخلي ويقوم بعمل جهاز الشرطة، لهذا يجب سرعة إنهاء الفترة الانتقالية حتى يعود الجيش وقيادته إلى وظيفتهم الرئيسية والوحيدة وهي حفظ أمن مصر، وتأتي سلطة مدنية تدير البلاد وتستقر.

* طرح البعض أفكارا مختلفة لسرعة انتقال السلطة من المجلس العسكري.. في رأيك ما أفضل الطرق لعبور هذه الفترة؟

- ليس بأي طريقة يمكن أن ننهي الفترة الانتقالية، مثل دعوات مجلس انتقالي أو مجلس مدني، ولكن الصواب أن ننفذ خريطة الطريق التي نص عليها استفتاء 19 مارس الماضي لتسليم السلطة بتشكيل برلمان ثم مجلس شورى ثم انتخاب رئيس، ولكن كان يجب أن تضغط المدة الزمنية الخاصة بتلك الانتخابات لأنه لا يوجد أحد يجري الانتخابات البرلمانية في 4 أشهر، ثم نعمل انتخابات الشورى وبعدها مباشرة انتخابات الرئيس. في هذه الحالة ينتهي الدور التنفيذي للمجلس العسكري مثلما انتهى دوره التشريعي ويعود لمكانه الطبيعي وتصبح هناك سلطة مدنية وبرلمان مدني تم انتخابه، وهؤلاء يقودون البلاد مسؤولين مع السلطة القضائية عن تحمل المسؤولية وإدارة البلاد بما فيها وضع الدستور لأن الدستور لن يوضع في شهر. فالذين يريدون «سلق» الدستور ووضعه في شهر قبل انتخابات الرئاسة، هذا يجرد المجتمع من حقه في أن يناقش هذا الدستور ويتحاور حوله ويقبل ويرفض وهذا على الأقل يحتاج من 6 أشهر إلى عام وهذا ما نص عليه الاستفتاء بأن الدستور يوضع في 6 أشهر.

* وكيف تقيم أداء حكومة الدكتور كمال الجنزوري؟

- حكومة الجنزوري ضعيفة ولكنها عابرة ولست مع تغييرها الآن، لأنه سيحدث قدر من الإرباك في الأداء.. فليس من المعقول أن تأتي حكومة لمدة شهرين ثم نغيرها بعد انتخاب رئيس جديد ونشكل حكومة ثانية وبعد وضع الدستور نشكل حكومة أخرى، هذا لا يصح لأنه لا توجد بلد تعمل حكومة كل ثلاثة أشهر. فالحكومة الحالية يمكن أن تستمر في هذه المرحلة الانتقالية، وكما قلت للدكتور الجنزوري نريد من الحكومة أن تحافظ على الخدمات والأمن ولا نريد أن تقول توشكى وسيناء ومشاريع كبرى، كل هذا مطلوب ولكن لا يقوم به الجنزوري لأنه يتحدث وكأنه سيجلس 5 سنوات.

* بماذا تفسر رغبة الأغلبية البرلمانية في تشكيل حكومة جديدة في هذا التوقيت؟

- لا محل لهذا الحديث في ظل نظام رئاسي يحكمنا، حيث يشكل الحكومة رئيس الدولة سواء كان المجلس العسكري حاليا أو الرئيس المنتخب مستقبلا، إلا إذا تم تعديل نظام الحكم مستقبلا ليصبح نظاما برلمانيا فهنا من حق البرلمان أن يشكل الحكومة. ولكن حتى في ظل النظام القائم يجب أن يحدث توافق وتناغم بين الحكومة والبرلمان حتى لا يحدث تعويق للأداء اليومي والاقتصادي والخدمي.

* وماذا عن البرلمان.. كيف تقيم أداءه؟

- رغم أن الفترة قليلة ولا نستطيع أن نصدر حكما عليه فإن الذي يطمئنني أنه منتخب من الشعب المصري سواء غالبيته إسلاميون أو اشتراكيون.. فالشعب هو الذي اختاره ويجب أن نحترمه ونمكنه من أداء واجبه.

* لكن البداية أظهرت مبكرا وجود صراعات وخلافات قوية داخل المجلس؟

- وجود صراعات وخلافات وآراء متناقضة يظهر حيوية البرلمان، فلا نريد برلمانا يقول «آمين آمين».. كنت أتمنى أن تكون نسبة المعارضة في البرلمان أكثر من 40 في المائة بحيث تكون الأغلبية أكثر من 51 في المائة، أو أكثر قليلا، مما يجعله أكثر حيوية ولا يجعل الأغلبية الكبيرة لديها شعور بالطمأنينة وعدم الاستماع للمعارضة، فلو استطاع أن يحصل على القرار الذي يريده.. يقول لماذا أسمع للمعارضة.. فكلما كانت المعارضة مؤثرة كانت أكثر ضغطا على الأغلبية لتجود عملها وتحسن أداءها وذلك في صالح الوطن.

