رئيس البرلمان العراقي: العملية السياسية الآن مشوهة وفيها الكثير من النواقص والانحرافات عن الدستور

النجيفي في حديث لـ «الشرق الأوسط»: علاقات العراق متوترة مع العالم العربي عموما وهذا الأمر مضر جدا

أسامة النجيفي
TT

تبدو مهمة أسامة النجيفي، رئيس مجلس النواب العراقي، الأصعب في الوضع السياسي الراهن، إذ يتحتم عليه كونه رئيسا للبرلمان أن يؤدي مسؤولياته كاملة وحسبما أقسم دستوريا من دون انحياز حتى لرأيه الشخصي، وفي ذات الوقت هو واحد من أبرز قياديي كتلة العراقية التي يتزعمها إياد علاوي الرئيس الأسبق لوزراء العراق، الكتلة التي يتعارض منهجها وبرنامجها مع منهج رئيس الحكومة نوري المالكي رئيس كتلة دولة القانون.

فالنجيفي الذي يوافق على قرارات كتلته بمقاطعة اجتماعات مجلس النواب، كما حدث مؤخرا، يبادر في اليوم التالي وباعتباره رئيسا للمجلس إلى حضور الاجتماعات وإدارة أعمال البرلمان معبرا عن حياديته ومهنيته في هذا الجانب.

النجيفي وفي حواره مع «الشرق الأوسط» ببغداد تحدث عن جملة من الأمور التي تشغل المواطن والسياسي العراقي في آن واحد، مسلطا الضوء على المؤتمر الوطني المزمع عقده بمبادرة من الرئيس العراقي جلال طالباني، وعلى المشكلات التي تهدد العملية السياسية، منبها في ذات الوقت إلى أهمية أن يقيم العراق علاقات جيدة مع عالمه العربي وإلا فإن «مؤتمر قمة بغداد سيكون هامشيا». وفيما يلي نص الحوار:

* المؤتمر الوطني الذي بادر إلى عقده الرئيس جلال طالباني والذي تغير اسمه إلى الاجتماع ثم اللقاء الوطني، هل سيتم عقده؟

- هناك اتفاق على عقد هذا المؤتمر والتحضيرات جارية حيث حصل تقدم مهم في الاجتماع الأخير للجنة التحضيرية إذ كان هناك تقارب في وجهات النظر بين الكتل السياسية، وهناك ورقة مشتركة للكتل تجمع كل الطلبات والتصورات حتى تتم مناقشتها والاتفاق عليها لندخل في التفاصيل تمهيدا لتحديد موعد انعقاد المؤتمر، وأنا اطلعت على ورقة كتلة العراقية التي جمعوا فيها كل الأوراق وأعتقد لا يوجد اختلاف في وجهات النظر حول أهم القضايا في النقاط التي يجب أن تبحث ولكن بالتأكيد سيكون هناك اختلاف في آليات وضمانات في زمن تنفيذ هذه القضايا.

* استنادا إلى تجربتكم هل تعتقدون أن هذا المؤتمر سينجح، سيتمخض عن نتائج إيجابية؟

- نلاحظ عند بعض الإخوان أنه لا توجد جدية في الحرص على المؤتمر لأن نتائجه ستكون ملزمة لهم في بعض القضايا.

* من هؤلاء؟

- بعض الكتل التي تعتقد أنها ستخسر بعض الصلاحيات.

* هل تستطيعون تسميتها؟

- كل الكتل لديها مشكلات، أنا لا أستطيع أن أسمي الآن أي كتلة باعتبار أني راعٍ للمؤتمر مع رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ولا أريد أن أنحاز إلى جهة لكنني أقول إن بعض الأطراف ليس من مصلحتها أن تعطي تنازلات في هذا الوقت، وهناك نوع من التصريحات تعقد عقد المؤتمر أو تسهل الأجواء اللازمة لإنجاحه ونحن نأمل أن ينعقد هذا المؤتمر في وقت قريب، لكن بالتأكيد إذا لم ينجح هذا المؤتمر فسوف يحقق جزءا من النجاح وهذا الأمر مطلوب تحقيقه أيضا في هذا الوقت لأنه من دون عقد المؤتمر سندخل فورا إلى مرحلة جديدة وهي مرحلة المواجهة السياسية التي ستعقد كل الوضع العراقي.