* تزامن بدء جلسات البرلمان الجديد مع مجموعة من الأحداث مثل حادث بورسعيد والاشتباكات في محيط وزارة الداخلية. كيف ترى أداء البرلمان في التعامل مع تلك الأزمات؟

- طبيعي أن البرلمان يشكل لجنة للتحقيق في مثل هذه الأحداث، ولكن المهم ماذا سيترتب على التحقيق، فالبرلمان له ممارسات رقابية وتشريعية يجب أن يمارسها وليس مجرد أن يظهر الحقيقة، فبعد أن يثبت مثلا أن الأمن كان هو المخطئ فيجب أن يتخذ إجراء مثل إقالة وزير الداخلية أو الضغط على الجهاز التنفيذي لإحالة أشخاص للتحقيق.

* أعلنت قبل أشهر نيتك للترشح لمنصب رئيس الجمهورية وخلال أيام سيتم فتح باب الترشح لهذا المنصب المهم على رأس السلطة في مصر.. في رأيك ما فرص نجاح الرئيس القادم في ظل الارتباك والفوضى المسيطرة على المشهد المصري؟

- الجزء الأكبر من حالة الارتباك سببه غياب رئيس منتخب، وبالتالي غياب حكومة تعبر عن الشعب سواء جاء بها الرئيس أو البرلمان، فبالتالي فإنه بمجيء السلطة التشريعية ومجيء السلطة التنفيذية ممثلة في رئيس الجمهورية سيقل هذا الارتباك حتما بل سيغيب، وسيصبح الالتفاف الشعبي حول قيادته التي انتخبها سواء التنفيذية أو التشريعية ومراقبة أدائها، فإذا أدت أداء جيدا نعاونها ونقف إلى جوارها وإذا قصرت ننقدها ونقف أمامها، ولدي أمل كبير وثقة في أن مصر ستنتقل بالديمقراطية إلى الأفضل حتما قد لا تكون النتائج التي حصلت لا تعبر عن الحالة الحقيقية ولكن لا حل إلا أن تدور عجلة الديمقراطية. لذا لم أكن مع الذين طالبوا بتأجيل الانتخابات البرلمانية إلى أن تبنى قوى المجتمع لأن هذا معناه أن نؤجل الانتخابات البرلمانية لمدة عشر سنوات، ولكن نعمل انتخابات وستأتي أغلبية لا تعبر عن الواقع ولكن لا سبيل سوى الديمقراطية، وفي الانتخابات القادمة تكون الأغلبية 60 في المائة بدلا من 70 في المائة وبعدها 50 في المائة إلى أن يحصل كل تيار على حجمه الطبيعي. وأنا لم أفاجأ بحصول التيار الإسلامي على 70 في المائة في أول انتخابات ديمقراطية للبرلمان، ولكن حينما تحدث انتخابات بعد 4 سنوات هذه النسبة ستقل لأنه ستكون هناك قوى جديدة ظهرت ستخصم من رصيد هذه القوى وتضيف إلى الحياة السياسية، ثم الانتخابات التي تليها ستكون هناك قوى أكثر قوة وتخصم من رصيد القوى الموجودة حتى يستقر الوضع بحجمه الطبيعي وهذا ما حدث في كل الدول الديمقراطية، بدليل أن دولة مثل إسبانيا عندما بدأت تجربتها الديمقراطية في عام 1984 كان هناك 74 حزبا، الآن لا يوجد بها أحزاب مؤثرة سوى ثلاثة أو أربعة أحزاب.

* من أهم مفاجآت انتخابات البرلمان ظهور تيار إسلامي جديد على ساحة العمل العام وهم السلفيون كيف ترى هذا الأمر؟

- بغض النظر.. تختلف أو تتفق مع أفكارهم التي يمكن أن أختلف معها أحيانا.. ولكن هذا مكسب لمصر بأن يدخلوا في العملية السياسية وهذا يجعلهم أكثر اعتدالا وبراغماتية واحتراما للواقع، ولكن إذا تم إقصاؤهم سيزداد تطرفهم.