* هل تعني أن العملية السياسية سوف تصطدم بجدار؟

- العملية السياسية الآن مشوهة وفيها الكثير من النواقص وفيها الكثير من الانحرافات عن الدستور وعن المصلحة الوطنية وعن تقديم ما يريده المواطن العراقي من حياة آمنة ومستقرة، هذا الوضع يجب أن لا يستمر ويجب أن لا يسمح بالمزيد من الأذى للشعب العراقي، يجب أن يتم تصحيح المسار والعودة إلى الدستور والعودة إلى تحقيق مصالح المواطن العادي ومصالح المحافظات والعودة إلى تحقيق مفهوم الشراكة الوطنية والتفاهم الوطني حول إدارة البلاد في هذه المرحلة الانتقالية، هي ليست مرحلة مستقرة وليست مرحلة نهائية في بناء الدولة هي في الطريق إلى تحقيق ذلك لهذا لا بد من أن يكون هناك رأي مشترك وهذا الرأي المشترك غير متحقق الآن، هناك تفرد من قبل بعض الأطراف، لهذا نري أهمية في عقد المؤتمر الوطني الذي يسعى إلى إعادة التوازن وإعادة الشراكة الوطنية ويسعى كذلك إلى تحقيق مفهوم الدولة الديمقراطية التي تؤكد على تداول السلطة.

* تحدثتم الآن عن خرق الدستور، ترى كيف يتم خرق الدستور ولا تتم معالجة ذلك؟

- عندما يتم اعتقال مواطن ولا يتم تقديمه لقاضي التحقيق خلال 24 ساعة ويحتجز لأشهر طويلة في الثكنات العسكرية وبعد ذلك يتم مساومة أهل المعتقل على حرية هذا الموطن لإطلاق سراحه مقابل مبالغ مالية فهذا انتهاك كبير وخروج عن الدستور وهذا الأمر يحصل في العراق، وعندما لا تعطى محافظة ما تستحق من أموال وصلاحيات ويؤثر ذلك سلبا على حياة الناس في تلك المحافظة فهذا خروج عن نص دستوري يقول اللامركزية الواسعة، وعندما يتجاوز مسؤول صلاحياته ويقفز على الدستور ويجمد مواد في الدستور فهذا انتهاك للدستور، كل هذه الأمور موجودة الآن في العراق ويجب أن نتعاون للعودة إلى الدستور الحقيقي والالتزام بنصوصه.

* وماذا عن التشهير بنائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي وحسبما أكد بأن حصانته انتهكت كما تم انتهاك بيته؟