* انتشر عقب الثورة على الموقع الاجتماعي «فيس بوك» رسم كاريكاتيري يوضح نهايات حكام مصر عبر تاريخها وأي شخص يتوقف فقط أمام نهاية آخر خمسة حكام لمصر الملك فاروق والرؤساء محمد نجيب وجمال عبد الناصر وأنور السادات ومبارك، سيفكر ألف مرة قبل أن ينوي الترشح لهذا المنصب؟ ألم يراودك الخوف من هذه النهايات؟ وما الذي تنتوي فعله كي تتجنب دراما النهاية التي أصابتهم؟

- إطلاقا لأن هؤلاء لم ينتخبهم الشعب المصري وبالتالي الربط بين نهايات هؤلاء ونهايات من سينتخبهم الشعب المصري إساءة للشعب المصري نفسه، فهؤلاء أناس فرضوا علينا وبالتالي لتكن نهايتهم حيث ما ذهبوا. ولكن الشعب المصري حينما ينتخب رئيسا له حتما من واجباته أن يساعده وأن يحميه طالما يؤدي الواجب، ولكن الرئيس المنتخب إذا انحرف عن أداء الواجب الوطني فليسقط وليذهب إلى الجحيم لأنه ليس منزلا من السماء، وهذا معنى النكتة التي تقول إن الشعب المصري يهتف من الآن «يسقط رئيس مصر القادم»، هذه النكتة تدل على أن الشعب الذي خرج لتغيير وطنه لن يترك الوطن لأي طرف تحت أي اسم. أنت مواطن جئت لتخدم الشعب سواء كرئيس دولة أو في البرلمان تخدم الوطن وتؤدي واجبك نرفعك على رؤوسنا كشعب مصري، تخرج عن واجب الخدمة الوطنية نخرج وننزلك مرة أخرى كما أنزلنا من كان قبلك.

* تقصد أن الديمقراطية هي الحامي لأي رئيس قادم من النهايات الدرامية للرؤساء السابقين؟

- الديمقراطية وأداؤه الوطني وإخلاصه وصدقه مع شعبه لأنه لا يوجد شيك على بياض سوف يعطى لحاكم مصر حتى لو انتخبناه، فلن نعطي تفويضا لأحد، سنظل نتابعه ونراقبه.

* ذكرت أنه يجب أن تجرى انتخابات الرئاسة قبل وضع الدستور، فهل يليق بمستقبل نتمناه مشرقا لمصر أن يحكم رئيس الجمهورية بصلاحيات غير واضحة أو محددة؟

- إجراء انتخابات الرئاسة قبل الدستور هذا ما قرره الشعب في الاستفتاء، وغير صحيح أن الانتخابات تجرى دون صلاحيات واضحة للرئيس، لأننا أجرينا انتخابات البرلمان على الأساس الدستوري نفسه، وهو دستور مؤقت ممثل في الإعلان الدستوري مكون من 62 مادة، وهو الذي يدير المرحلة الحالية وفيه توضيح لاختصاصات الرئيس..

* ولكنك وصفت هذه الاختصاصات بأنها واسعة وفضفاضة.. ما تعليقك؟

- اختصاصات الرئيس بهذا الشكل دائما، وهي حاجة مؤقتة إلى أن نضع الدستور، ولكن أن نضع الدستور قبل انتخابات الرئاسة فهذا معناه استمرار المجلس العسكري لمدة سنة على الأقل، وهذا يؤدي إلى مزيد من الانهيار الاقتصادي ومزيد من الخلل الأمني.. والقصة ليست أننا نحتاج رئيسا ولكنها المخاطر المستمرة التي سنواجهها ما لم ننه الوضع السياسي المؤقت.

* بعض القوى المدنية والأحزاب طالبت بوضع الدستور أولا قبل انتخابات الرئاسة.. حتى لا نعيد انتخاب الرئيس بعد وضع الدستور..

- هذه المطالبة ليس لها محل، لأنها مخالفة للاستفتاء، حتى بعض القوى التي تتحدث عنها هي نفسها كلما نقول الدستور تقول الاستفتاء وترفع الأعلام الحمراء وتقول هناك استفتاء يجب أن تحترموه، ونحن نقول يجب أن نحترم الاستفتاء ونتيجته ونطبق ما نص عليه بأن الرئاسة قبل الدستور.

* هناك من قالوا بعكس ذلك وفسروا الإعلان الدستوري بأنه ينص على أن الدستور قبل الرئاسة.. ما تعليقك؟

- غير صحيح، لأن الاستفتاء الذي أجري في 19 مارس الماضي قضى بإجراء انتخابات الرئاسة ثم وضع الدستور، بدليل أن ما كتبه المستشار طارق البشري وهو كان رئيس لجنة صياغة التعديلات الدستورية أنه لو أن الرئيس بعد الدستور فلا يوجد معنى أن نستفتي الشعب على مواصفات وشروط الترشح لانتخابات الرئاسة في ذلك الاستفتاء، فكانت تترك للدستور الجديد، ولكن لأن انتخابات الرئاسة ستجرى أولا وضع هذه المواصفات في التعديلات بل وفي نص من نصوص الاستفتاء يدعو رئيس الجمهورية للاستفتاء على الدستور الجديد.