- قضية الهاشمي سيست منذ اليوم الأول وذلك بنشر تحقيقات أولية ابتدائية في الإعلام وخارج إرادة القضاء، وشحنت الشارع ضده مما ضغط على القاضي لاتخاذ الإجراءات التي يراها مناسبة بسبب أن الجو السياسي العام محتقن بشأن هذه القضية، كما أخذت بعدا مذهبيا معينا من خلال بعض العبارات التي أوردها بعض المتهمين خلال التحقيق الذي بث تلفزيونيا وبدئ بشحن الشارع في بعض المحافظات من خلال التركيز على الموضوع الطائفي وهذا أخطر ما يكون على مستقبل واستقرار العراق، لهذا أخذت هذه القضية جانبا سياسيا واسعا والجانب القضائي الآن معطل بشكل وبآخر بسبب عدم السماح للمحامين بالوصول إلى المتهمين حتى الآن وكل ما موجود هم محامون منتدبون من قبل المحكمة وفي بعض الأوقات هناك مظاهرات في باب المحكمة تنادي بإعدام المتهمين وهناك مراكز شرطة تطرد المحامين المتقدمين بوكالة للدفاع عن المتهمين ونحن كبرلمان نتحرك الآن للتأكد من سلامة الإجراءات قبل قيام القضاة بعملهم، ما نعمل عليه الآن هو الطعن بالإجراءات التي اتخذت بهذه القضية بدءا بالاعتقال والتحقيق الأولي وعرض المتهمين على القاضي، هذه الإجراءات لم تكن سليمة كان فيها جانب سياسي واضح. حتى نشر الاعترافات كان بأمر من السلطة التنفيذية وقد أصدر القضاء بيانا أكد فيه عدم علاقته بالموضوع وأن هذا ليس من صلب عمل القضاء لأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، وعرض الاعترافات إعلاميا يعتبر إدانة مسبقة وتأثيرا على الشارع وعلى القضاء وعلى السياسيين وهذا أمر فيه مخالفة دستورية واضحة.

* بصدد ذات القضية، تحدث نوري المالكي، رئيس مجلس الوزراء، عن الهاشمي في خطابه بمناسبة ذكرى تأسيس حزبه «الدعوة» بكلمات فيها إهانة عندما قال يجب أن يحضر مهانا أو ذليلا أمام القضاء، هل يجوز هذا؟

- هذا تدخل آخر في القضية.. أنا أعتقد أنه على رئيس الوزراء أن ينأى بنفسه عن التدخل بعمل القضاء، تصريحاته بأن هذا الشخص مدان وأنا «مطلع على التحقيقات» هذه مسائل لا تجوز خصوصا من رأس السلطة التنفيذية، يجب أن يخضع الأمر لطي الكتمان وبعد أن تأخذ القضية إجراءاتها السليمة حتى يتوصل القضاء إلى حكم معين، أما قبل ذلك فتدخل في باب تسييس القضية.

* دعني أسألكم كقيادي في كتلة العراقية، الهاشمي متهم بالإرهاب وصالح المطلك نائب رئيس الوزراء مطلوب سحب الثقة عنه برلمانيا من قبل المالكي، وهما قياديان في كتلتكم، كما أن هناك مطالبة بسحب الحصانة عن النائبين عن «العراقية» حيدر الملا وسليم الجبوري، هل المقصودة هو كتلتكم أم المكون السني العربي؟

- بالتأكيد هناك تنافس وصراع سياسي تستخدم فيه بعض الوسائل غير القانونية وغير السليمة، وأنا أقول إن تهمة الهاشمي ما تزال مجرد اتهام، وما دامت لم تثبت إدانته فهو من قادة كتلة العراقية وهو ما يزال نائبا لرئيس الجمهورية ومن حقه استخدام كافة الوسائل القانونية للدفاع عن نفسه. أما فيما يتعلق بصالح المطلك فهناك خلاف بينه وبين رئيس الوزراء وهناك طلب بسحب الثقة عنه والكتل السياسية لم توافق، يعني لم يتم عرض الموضوع في جلسة عامة في البرلمان ولكن في الأحاديث التي تمت مع رؤساء الكتل البرلمانية لم يوافقوا على طرح هذا الموضوع في مجلس النواب للتصويت عليه، القضية يمكن أن تحل بالتراضي بين الرجلين وهناك مساعٍ حثيثة من قبل رئيس الجمهورية جلال طالباني ومن قبلي لاجتماع من أجل حل هذا الأشكال وأعتقد أن الموضوع يجب أن يحل بسرعة ويعود الرجل، المطلك، إلى عمله كنائب لرئيس الوزراء ولا بد من التهدئة في هذه القضية على الرغم من أنه ما يزال هناك تراشق في الكلام بين الطرفين ولكن لا بد من التهدئة حتى نستطيع أن نعيد الأمور إلى نصابها. أما فيما يتعلق بسحب الثقة عن النواب فهناك طلبان لسحب الثقة عن نائبين في العراقية، الملا والجبوري، وهناك طلب لسحب الثقة عن ثلاثة نواب من التحالف الوطني وهم محمد فرج الله وصباح الساعدي ونائب آخر وهذه الطلبات معروضة أمام لجنة برلمانية مكلفة بالنظر بالقضايا ولم تقتنع هذه اللجنة بأي طلب لسحب الثقة عن النواب.