* تحدثت عن مشروعك للنهضة بمفهومه الإسلامي وقلت إن جناحيه هما الحرية والعدالة، وهو نفس الإطار والمنهج والاسم الذي اختارته جماعة الإخوان لمشروعها السياسي.. فإذا أصبحت رئيسا إلى أي مدى ستتواصل الخطوط وتتقاطع مع الجماعة وحزبها؟

- هناك أعضاء برلمان من حزب له أغلبية سواء كان الحزب هو الحرية والعدالة أو النور أو الوفد، حتما رئيس الجمهورية سيتواصل مع البرلمان، أما الجماعة فهي جمعية خيرية تدعو إلى الله كآلاف الجمعيات الموجودة، وتلتزم بالقانون، أما البرلمان فهو سلطة تشريعية وطبيعي أن تكون هناك علاقة مع رئيس الدولة وهي علاقة للوطن وليست علاقات شخصية.

* نعلم حرج هذه النقطة بالنسبة لك؟

- لا يوجد حرج.. فهذا برلمان سواء جاء من الشيوعيين أو من اليسار أو من الإسلاميين فلا بد أن يحترم لأنه جاء بإرادة شعبية.

* في ظل وجود رئيس وبرلمان على وفاق آيديولوجي، يكون هذا أفضل للوطن ومصالحه؟

- حتما، وأنا أتصور أن الذي يحكم العملية السياسية بعد الثورة هو مصلحة الوطن وليس آيديولوجية الرئيس أو البرلمان، وإذا تركنا مصلحة الوطن ضحية للآيديولوجيات السياسية أو الفكرية فهذا معناه أننا نضحي بالثورة، فأنت تحمل أفكارا كيفما تشاء كرئيس دولة.. إسلامية.. يسارية.. شيوعية، ولكن هناك ضوابط لمصلحة الوطن وهي تقضي على الرئيس أيا كانت الآيديولوجية الخاصة به أن يتعاون مع البرلمان وتفرض على البرلمان أيا كانت آيديولوجية أغلبيته أن يتعاون مع الرئيس، وبالتالي مصالح الوطن لا يجوز أن تكون ضحية آيديولوجيات أو أفكار شخصية وهذه لها ضوابط في الدستور والعالم كله يسير بهذا الشكل. ففي فرنسا حيث النظام المختلط يأتي رئيس اشتراكي ويكون هناك حزب ليبرالي صاحب أغلبية، ورغم ذلك نجد أن الأمور تسير بشكل طبيعي وفقا للدستور لأنها دول تحترم القانون.

* الملاحظ أن الحالة المصرية شديدة الخصوصية في تعاملها مع الديمقراطية، ما تعليقك؟

- هذا صحيح، نحن في فترة انتقالية.. فترة مخاض وتدريب على الحرية والديمقراطية، لهذا ترى أصحاب الاتجاه الواحد لا يطيقون الحديث معا نصف ساعة وبعدها يتشاجرون، هذا ليس مزعجا، لأننا مثل الطفل يحاول تعلم المشي، فعندما يحاول.. يقع.. هل نقول له كفاية؟ وفي هذه الحالة يمكن أن يصاب بالشلل، أم نتركه يجرب ويتدرب؟ ونحن الآن نتدرب على الاختلاف والحوار معا، والذين يصفون ما يحدث في مصر بأنه تقسيم وصراع مخطئون، هذا نتاج طبيعي للحرية التي لم يمارسها الشعب المصري منذ 60 سنة.

* كنت من أشد المتحمسين لدخول جماعة الإخوان إلى العمل العام سواء في النقابات أو البرلمان لتحسم بشكل نهائي جدلا طويلا استمر عقودا حول سبل التغيير، «لتعود إلى النهج السلمي المعتدل الذي وضعه مرشدها الأول حسن البنا» بحسب قولك، ورغم ذلك كنت من الرافضين لأن يصبح للجماعة حزب سياسي رغم ما يجسده هذا الحزب من استكمال لهذا النهج وهو أمر يحتاج إلى توضيحك؟

- المسألة بمنتهى الوضوح أن الجماعة تظل جماعة وتمارس نشاطها الدعوي والفكري والخدمي والسياسي ولكن لا تمارس العمل الحزبي، وأنا ما زلت أرى لمصلحة مصر ولمصلحة الدين أن تظل جماعة الإخوان بعيدة عن العمل الحزبي بحيث لا تكون حزبا ولا يكون لها حزب.

* هذا التباس غير مفهوم يحتاج إلى توضيح؟

- يجب أن نفرق بين الوضع قبل الثورة وبعد الثورة، قبل الثورة كان مفروضا علينا كلنا أن نسير بطريقة خطأ، ولا يستطيع أحد وقتها أن يؤسس حزبا بدليل حزب الوسط الذي استمر 15 سنة ولم يأخذ رخصة تأسيس إلا بعد الثورة، وبالتالي كان مفروضا علينا قبل الثورة أداء غير صحيح، وعندما كان الإخوان يخوضون الانتخابات قبل الثورة كانوا يخوضونها بصفة مستقل وهم ليسوا مستقلين، أو يتحالفون مع حزب آخر مثل العمل أو الأحرار أو الوفد وهذا كان وضعا غير طبيعي.. بعد الثورة قلت إنه إذا سمح للإخوان كأفراد أن يؤسسوا حزبا فليؤسسوه بشرط ألا يكون فرعا من الجماعة، فلا يرتبط بها ولا تضع له السياسات ولا يتلقى التعليمات منها، بحيث نقوم كأفراد من الإخوان ومعنا آخرون من الوطنيين ونؤسس حزبا لا يكون فرعا من الجماعة ولا جناحها السياسي، لأن هذه تجربة تمت للحركة الإسلامية في الجزائر وكانت كلها سلبيات، وسلبياتها في مصر ستظهر في المستقبل.

وحديثي هذا أطبقه على السلفيين والأزهريين أيضا، لذا أنا ثمنت موقف شيخ الأزهر عندما قامت مجموعة من شيوخ الأزهر وقالت إنها ستشكل حزب الأزهر، فقال شيخ الأزهر إن هذا ليس عملهم، فهم كأفراد مصريين يمكن أن يؤسسوا حزبا ولكن لا يكون اسمه حزب الأزهر الشريف ويصبح حزب الأفراد وليس حزب المؤسسة وإذا نجحوا أو فشلوا فهذا حزبهم. لهذا يجب أن تبقى الجماعة دعوية تربوية وتشارك في العمل السياسي بالمفهوم العام وليس الحزبي مثل أن يخرج شيخ الأزهر لإصدار وثيقة حريات فهذا عمل سياسي وطني وهذا الفارق بين السياسي والحزبي.

* بنى المرشد الثامن لجماعة الإخوان موقفه الرافض لترشحكم للرئاسة أو أي من المرشحين المحسوبين على التيار الإسلامي بحسب تصريحات له، على عدم رغبة الجماعة في استفزاز الغرب، وقال السياسي والمفكر المصري مصطفى الفقي سابقا، قبل الثورة، إن الرئيس القادم لمصر يجب أن يحظى بتأييد أميركي وإسرائيلي.. إلى أي مدى ترى أهمية الرضا الغربي عن رئيس مصر؟

- سواء هذا الكلام أو ذاك فليس له محل من الإعراب بعد الثورة.. بعد الثورة الذي يقرر من سيكون رئيس مصر هو الشعب المصري، وهذا يعطي الحق لكل من يرى في نفسه قدرة على الترشح للرئاسة فليعرض نفسه على الشعب المصري، أما هذا الكلام فقد كان يصلح في عهد حسني مبارك ولكن بعد الثورة ودماء الشهداء لا سبيل لتحديد أي مستقبل لمصر إلا من خلال الشعب المصري ومنه انتخاب الرئيس والبرلمان. فالشعب المصري هو الذي يقرر وليس أميركا أو إسرائيل أو أي طرف آخر غيرهم، ولا يصح أن نهين شعبنا وأنفسنا بأن نقول لن نأتي برئيس شيوعي لأن أميركا لا تحب الشيوعيين، نحن سنأتي بمن نرى أنه يخدم مصر مهما كانت الآيديولوجيا إسلامية أو يسارية فهذا يقرره الشعب المصري.

* وجهت اتهامات لمنظمات مدنية بالتخطيط لتقسيم مصر ونشرت خرائط مختلفة حول هذا الأمر وبالغ البعض وتحدث عن مشروع أميركي لتقسيم الدول العربية الكبرى إلى دويلات في ما أطلق عليه اتفاقية «سايكس – بيكو 2» (الاتفاقية الأولى لتقسيم العالم العربي عقدت عام 1916، بين الدبلوماسيين البريطاني مارك سايكس والفرنسي جورج بيكو الأولى وبتأييد من روسيا الاتحادية) في المقابل لدينا تصريح من نائب مرشد الإخوان وآخرين يتحدثون عن حلم الخلافة.. ألا ترى أن هناك حتمية صدام إسلامي - أميركي قريب رغم أن الظاهر عكس ذلك؟ وكيف ترى مستقبل العلاقات المصرية - الأميركية في ظل ما يشوبها من توتر حالي؟

- لا توجد علاقة بين تصريح نائب المرشد والاتهام الموجه لمنظمات المجتمع المدني، فمؤسسات المجتمع المدني وتقسيم مصر هذا كلام عبث، مصر غير قابلة للتقسيم، ولا يمكن لأحد ولا أي قوى عالمية أن تعبث بمصر، فبحكم مكون مصر التاريخي والجغرافي والبشري غير قابله للتقسيم. فلا يوجد لدينا صراع طائفي أو صراع عرقي أو صراع ديني، وما حدث من بعض فتن طائفية كان صناعة أمنية وانتهت مع ذهاب نظام مبارك..