* ولكن السؤال الذي لم تجيبوا عنه هو هل أن المكون السني العربي هو المستهدف من وراء ذلك؟

- بالتأكيد الهجمة تستهدف كتلة العراقية فهي كتلة منوعة هناك نواب في البصرة تعرضوا للأذى والملاحقة والاتهامات، وعدد من جمهور الكتلة في المحافظات الوسطى والجنوبية تعرضوا للهجمة، فهي ليست استهدافا لمكون معين بقدر ما هي موجهة لمنهج سياسي.

* المعلومات تشير إلى أن قضية المطلك مع رئيس مجلس الوزراء ليست بسبب ما قاله عن المالكي ووصفه بأنه «ديكتاتور أسوأ من صدام حسين»، بل هناك خلفية أخرى للموضوع تتعلق بمسألة تشكيل الأقاليم؟

- المشكلة أثيرت مع المطلك عندما أثيرت مسألة التوازن الوطني في مجلس الوزراء حيث تم تقديم الطلب وحصل نوع من المشادة الكلامية ثم تطورت إلى ما حصل لاحقا، وموضوع الأقاليم مسألة دستورية وقانونية، هناك اعتراض من قبل رئيس الوزراء وتحفظ قوي وهذا الاعتراض والتحفظ ينتهك الدستور العراقي بوضوح إذ ليس من حق رئيس الوزراء أن يمنع قيام الأقاليم بل من واجبه أن يحيل الطلبات إلى الاستفتاء العام وهذا ما لم يحصل وفي ذلك انتهاك دستوري واضح تحت أي حجة أو عذر طرح لأنه يخرج من صلب مسؤوليات رئيس الوزراء، فالحقوق قائمة وهي مسألة وقت حتى تقام الأقاليم إذا لم تعالج قضايا حقوق المحافظات.

* هل أنتم مع إقامة الأقاليم؟

- أنا أعتقد أن إقامة الأقاليم ستؤكد وحدة العراق وستعيد لحمة العراقيين وستؤسس لنظام قادر على البقاء والاستمرار بثبات، وعدم إقامة الأقاليم، وعدم إعطاء المحافظات حقوقها من اللامركزية الواسعة ممكن أن يدفع الأمور إلى أخطر من ذلك، لهذا نقول لا بد من الانسجام مع الدستور وقبول أي طلبات شرعية تقدم ويكون الفيصل هو رأي المواطن وليس رأي السياسي الذي ليس من مسؤوليته إيقاف هكذا قضية.

* هل تعتقدون أنه سيتم إرغام بعض المحافظات بالقوة على عدم المطالبة بإقامة الأقاليم؟

- لا أعتقد أن الأمور ستصل إلى هذا الحد، ولكن هناك بعض الأطراف تحاول أن تثير فتنة داخلية في المحافظات لمنع إقامة الأقاليم.

* هل تم إدراج قضيتي الهاشمي والمطلك ضمن جدول أعمال اللقاء الوطني؟

- نعم.. كتلة «العراقية» تقدمت بورقة وفيها نص واضح يقول إنه يجب إيجاد حلول قانونية ودستورية وسياسية لقضيتي المطلك والهاشمي قبيل المؤتمر وليس ضمن أعماله وذلك لتهيئة الأجواء، وأكدت الورقة أن قضية الهاشمي فيها جانب سياسي وجانب قضائي، وقضية المطلك هي مسألة سياسية بحتة تحتاج إلى حل سياسي وهذا ما موجود في ورقة «العراقية».