* هذا لا ينفي وجود مخطط للتقسيم مثلما حدث في السودان؟

- تقسيم السودان إلى شمال وجنوب له مبرراته وأسسه واستثماره لواقع موجود منذ عام 1952، لكن الحديث عن تقسيم مصر كأنك تقول إنك تقسم جسد شخص لنصفين ليموت بعدها. أعتقد أن موضوع التقسيم عبثي، ولكن الحديث عن وجود أعداء لمصر لا يريدون لها الاستقرار أو النمو أو أن تكون حرة، نعم موجود لأن العالم لن يطبطب علينا، والأنظمة السابقة مكنت أعداء مصر من أن ينفذوا مؤامراتهم ضدها، فمثلا أن يخرج رئيس لمصر ويقول إن 99 في المائة من أوراق اللعبة في يد أميركا وكأنه يقول للأميركان «اتفضلوا احكموا مصر وأنا لست رئيسها أنا طرطور مصر»، لأن معنى أن يقول 99 في المائة من أوراق اللعبة في يد أميركا يعني أن الذي يحكم هي أميركا وبالتالي نحن الذين مكنا أعداء مصر من أن ينفذوا ما يريدونه، ولكن بعد الثورة لن يحكم مصر إلا شعبها أو من يمثل شعبها.

* حلم الخلافة الذي تحدث عنه أحد قيادات الإخوان مؤخرا كيف تراه؟

- بوضوح الخلافة ليست مصطلحا دينيا وبالتالي لا محل له، أما من يدعو لوحدة عربية أو وحدة إسلامية أو وحدة إنسانية فهذا طبيعي لأن العالم يميل حاليا إلى التشبيك والتواصل، إذا كانت الدول الأوروبية أسست اتحادا أوروبيا فلا مانع أن تقوم الدول العربية بتأسيس اتحاد عربي سواء كان اتحادا في العملة أو سياسيا أو اقتصاديا أو أي وسيلة أخرى للتعاون والتواصل، ولكن الخلافة ليست عملا دينيا، إذا كان المقصود بالخلافة التعاون بين العالم الإسلامي فهذا شيء جيد، وإذا كان يقصد التعاون بين كل دول العالم كله أو الدول الأفريقية فهذا شيء جيد ومطلوب لصالح مصر، ومصر رائدة في هذا المجال في التعاون الأفريقي والعربي.

* وكيف ترى العلاقات المصرية - الأميركية في ظل ما يشوبها من توتر في الفترة الأخيرة؟

- أرى أن التوتر مصطنع وليس له مبرر وعبارة عن بالونة دخان ليست لها قيمة أو وزن أو مبرر، أما علاقتنا بأميركا أو باقي دول العالم فسيكون الأساس فيها مصلحة مصر، وستكون علاقة تتسم بالندية التي تحقق مصلحة مصر والطرف الآخر، ولكن لن تستباح مصر من أي طرف مهما كان بعد اليوم، فهناك مصالح كدولة ونحترم الخصوصيات وهذا أساس العلاقات مع أي دولة في العالم.

* كنت قبل أيام في زيارة إلى غزة لرئاسة اجتماعات اتحاد الأطباء العرب وأمس بالغ الإسرائيليون في نيتهم في التعدي على المسجد الأقصى، في رأيك ما السبيل إلى تحرير القدس حلم كل مسلم، وهل في بالكم وأنتم على أعتاب الترشح للرئاسة أن يكون لمصر دور البطولة في القضية الفلسطينية وما مستقبل علاقتنا مع إسرائيل؟

- دور مصر ليس دور بطولة، فلسطين بالنسبة لمصر قضية أمن قومي لأنها على الحدود الشرقية لمصر، ولا يمكن لأي نظام وطني مخلص لمصر ألا تكون له علاقة بقضية فلسطين، كما على المجتمع الدولي وجزء منه مصر الديمقراطية بعد الثورة أن يجبر إسرائيل على احترام المعاهدات الدولية.

* وما السبيل لتحرير القدس كحلم لكل مسلم؟

- احترام إسرائيل للمعاهدات والقرارات الدولية الخاصة بإقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشريف ويجب احترام هذا.