* كتلة العراقية سحبت وزراءها من اجتماعات مجلس الوزراء ونوابها من البرلمان وعادت من دون ثمن.. أعني من دون أن تتحقق مطالبها، ترى لماذا انسحبت ولماذا عادت إلى مجلس الوزراء والبرلمان؟

- الانسحاب كان لسبب منطقي ومهم وهو ما ذكر في بيان الكتلة الأول وهو محاولة لصراخ بصوت عالٍ لإسماع الشعب العراقي والقوى السياسية والعالم أن هناك انحرافا في العملية السياسية، وأعتقد أن صوتنا قد وصل وهناك اهتمام واستجابات عراقية ودولية واضحة وبشكل حقيقي، ومن ثمرات المقاطعة الاتجاه إلى عقد المؤتمر الوطني والعودة إلى طاولة المفاوضات ومناقشة كل القضايا العالقة وإيجاد الحلول لها، لهذا أعتقد أن الثمن كان مهما جدا، والمقاطعة كانت لمصلحة وطنية عراقية، والعودة كانت لمصلحة وطنية عراقية والنتائج كانت واضحة وتتمثل بالمنهج الجديد الذي الآن نحن نمضي إليه وهو منهج الحوار والمفاوضات لإيجاد الحلول وتسليط الضوء على الوضع السياسي العراقي وأنه لم يخرج من الأزمة وأن الأوضاع تمر بمرحلة انتقالية، على العكس مما حاولت بعض الجهات الداخلية والخارجية أن تصوره بأن كل شيء في الوضع السياسي العراقي قد انتهى بنجاح وأنه قد أقيمت الدولة وقد استقرت، وهذا أمر غير متحقق الآن.

* لكن ما هو ملموس حتى الآن هو أن كتلتكم العراقية ما تزال هي الخاسرة في العملية السياسية ولم يتحقق لها من اتفاقية أربيل ومبادرة مسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان، أي شيء تقريبا خاصة تشكيل مجلس السياسات العليا، واللقاءات التي تمت بين إياد علاوي، زعيم كتلة العراقية، والمالكي لم تتمخض عن شيء وكان الأمور تدور في حلقة مفرغة..

- الحقيقة هي أن «العراقية» لم تأت لتحقيق مكاسب بقدر ما أنها جاءت لتعمل على إصلاح الأوضاع لهذا تخلت عن الكثير من الفوائد التي كان من الممكن أن تحصل عليها إذا تخلت عن بعض المنهجيات والرؤى والسياسات التي تعتقد أنها ضرورية لتقويم المسار، ولكنها (العراقية) كانت إيجابية وكانت دائما تقدم معاناة المواطنين والمطالبة بحقوقهم وامتيازاتهم والدفاع عن المعتقلين وعن حقوق المحافظات والمكونات العراقية بمختلف أطيافها، هذا كان وما يزال همها الأول وهو لم يتحقق بالكامل بالتأكيد لكن بعض المحافظات حصلت على حقوق جزئية وأن هناك مشكلة يجب أن تعالج، لهذا تستمر كتلتنا بالتمسك بثوابتها الوطنية والضغط باتجاه تحقيق مصالح المواطنين، ومصلحة «العراقية» هي العمل على بقاء العراق موحدا والخروج من التخندق المذهبي والطائفي وإقامة دولة ديمقراطية حقيقية والالتزام بالدستور، نحن في الطريق لتحقيق ذلك، لا يمكن أن تتحقق هذه الأمور بسرعة ولكن أصبحت هناك قناعة شعبية وقناعة قوى سياسية مهمة حتى خارج «العراقية» والعالم بدأ ينظر إلى أن هناك مشكلة في العراق تتلخص بالخروج عن الديمقراطية بعد أن ساد تصور بأن العراق قد أصبح بلدا ديمقراطيا كاملا، هذا ما حاولت بعض الأطراف أن توحي به ولكن العراق ما زال في الطريق و«العراقية» هي إحدى المثابات الرئيسية لتصحيح المسار السياسي في العراق.

* تتحدثون عن الديمقراطية وهنا نسأل هل القرار العراقي السياسي أو الأمني أو الاقتصادي هو قرار مشترك بين القوى السياسية المشاركة في الحكومة؟

- لا.. ليس مشتركا بالطبع، وهذه إحدى المشكلات الأساسية وهي أن القرارات الاستراتيجية لا تتم بالتشاور حتى في المؤسسات المعنية، يعني القرارات تتخذ بصور ارتجالية وبسرعة بغض النظر عن رأي الشركاء، وبعد اتخاذ القرار يتم إحالته إلى المؤسسات في محاولة لأن تلزم به بقية الأطراف، وحتى القرار الاقتصادي لا يتم الاتفاق عليه، يعني بعض القوى السياسية تتبنى منهجا معينا وتحاول أن تلزم الآخرين بهذا المنهج وهذا لا يتفق مع المصلحة العامة، ربما يتفق مع مصالح ضيقة وأعتقد أن البلد بحاجة إلى نوع من تنظيم المؤسسات والهيئات التي تصوغ القرار وتحاول أن تعمل على أن يكون قرارا ناضجا وأن يكون نتيجة دراسة متخصصين وخبراء وأن يحوز على اتفاق القوى السياسية الرئيسية وفي ذات الوقت ينسجم مع الدستور وينسجم مع مصلحة العراق التي تراها أغلب القوى السياسية أو الأكثرية الساحقة لأن هناك جهات تحاول أن تدفع العراق إلى محاور معينة خارج المحور أو الوضع الطبيعي الذي من المفترض أن يعيش فيه العراق وهذا أمر لا يتفق فيه كل العراقيون.

* العراقيون لا يشعرون بأن أي إنجازات تحققت لهم.. قبل مجيئي إليكم سألت مواطنا عراقي عما يريده من رئيس البرلمان فعله للناس فعلق قائلا «ليس هناك أي شيء تحقق للعراقيين لا كهرباء ولا خدمات ولا تحسن أمني ولا اقتصادي»، ما هو ردكم؟

- الحقيقة.. ليست الصورة سوداوية بهذا الشكل ولا نستطيع أن نقول إنه لم يتحقق أي شيء، العراق خرج من مرحلة كان فيها نظام قسري ودولة ظالمة وحكم يفرض على الناس كيف يعيشون وكيف يتصرفون ولا توجد فيها حياة سياسية وإنما حياة مفروضة على الناس قسرا، الآن هناك تنوع، هناك صحافة تكتب، هناك صوت يخرج من خلال مظاهرة أو من خلال البرلمان، أو من خلال القنوات الفضائية، الآن ما ذكرته أنت بأن الناس تتكلم عن المسؤولين، هذه نقلة جديدة إلى وضع جديد وليس لها سابقة، هناك ما لا يقل عن 3 ملايين موظف في العراق تغيرت حياتهم وزادت رواتبهم ويستطيعون الآن أن يمارسوا دورهم الطبيعي بعد أن تحسن وضعهم الاقتصادي كثيرا وهذه نقلة جديدة أيضا، الانتخابات هي وسيلة لأن يختار الناس من يريدون لتحقيق مصالحهم، بالتأكيد هناك ناس يستطيعون أن يقابلوا المسؤولين وأنا أقابل يوميا أعدادا كبيرة من المواطنين بعد أن يتقدموا بطلبات اعتيادية والوزراء لديهم أيام مخصصة لمقابلة المواطنين، أما فيما يتعلق بالجدران الكونكريتية فالوضع الأمني يحتم على المسؤول أن يضع هذا الجدار، هناك انتحاري يدخل بسيارته ليقتل المسؤول وعائلته والحراس وهذا حصل، أنا لا أقول إن الصورة سوداء وفي المقابل هناك أيضا اعتداء على كرامات الناس واعتقالات عشوائية وفساد بالدولة وتجاوز الصلاحيات وعدم وجود حلول حقيقية للمشكلات الاقتصادية وعدم وجود رؤية اقتصادية ناضجة وعدم وجود مؤسسات ناضجة، عدم بناء دولة بصورة نهائية، هناك صراع بين القوى السياسية، صراع بين إقليم كردستان والمركز، صراع بين المحافظات وبغداد بسبب التجاوز على الصلاحيات، كل هذه الأمور نتمنى أن نتجاوزها قريبا. هناك أشياء تحققت وأمور لم تتحقق وأخرى تحققت بشكل مخالف، المهم أن الشعب العراقي بدأ يعرف ماذا يريد، يعرف أنه يريد دولة ديمقراطية مستقرة آمنة يكون فيها الحاكم عرضة للمساءلة، ويكون فيها المسؤول تحت طائلة القانون، وأن تكون هناك شفافية في صرف المال العام، وأن يكون هناك احترام لحقوق الإنسان، هذه الأمور غير متحققة لكن هناك لجان تعمل على تصحيح بعض المسارات فهناك لجان لحقوق الإنسان والمفوضية العامة لحقوق الإنسان في المراحل الخيرة لتشكيلها.