* وما دور العرب والمسلمين في هذا الأمر؟

- إذا كانت هناك دول حقيقية للعرب والمسلمين فيجب أن تضغط لتنفيذ القرارات الدولية.

* النيل والبحث العلمي والتحديات الطائفية والحدود جاءت كأولويات لك في محور الأمن القومي لمصر وقبلها دور مصر الإقليمي.. في رأيك أيها أكثر أولوية وخطورة لتجعله هدف البداية لك؟

- لا شك أن النيل شريان الحياة لمصر ويجب أن تعود علاقتنا مع الدول الأفريقية ودول المنبع، والشعوب الأفريقية ترحب بقيادة مصر لها، وأنا مثلت مصر في منظمات أفريقية كثيرة كانوا يرحبون بمصر، ولكن للأسف النظام السابق بسبب حادث أديس أبابا أضاع مصالح مصر، مثلما أضاع بورسعيد وهي جزء من مصر بسبب حادثة «أبو العربي».

* إلى أي مدى يمثل الاهتمام بالأطراف والمناطق المهمشة أهمية استراتجية لمصر؟

- الأطراف قضية أمن قومي لمصر، فالمصريون الذين يعيشون على حدود مصر لم تعمق القيادة السياسية فيهم الانتماء والحرص على الوطن وجعلتهم يعيشون في حالة من الاضطهاد والظلم الذي يفقدهم الانتماء للوطن، فعندما زرت أهل سيناء منذ أسبوعين وجدتهم يشعرون بمرارة شديدة تجاه النظام الذي حكم منذ 30 سنة، بسبب الظلم والقهر، وقلت لهم إن هذا لم يكن من فراغ فقد كان مستهدفا؛ حيث أرادوا أن يفقدوكم انتماءكم لمصر ويحولوكم لعملاء للصهاينة وأنتم بوطنيتكم رفضتم هذا، لدرجة أن هناك أناسا من أهل سيناء يعيشون «بدون» يعني غير مسموح لهم بأن يحملوا بطاقة هوية مصرية، فضلا عن عدم حقه في الامتلاك، وكل الممارسات الأمنية والبوليسية التي تمارس ضدهم تشكل خطورة عليهم وعلى الأمن المصري.

* تحدثت في شهادتك عن تاريخ الحركة الإسلامية في مصر مع الزميل الراحل حسام تمام عن صفقة لم تحدث بين التيار الإسلامي والرئيس السادات في السبعينات من القرن الماضي وتحدث آخرون قبلك عن صفقات أخرى لم تتم بين الضباط الأحرار والإخوان عقب ثورة 1952 إلى أي مدى يمكن أن نصدق أو نكذب حديث الصفقات بين الإسلاميين والعسكر وهو حديث متصل حتى اللحظة بصفقة ما بعد يناير 2011؟

- تصدق أو تكذب حسب المعطيات ومظاهر الصفقة، والصفقات دائما تعقد في السر، لكن أي صفقة تكون لها مظاهر ودلائل وإذا لم تظهر في وقتها فالتاريخ سيظهرها وسيكشف أطرافها وتفاصيلها.. وحينما يقال إن الإسلاميين في هذا الوقت في السبعينات عقدوا صفقة مع النظام، فكما قلت في كتابي، إذا كانت هناك صفقة بين السادات والإسلاميين فسأكون أنا الطرف الثاني رغم صغر سني وقتها، لكنني كنت أمثل الحركة الإسلامية في الجامعات، وإذا أراد السادات أن يتفق فقد كان سيتفق معي أنا.. وأنا قلت إن هذا لم يحدث، ولكن إذا قال السادات ذلك أو أي طرف آخر إن هناك صفقة فليقل ما هي ومن أطرافها وتفاصيلها ونتائجها.

* ولماذا يكثر الحديث عن صفقات بين الإسلاميين والعسكر طوال الوقت سواء في عهد السادات أو في الوقت الحالي؟

- أحد الأسباب قد تكون الغيرة السياسية مثلما كان الحال في السبعينات، كان المسيطر على العمل العام في الجامعات المصرية في الستينات وبعد النكسة التيار اليساري والناصري وهذا كان موجودا بسبب غياب الحالة الإسلامية، وعندما بدأت تتحرك الحالة الإسلامية وتنشط في الجامعات وبالتالي اكتسبت أنصارا كثيرين بحكم عملها، كانت هناك غيرة سياسية من الأطراف الأخرى، والأطراف الأخرى أحيانا تترجم غيرتها السياسية بإطلاق إشاعات عن وجود صفقة. نحن نريد تفصيل ديمقراطية خاصة، فإذا أتت بمن لا نحبهم نقول عليها لا تنفع، وإذا أتت بمن نحبهم نقول هذه هي الديمقراطية.