* المواطن يبحث عن الخدمات المباشرة، الكهرباء غائب رغم مرور 9 سنوات على تغيير النظام، الشوارع مزدحمة بالباعة المتجولين، العراقي يريد أن يلمس الإنجازات بنفسه، ماذا يعني أن تكتب الجرائد وأن هناك حرية تعبير وهناك صحافيون يتعرضون للاغتيال مثلما حدث مع الصحافي هادي المهدي الذي لم يكشف التحقيق عن أسباب مقتله في بيته وبوضح النهار، هذا تهديد لكل الصحافيين.

- أنا قلت إن هناك انحرافات وأشياء لم تتحقق، وقد خرجت مظاهرات وتم قمعها وهذا أمر تم رفضه وإدانته وأنا أقول إن هذا المنهج خاطئ، هناك منهج خطير، نحن نقول إن هناك انحرافا الآن ويجب أن نعيد القطار إلى السكة لكننا نريد من المواطن أن يكون إيجابيا، ماذا أقول لأهالي محافظة معينة لا تقدم مرشحين مناسبين لمجلس النواب أو لمجالس المحافظات أو الأقضية خشية من إرهابي، هناك أعضاء في مجلس النواب منتخبون بصورة شرعية لكنهم لا يتمتعون بخبرات كافية، نحتاج إلى خبرات في مجال الطب والاقتصاد والقضاء والسياسة والتكنولوجيا وهذه غير موجودة نتيجة إحجام هذه الكفاءات عن الترشح والتصدي للمخاطر.

* القيادات السياسية الكردية اليوم تشكل عنصر التوازن والاستقرار في العراق، مبادرة مسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان شكلت الحكومة، واليوم مبادرة الرئيس طالباني جادة في إيجاد اتفاق لإنقاذ العملية السياسية، كيف تنظرون إلى هذا الموضوع؟

- الرئيس بارزاني قام بدور مهم في اتفاقية أربيل، واليوم الرئيس طالباني يقون بدوره منطلقا من كونه رئيسا للجمهورية لتحقيق المؤتمر الوطني الذي اتفقنا عليه، الرئيس طالباني وأنا عندما التقينا في السليمانية وقد تبنى هذا الموضوع كونه رئيسا للجمهورية. الأكراد دورهم أساسي في العراق وهم يحظون بدور سياسي واقتصادي، كما يحظون بعلاقات دولية متميزة وهذا يزيد من ثقلهم في الوضع السياسي العراقي، والخلافات بين المحافظات والمكونات والقوى السياسية العراقية الممثلة لهذه المحافظات تجعل للأكراد دورا أكثر أهمية وأن يكونوا عامل توازن في البلد وأعتقد أن هذا الدور سيبقى إلى حين أن تستقر الدولة ويكون هناك مرجعية دستورية وقانونية واضحة وحياة ديمقراطية حقيقية في العراق.

* كيف تنظرون إلى علاقات العراق الخارجية، عربيا أولا ثم إقليميا؟

- السياسة الخارجية غير متفق عليها، هناك خلافات في طريقة صياغة القرار أو الرؤية الاستراتيجية للعراق وكان لهذا الأمر أن يتحقق من خلال مجلس السياسات الاستراتيجية الذي اتفقنا عليه ضمن اتفاقية أربيل ولم ينفذ حتى الآن، إذ كان من الممكن أن يتحول هذا المجلس إلى مطبخ للقرارات المهمة وبضمنها العلاقات الخارجية، علاقات العراق متوترة مع العالم العربي عموما وهذا الأمر مضر جدا لأن العراق بلد عربي ومحيطه عربي ويجب أن يعالج الخلافات بطريقة صحيحة وأن يجد أسلوبا لفتح علاقات مستقرة، هذا غير متفق عليه وهناك قناعة أن الشعب العراقي يريد علاقات طيبة مع العرب ولكن يجب أن تكون علاقات متقابلة ليست فقط من جانبنا، العلاقات الإقليمية أيضا غير واضحة، بصورة عامة السياسة الخارجية للعراق لم تحقق إنجازات مهمة ولم تنجح في ترسيخ وإيجاد مشتركات وضوابط واتفاقيات في مختلف المجالات الأمنية والاقتصادية والسياسية تقوي وضع العراق عربيا وإقليميا ودوليا أيضا، العلاقات مع تركيا مثلا متوترة ومع إيران جيدة، مع السعودية متوترة ومع الكويت فيها ضبابية ومع الأردن في الوسط ومع سوريا الآن غير واضحة رغم من أن العراق بدأ ينسجم مع قرارات الجامعة العربية ضد النظام السوري. السياسة الخارجية متعثرة وتحتاج إلى مراجعة، هناك قوى سياسية عراقية لديها علاقات طيبة مع الدول العربية على العكس من السياسة الرسمية ويجب أن نستغل هذا التنوع لتحقيق علاقات طيبة مع الجميع ضمن المصالح المشتركة.

* حسب وصفكم هذا فإن علاقات العراق متوترة عربيا، إذن كيف سينعقد مؤتمر القمة العربية في بغداد، وهل أنتم متفائلون بعقد هذا المؤتمر؟

- المؤتمر متفق عليه، والعرب وعدوا بالحضور إلى بغداد ولكن يجب تهيئة الأجواء بصورة حقيقية، لا نريد مؤتمرا هامشيا يمثل فيه الدول وزراء الخارجية أو السفراء بل نريد مؤتمرا يعيد العراق إلى عالمه العربي ويعيد العرب إلى العراق. هناك موعد محدد لعقد المؤتمر والعراق وجه الدعوات والجامعة العربية أبلغتنا ومن خلال أحمد بن حلي الذي زارني قبل أيام بأن هناك قرارا عربيا جماعيا بالحضور وأنا ما زلت في شك من هذا الموضوع إذ ما زالت هناك علاقات غير واضحة وهذا يعتمد على الأيام القادمة خاصة فيما يتعلق بالموضوع السوري والعلاقات مع السعودية والكويت والبحرين، كل هذه الأمور ستحدد حجم ونوع المشاركة فهذا المؤتمر مهم جدا، العراق خرج من مرحلة ودخل مرحلة جديدة ويتطلب منه أن يؤدي دوره الواضح والمهم لدور وثقل العراق.

* أخيرا، هل كتلة العراقية موحدة؟

- نعم.. موحدة وقوية وقياداتها مصرة على تحقيق برنامجها الوطني.