* «قف مكانك.. قف مكانك» كانت هذه صرخة السادات لك عندما تحدثت أمامه في لقائه الشهير مع طلاب الجامعات في منتصف السبعينات من القرن الماضي وكنت وقتها أمينا لاتحاد طلاب مصر، وبعد أن دار الزمان دورته ما تقييمك للرئيس السادات وفترة حكمه؟

- مما لا شك فيه أن السادات كحاكم سياسي وتحديدا في قضية الحريات بالذات وعدوانه على حقوق الإنسان أقل ممن سبقه وممن أتى بعده، أما على مستوى الموقف من إسرائيل فكان أسوأ موقف، لأنه باتفاقية كامب ديفيد عرض الأمن القومي المصري لخطر ما زلنا نعاني منه حتى الآن، وعلى المستوى الاقتصادي هو الذي بدأ كارثة الانفتاح، ثم جاء خليفته من بعده وزاد الكارثة ثم جاء ابنه وجعل الكارثة عشرة كوارث في العشر سنوات الأخيرة.

* وأنت الآن قريب من عمره «وقتها» وتقترب «حاليا» من منصبه السياسي.. كيف ستتعامل مع الشباب الثائر في هذه المرحلة المضطربة من تاريخ مصر؟ وما نصيحتك لجيل ثورة يناير؟

- سيظل جيل الثورة يقظا حيا ومحل فخر واعتزاز للمصريين، وأنبه الإخوة في الإعلام بألا يشوهوا هذا الشباب اليقظ وألا يخلطوا بينه وبين تنظيم مبارك البلطجي، الذي يندس أحيانا وسطهم ويعتدي على وزارة الداخلية أو يحرق المجمع العلمي.. حتى ينسب ذلك للشباب الطاهر، فهذا الشباب يجب أن يحتفظ بثورته وأنا معه أرفع شعار الثورة مستمرة حتى تحقق أهدافها بسلمية ودون الاعتداء على أي مرفق، والذي يعتدي على أي مرفق أو يعطل المرور لا علاقة للثورة به من قريب أو من بعيد.

* تحدثت أيضا في شهادتك المشار إليها سابقا عن تأثرك الكبير بالمرشد الثالث لجماعة الإخوان الأستاذ عمر التلمساني وعن علاقته بالموسيقى وسخرية بعض الإخوان من ذلك، وذكرت نصا «كان الفن أبرز نقاط ضعفنا»، إلى أي مدى ترى أن الفن لا يزال نقطة ضعف التيار الإسلامي رغم كل هذه السنوات من عمر الحركة الإسلامية؟ ولماذا لم تظهر حركة فنية إسلامية حتى الآن؟

- ظهر وبدأت مؤشرات لحركة فنية، ولكنى لست مع فكرة ما يسمى «الحركة الفنية الإسلامية»، أنا مع الفن الذي يحترم القيم ويعبر عن المجتمع، وإذا لم يعبر عن المجتمع لا يصبح فنا، فلا يمكن أن نتصور فنا ألمانيا يعلي من قيمة النازية ويمجد النازية ويقدسها، فهذا لا يعبر عن الشعب الألماني الذي يرفض النازية، ولا يتصور أن هناك فنا مصريا يحقر القيم الدينية سواء إسلامية أو مسيحية، فالفن إذا لم يتوافق مع قيم المجتمع وتوجهاته وينميها ويطورها ويجودها ويحسنها لا يصبح فنا، لذا يجب أن نرفع القيود عن الفن ونجعل القيد عليه هو المجتمع لأن البعض يريد أن يفرض قوة السلطة على الفن وهذا لا يجوز، لأن الفن لن يتطور إذا منع الإبداع، والإبداع تحكمه الحرية ويكون المجتمع هو الذي يقيده ويفرض عليه قيوده، والعمل الفني المخالف للقيم أو المسيء لها سينفض الشعب من حوله ولن يجد قبولا، ولكن القيود عليه ستكون خطرا على الفن والإبداع.

* أخيرا، إذا قدر لك أن توجه رسالة للرئيس السوري بشار الأسد ماذا ستقول له فيها؟ وفي رأيك إلى أي مدى نجحت الجامعة العربية في إدارة الأزمة السورية؟

- لم تنجح الجامعة العربية كالعادة لأنها جامعة ضعيفة تمثل حكومات ضعيفة إجمالا، وبالتالي كان من الطبيعي ألا تنجح، وبشار الأسد لن يكف عن إراقة دماء السوريين، وعليه أن يرحل وأن يترك الشعب السوري ينتخب النظام السوري الذي يمثله.